سحب حاكم مصرف لبنان يده من قرار تصفية بعض المصارف وحل مجالس إدارتها وتعيين مدير مؤقت على كل منها، رامياً الكرة في ملعب الهيئة المصرفية العليا التي يرأسها هو نفسه إلى جانب 5 أعضاء مقرّبين من جمعية المصارف بغالبيتهم.
أعفى رياض سلامة نفسه من مسؤولية التأخر باتخاذ إجراءات كان من المُفترض أن يتم اتخاذها منذ أعوام، حين تعثرت المصارف وبدأت رحلة انهيار العملة الوطنية. وقد أعلن سلامة في مقابلة مع برنامج “المشهد” على قناة “الحرة”، أنه ليس من اتخذ القرار بحل مجلس إدارة بنك البركة إنما الهيئة المصرفية العليا “وذلك بعد عدة جلسات من الاستماع إلى المصرف”. مؤكداً أن المطلوب هو تطبيق تعاميم مصرف لبنان، والمصارف التي لا تطبق التعاميم تحال إلى الهيئة المصرفية العليا، وهي هيئة مستقلة عن مصرف لبنان وقراراتها غير قابلة للمراجعة.
وإذ شرح الأسباب التي أدت إلى القرار بان البنك يعاني نقصاً في السيولة ونقصاً في رأس المال، أوضح أن تعيين مدير موقت على البنك ليس بهدف إفلاس البنك، إنما في محاولة لتأمين التوازنات. وحسب سلامة، فإن الأسباب نفسها تنطبق على فيدرال بنك.
أما إسناد سلامة مسؤولية حل مجالس إدارات بعض المصارف إلى الهيئة المصرفية العليا، فربما يأتي في إطار “نفض يده” من عملية تصفية المصارف، إن تجاه المودعين أو تجاه إدارات المصارف، التي تتهم سلامة بالتعامل باستنسابية فيما بينها. لكن في شتى الأحوال، يبقى سلامة الآمر الناهي في الملف المصرفي، لاسيما في تحديد البنوك المرشّحة للتصفية. وهنا لا بد من التذكير بأن القانون رقم 28/67 أناط بالهيئة المصرفية العليا التي يرأسها سلامة، مسؤولية اتخاذ العقوبات، ويعود لحاكم مصرف لبنان منفرداً الحق في إطلاع الهيئة على تقارير اللجنة المتعلقة بأوضاع المصرف أو المصارف. بمعنى أن سلامة كحاكم لمصرف لبنان يقوم بإطلاع نفسه كرئيس للهيئة المصرفية العليا على أوضاع المصرف، ويتخذ بشأنه القرار المناسب.
دولار الـ15000 ليرة
وكشف سلامة في حديثه أن المصرف المركزي سيبدأ بالعمل بسعر الـ15000 ليرة مقابل الدولار ابتداء من أول شباط 2023، وسيصبح التعميمان 151 و 158 على 15000 بدل 8000 ليرة و12000 ليرة ابتداء من أول شباط، وقال “نحن اليوم دخلنا في مرحلة توحيد أسعار الصرف. وهذا بدأ بالدولار الجمركي الذي تقرر بشأنه وزارة المالية مع الرسوم الأخرى والضرائب، أما العمل بالتعاميم فسيبقى سارياً إلا إذا تم التصويت على قانون الكابيتال كونترول. عندها سنلغي كل هذه التعاميم ونصبح محكومين بالتعاطي بين المودعين والمصارف تبعاً لقانون الكابيتال كونترول”.
سعر الصرف “حر”
ورداً على سؤال عن واقع أسعار الصرف ابتداء من شباط، أوضح سلامة أنه لدينا سعران الـ15000 وصيرفة، فتوحيد سعر الصرف لا يمكن تحقيقه بضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى لغاية ما تصبح صيرفة هي من يحدد السعر. وعما إذا كان هذا الإجراء سيؤدي إلى رفع أو خفض سعر الصرف، قال إن السوق عندها هي التي تحدد حسب العرض والطلب، ولكن مصرف لبنان سيكون بالمرصاد. “فمثلا اليوم هناك بالسوق 70 تريليون ليرة لبنانية ونحن بإمكاننا لمّ كل الليرات عندما نقرر. فالأسواق تعرف هذا الشيء، وإذا قررنا يمكننا وضع مليار دولار لتجفيف السوق من الليرات، قال سلامة.
واعتبر سلامة أن سعر الصرف اليوم محرر، فالعمليات تحصل بأسعار متقلبة، وحتى سعر البنزين يتبع سعر السوق، ولكن حتى لو أصبح السعر متقلباً لا يجب أن نشهد تقلبات كبيرة. وقال: “نحاول من خلال التعاميم إدارة الأزمة. والأزمة كانت تواجه تحديات أيضاً خارجة عن نطاق مصرف لبنان. وأهم حدث حصل هو التوقف عن دفع السندات اللبنانية الخارجية التي عزلت لبنان بشكل كبير عن الأسواق المالية، وصعّبت دخول الدولارات إلى لبنان. وكذلك جاء كوفيد الذي أثر على اقتصاد العالم ككل”.
نمو وتضخم!
وأوضح سلامة أنه بالاحصاءات الأخيرة في مصرف لبنان، تبيّن أنه سيكون هناك نمو بالاقتصاد اللبناني في العام 2022 بحدود 2 في المئة، نتيجة ارتفاع حركة الاستيراد ونشاط الحركة الاقتصادية في الصيف الماضي، “إلا أن المشكلة هي في القطاع العام الذي يخلق الثقل على الاقتصاد”. وأكد على أهمية معالجة الوضع في القطاع العام، في وقت نرى فقط تشديداً على القطاع الخاص وقطاع المصارف، مع تناسي الإصلاحات المطلوبة في القطاع العام.
وعن تمويل زيادات رواتب موظفي القطاع العام ثلاثة أضعاف، قال إن هذه مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان، فإذا لجأ مصرف لبنان إلى الطبع فإنه بذلك يخلق تضخماً أكبر من التضخم الناتج عن تراجع سعر صرف الليرة. لذلك فإن المطلوب خطوات إصلاحية بداية، وتأمين مداخيل للدولة لتمويل هذه الزيادات. فقبل الزيادة كانت الرواتب تساوي تريليون و300 مليون ليرة. أما اليوم فأصبحت تساوي 3 تريليون و300 مليون ليرة، أي أن مصرف لبنان سيضخ خلال الأشهر الـ3 المقبلة مع المفعول الرجعي.
وعن كيفية تأمين هذا المبلغ، أجاب: طوّرنا طرقنا من خلال تعاطينا مع السوق عبر صيرفة، وأساليب أخرى لتأمين الدولارات، من دون أن نضعف البنك المركزي، وبشكل لا يوصلنا إلى الأسوأ.
موجودات مصرف لبنان
وأوضح سلامة أن الموجودات الخارجية لمصرف لبنان هي 10 مليار و300 مليون دولار، قابلة للتعاطي معها في الخارج. هذا عدا عن الذهب “وهذا لا نسميه احتياطاً الزامياً إنما موجودات خارجية يمكن أن نتصرف بها في الخارج. ولفت إلى أنه من أول السنة حتى اليوم تراجعت موجوادت مصرف لبنان بقيمة 2 مليار و500 مليون دولار فقط. وهذا يعني انه تم تأمين التمويل في القطاع الخاص والقطاع العام، وتحمّل تراجع سعر صرف اليورو لأن لدينا يورو في ميزانيتنا.
وعن التعميم 161 واستمرار ضخ الدولارات في السوق، سأل سلامة، لو لم يكن لدينا التعميم 161 فكيف كان أصبح سعر صرف الدولار مقابل الليرة؟ لافتاً إلى أن ما سيحصل هو ضخ مزيد من الدولارات في السوق، وعليه يُفترض أن يتراجع سعر صرف الدولار أو يستقر.
وعن كيفية تأمينه للدولارات أجاب “لدينا طرقنا للتدخل في السوق. ولكن عكس ما يقولون نحن لا نسحب دولارات ونحتفظ بها، إنما نعيد توزيعها. وهذا التوزيع يذهب إلى الناس وليس للمستوردين والتجار كما كان الوضع من قبل، أي في فترة الدعم” أضاف: لدينا خطتنا لتأمين زيادة الرواتب لكن بالمرحلة الأولى سنضخ دولارت. بعدها سنجد الطرق لتأمين الدولارات البديلة، ولكن هذا لا يغني عن ضرورة الإصلاحات.
وأكد سلامة انه لن يموّل شراء الفيول للكهرباء من احتياطات المصرف المركزي، وأن الحكومة تدرس إمكانية فتح اعتمادات مع تسديد لاحق بعد ستة اشهر، وستتفق معنا على كيفية تأمين الدعم لهذه الاعتمادات، على أن لا يكون مصدرها احتياطات المصرف المركزي. وهذه المبالغ يمكن تأمينها من خلال الجباية. و”نعتقد أن بإمكانهم جباية ما يساوي 300 مليون دولار”.
مصير الودائع
وعن مصير الودائع، قال سلامة: تحملنا كل الدعاية السلبية من أجل عدم إفلاس المصارف وإنقاذ ودائع المودعين، لافتاً إلى أن المطلوب لإعادة الودائع تأمين السيولة وخلق حركة اقتصادية لإعادة تسديد الودائع. وهذا ما يسمونه خطة التعافي التي يفترض أن تقوم بها الدولة. وعن الخطة التي عرضتها حكومة الرئيس ميقاتي والتي تتحدث عن تأمين أول مئةأالف دولار من الوديعة، قال سلامة، هذه خطة إدارة دفع الودائع، ولكن كي ندفع الودائع علينا أولا تأمين السيولة. اضاف ان مصرف لبنان فعل كل شيء للمحافظة على الودائع من خلال عدم إفلاس البنوك.
وفي سياق آخر، أمل سلامة إقفال هذا المرحلة من حياته بعد انتهاء ولايته في 31 تموز. وقال إنه لم يمثل أمام القاضية غادة عون في القضايا المرفوعة ضده، لأن القاضية عون حكمت علي حتى قبل ان تستمع إليّ، ومن خلفيات سياسية أو عقائدية أو مصالح معينة. وأنا مستعد للمثول أمام قاض ليس له أحكام مسبقة ضدي.
وعن القضايا المرفوعة ضده في الخارج، نفى وجود دعاوى. وقال هناك مجموعة على تواصل مع مجموعة في لبنان قدمت إخبارات وقامت بحملات إعلامية تواكب هذه الاخبارات، والمدعي العام يفتح تحقيقاً كما يحصل بأي بلد.
وعما إذا كان سيفضح بعض الأسماء بعد انتهاء ولايته قال، أنا ملتزم بالقانون وبالمادة 151 من قانون النقد والتسليف، الذي يمنع علي أن افشي ما اطلعت عليه حتى بعد انتهاء ولايتي، وعندما سئل عما إذا كان سيكتب مذكراته أجاب، “بلكي بعمل فيلم ع نتفليكس”.
المدن