السبت, نوفمبر 23
Banner

مراجعة حزب الله وخشية بكركي من الخلاف الطائفي

هيام القصيفي – الاخبار

عكس بيان مجلس المطارنة موقفاً مسيحياً حاسماً من أيّ محاولة لعقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء. هي إحدى نتائج الجلسة الأولى التي أعادت تسليط الضوء على انقسام طائفي كان الجميع في غنى عنه

لم ينتج من الإصرار على انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال أيّ فوائد توازي الارتدادات السلبية التي خلّفها. وبعيداً عن التذرّع بقضية مرضى الأمراض المستعصية الذين يعتصمون بلا طائل منذ أشهر طويلة، قبل أن تستقيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لم يثمر اجتماع الحكومة عن أي إيجابية في المشهد السياسي. بل إن جميع الأطراف المعنيين كانوا في غنى عن إضافة مشكلة جديدة الى ما يعيشه لبنان، وخصوصاً لجهة بلورة الانقسام الطائفي وظهور إشارات طائفية تفاعلت في الأيام الأخيرة، وأفضت الى إعادة القوى الأساسية حساباتها على ضوء ما جرى.

من بين المعنيين يصبح حزب الله الأول في هذا المجال، لأن لا أحد من القوى السياسية المعنية مباشرة مقتنع بأن ميقاتي تصرّف لوحده، وأن الحزب ليس وراء الدعوة بنيّة توجيهه رسائل مباشرة. لذا تطرح الأسئلة الجدية حول ما حصده من تغطيته اجتماع الحكومة لأن أي نتيجة سياسية لا توازي الانعكاسات السلبية لخلق مجموعة مشكلات سياسية. بدءاً من ردود فعل التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل واضطرار الحزب الى الردّ عليه. والردود المقصودة تعني تحديداً ما استُهدف به الحزب من قواعد التيار، والدعوات الى فرط التفاهم. صحيح أن موقف باسيل في مجلس النواب رئاسياً لم يأت في المستوى المطلوب، وأن سقف التفاهم لا يزال مضبوطاً، إلا أن باسيل عبّر عن امتعاض قاعدته وليس امتعاضه وحده حيال الحزب. في المقابل، ربح حزب الله تأكيد موقف رئيس الحكومة بما يمثّل سنيّاً الى جانبه. وهذا الأمر له سلبياته وإيجابياته: الإيجابيات لجهة وحدة موقف الثنائي ورئاسة الحكومة، والسلبيات التي أنتجها هذا الالتقاء «الإسلامي» على العلاقة مع القوى المسيحية التي تتوجّس من أي تقاطع من هذا النوع يشمل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

كذلك فإن حزب الله لم يكد يعيد فتح خطوط التواصل مع بكركي بعد جفاء، وهو أمر أثار حفيظة معارضيه خشية تأثيرات الحزب على موقفها من قضايا أساسية، ولا سيما بعد قضية المطران موسى الحاج، حتى غطى اجتماع الحكومة بلا مبررات مقنعة. ورغم أن تفسيرات أعطيت خطأً لموقف بكركي من جلسة مجلس الوزراء ولهجة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي «المدوزنة» مع ميقاتي، إلا أن مجلس المطارنة كان واضحاً أمس، ولم يحمل اجتهادات في ما يتعلق بعقد جلسة للحكومة. وهذا البيان يأتي تعبيراً عن موقف عدد من المطارنة سبق أن وقفوا موقفاً رافضاً لاجتماع الحكومة، وكانوا حريصين على إبداء تشددهم حيال أي موقف بطريركي يمكن أن يفسّره أي طرف بأنه مساومة. ولم يكن هذا الموقف وليد زيارات سياسية أو تأثيرات أيّ من القوى المعنية. وهو بقدر ما حمل رسالة الى رئيس الحكومة، إلا أنه حمل أيضاً رسائل الى داعميه في أي خطوة مستقبلية خشية إثارة شرخ جديد في العلاقات الداخلية، ولا سيما مع الإشارة الى حادثة الأشرفية مهما كانت خلفياتها.

في المقابل، ورغم أن أحداً لن يشكّ في أن باسيل لا يزال حليف حزب الله وأن الحزب لن يتخلّى عنه بسهولة ولو ارتفعت حدّة الرسائل بينهما، إلا أن إعادة تظهير الخلاف طائفياً لا تخدم الحزب وحليفه المسيحي. ومع أن رئيس التيار الذي يحرّك دوماً ورقة حقوق المسيحيين، لم يتمكّن من مدّ جسور تلاقٍ مع أيّ طرف مسيحي من المعارضة كما كان يأمل أخيراً، نتيجة سوء علاقته وأدائه السابق معها، إلا أن التلاقي المسيحي على رفض جلسة مجلس الوزراء، ومن ثمّ عدم تلبية دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار، يشكّل محطة لافتة، علماً أن القوات والكتائب هما المبادران في موقفهما من الحكومة ولم يلتحقا بباسيل، بدليل رفض لقائه والحوار معه حتى في ظل بكركي.

قد لا يتوقف حزب الله كثيراً عند نقطة اللقاء المسيحي غير المنسّق، نتيجة اعتقاد راسخ بأن حدود هذا الالتقاء معروفة ولا قدرة لها على خلق وقائع جديدة. إلا أن من الصعب تخطّي عوامل انعكاس الشرخ الطائفي مجدداً، وخصوصاً في ترجمتها العملية على الأرض. والأهم هو أن التوقيت ليس ملائماً اليوم للحزب لإنتاج توترات في غنى عنها. لذا تذهب المراجعة الى احتساب عقد الجلسة من الأخطاء التي أخلّت بالتوازن في ميزان الربح والخسارة، وكان في الإمكان تلافيها. وقد يكون بري وجنبلاط تعاملا مع ما حصل بجدية أكثر نتيجة ما توافر لهما من معلومات حول خلفيات المواقف السياسية وما سينجم عنها في حال الاستمرار في نهج جلسات مجلس الوزراء. والمقصود هنا يتعدّى تعويم باسيل في هذا الشكل الذي استفاد منه بالحد المقبول والذي لا يريح الطرفين، لأن توسع الامتعاض لدى بكركي والقوات والكتائب، وسحب الحوار كنكسة لبري، يعني مزيداً من الاصطفاف الطائفي في مرحلة غياب رئيس الجمهورية. أما إذا سارت الأمور نحو جلسة ثانية بعد بيان بكركي ومواقف القوى المسيحية، فهذا يعني أن ما حصل ليس خطوة ناقصة. حينها سيرصد موقف حزب الله بعين أخرى، كما موقف باسيل النهائي وليس حمّال الأوجه في كلام تصعيدي يوماً وكلام تهدئة يوماً آخر.

Leave A Reply