السبت, نوفمبر 23
Banner

كلام “التعطيل” باطل يُراد به باطل؟

طارق ترشيشي – الجمهورية

كثر الحديث في الآونة الاخيرة حول القصد من كلام الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله من أنّه يريد رئيساً للجمهورية «لا يطعن المقاومة في ظهرها»، وقد استغل بعض خصومه هذا الكلام، معتبرين انّ المهم في رئيس الجمهورية الجديد هو «أن لا يطعن ظهر لبنان وليس ظهر المقاومة». فيما ذهب البعض الآخر وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر»، الى انّ هذا المعيار لا يجب ان يكون المعيار الوحيد لاختيار الرئيس الجديد، وانما يجب أخذ مشروع بناء الدولة في الاعتبار.

وقد ترافق هذا الكلام، في رأي معنيين بالاستحقاق الرئاسي، مع محاولات لتصوير الأمر امام الرأي العام أنّ «حزب الله» يمارس السياسة التي انتهجها عام 2016، أي تعطيل الانتخابات الرئاسية إلى حين إقناع اللبنانيين بالعماد ميشال عون، وذلك بهدف تعمية الرأي العام عن حقيقة كواليس الانتخابات الرئاسية والسبب الأساسي في تعطلها.

إلاّ انّ هذا الكلام يبقى، في نظر المراقبين ومعنيين بالاستحقاق الرئاسي، مجرد لعبة اعلامية هدفها تشويه ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وضرب جدّيته، من أجل الذهاب إلى «خيار وسطي» علّه يلتقي به رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مع خصومه وهم كثيرون، ويشكّل تقاطعاً يُحرج الثنائي الشيعي. إلاّ انّ هذا الامر بقي دون جدوى او لم يأتِ بالنتائج المرجوة للأسباب الآتية:

اولاًـ انّ «حزب الله» لم يتبنَ ترشيح فرنجية كما فعل بترشيح عون عام 2016، بل وضع معايير حول رؤيته لشخص الرئيس العتيد، من اجل ضمان حسن ادارة البلاد وعدم الالتزام بأجندات خارجية تبقيها في دوامة الأزمات، لأنّه سبق وان حصل الامر عينه في مراحل سياسية عدة، ولم يستطع متعهدو نزع سلاح «حزب الله» ان يفوا بتعهداتهم للخارج.

ثانياً ـ صحيح انّ «حزب الله» يحبذ وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وانّ المعايير التي وضعها تنطبق عليه، إلّا انّه تقصّد الدعوة الى التوافق في عملية اختيار الرئيس، لأنّه يؤمن بأنّ نجاح مهمة الرئيس يقتضي استجماع اكبر مقدار من التأييد الوطني له.

ثالثاً ـ انّ «حزب الله» لا يعتبر انّ كل الاسماء المطروحة من شأنها حماية ظهر المقاومة، لأنّه يرى انّ ما من احد منها يستطيع إعطاءه ضمانات في ذلك، لأنّ ما إن يتمّ التلويح بعقوبات عليهم حتى يلتزمون ما قد يُملى عليهم، وبالتالي إدخال البلاد في مشكلات هي في غنى عنها.

رابعاً ـ يبدو من المشهد السياسي، انّ التعطيل قد بدأ منذ النزاع الذي دار بين الفريق الداعم لترشيح النائب ميشال معوض والفريق الآخر الذي يمثل تكتل «الاعتدال الوطني» وتكتل «التغييريين»، والجميع يذكر الدعوات المتكرّرة التي وجّهها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع إلى هاتين الكتلتين للانضمام إلى طروحاته، فجوبه بالرفض لاعتبارات تتصل برفضهما السير في طروحاته. فلماذا لا يُعتبر هذا الامر من قبيل تعطيل الانتخابات الرئاسية في حين يتمّ اعتبار رفض باسيل لترشيح فرنجية هو بمثابة تعطيل؟

خامساً ـ يلفت المراقبون الى انّه وفي سياق تقييم اسباب تعطيل الانتخابات الرئاسية يجب تصويب الأنظار على حركة باسيل الساعية إلى إحداث تقاطع مع كتل نيابية اخرى على اسم شخصية معينة، فلماذا لا يُعتبر فشله في تحقيق ذلك هو بمثابة تعطيل للانتخابات الرئاسية؟

سادساً ـ لا يجب ان يُنسى انّ هذا الاستحقاق يراه البعض استحقاقاً مسيحياً بالدرجة الاولى، في حين يراه البعض استحقاقاً وطنياً بامتياز، فلماذا لا يُعتبر إقفال «القوات اللبنانية» الباب امام حركة باسيل بهدف الاتفاق على اسم مرشح معين هو بمثابة تعطيل للانتخابات الرئاسية، لا بل لا يُعتبر اقفال كل الابواب المسيحية امام باسيل هو بمثابة تعطيل للانتخابات الرئاسية؟

سابعاً ـ انّ ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون بات علنياً وبلا أي إحراج وعلى عكس ما يسوّق البعض، وهذا ما يتجلّى بفريق العمل المنتشر على مساحة الشاشات، مع العلم انّ ترشيحه يقتضي تعديلاً دستورياً غير متوافر حتى الآن. أفلا يُعتبر إصراره على هذا الترشيح في ظلّ ممارسته لواجباته الوظيفية تعطيلاً للانتخابات الرئاسية، وبالتالي رمي مسؤولية هذا التعطيل على «الثنائي الشيعي»؟.

ثامناً ـ هناك عدد من الكتل النيابية تربط موقفها من الاستحقاق الرئاسي بموقف المملكة العربية السعودية، في حين انّ هذه الاخيرة لم تعلن موقفاً واضحاً من هذا الاستحقاق وتعتبره شأناً داخلياً؟ ألا يُعتبر ربط هؤلاء موقفهم بالمملكة وعدم تحديد موقفها امامهم بمثابة تعطيل للانتخابات الرئاسية؟

تاسعاً ـ انّ طرح اسم رئيس تيار «المردة» لم يأتِ من اعلان ترشيح، وانما جاء نتيجة نقاشات داخل الكواليس السياسية في لبنان كحلّ توافقي، نظراً لتمسّكه المتوازي بالمقاومة وباتفاق الطائف على حدّ سواء، وإيمانه بضرورة إشراك كافة المسيحيين واللبنانيين عموماً في القرار السياسي. وبالتالي، انّ هذا الامر هو طرح من الطروحات ولا يشكّل حالة من حالات تعطيل الانتخابات الرئاسية.

وإزاء ما تقدّم، يكون تعطيل الاستحقاق الرئاسي متأتياً من مجموعة عوامل وليس من عامل واحد. فالجميع، من حيث يدرون او لا يدرون، مسؤولون عن هذا التعطيل. فكل منهم قد وضع معايير لشخصية الرئيس التي يراها مناسبة، والكل لديه لوائح واسماء. وفي استعراض المراقبين لكل ما يحدث من تحركات سياسية على الساحة الداخلية، يتبيّن انّ ميشال معوض يسعى الى إبقاء ترشيحه «حياً يرزق»، ويرفض نقل هذا الترشيح إلى أحد يشبهه كنعمت افرام الذي يتحرّك اليوم بعد عودته من الولايات المتحدة الاميركية، ويسعى إلى ترشيح نفسه، معتبراً انّ الانتقال من معوض اليه يوصل التأييد له إلى نحو 65 صوتاً، وبالتالي يصبح امراً واقعاً، متناسياً انّه قد حذّر الكسروانيين في الانتخابات النيابية الاخيرة من ان يكون لـ»حزب الله» موطئاً في دائرته الانتخابية، كذلك ينسى توصيفه لواقع غزة عندما قال، انّ «الجردون فيها اصبح في حجم البسينة»، ما ازعج «حزب الله» وحلفاءه، معتبرين انّ هذا الكلام يعكس «رأياً باطنياً» يحاول افرام إخفاءه.

ومن جهة اخرى، يسعى باسيل الى ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور شقيق طوني ازعور القريب منه ومتعهد تنفيذ سدّ المسيلحة، ولكن باسيل يريد من خلال هذا الترشيح إعطاء اشارة للغرب، من ضمن الإشارات التي يوجّهها في الآونة الاخيرة، من انّه هو من داعمي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، محاولاً تجميل هذا الترشيح من انّه ابن شقيقة الوزير الراحل جان عبيد.

كما انّ هناك جملة من الترشيحات قد وردت في «لائحة طيارة» ضمّت كلاً من الوزيرين السابقين روجيه ديب وزياد بارود والسفير جورج خوري، على انّ هؤلاء جميعاً قد طلبوا الود ممن يتهمونهم بالتعطيل. والأمثلة كثيرة، فقد سبق لباسيل مثلاً ان طرح عدداً من الأسماء كالوزيرين السابقين ناجي البستاني وجان لوي قرداحي، ويسعى اليوم إلى طرح اسم النائبة ندى البستاني، لقطع الطريق على ترشيح النائبين ابراهيم كنعان وألان عون، اللذين نجحا حتى الآن في إحراجه ومنعه من تبنّي ترشيح اي شخصية من خارج تكتل «لبنان القوي»، معتبريَن انّ اي ترشيح من داخله يمكن ان يكتب له النجاح اكثر من أي شخصية من خارجه، لأنّ فكرة التقاطع مع «الحزب التقدمي الاشتراكي» التي يسعى اليها باسيل لن تحصل، لأنّ «الحل والربط» هو في مكان آخر.

على انّ المراقبين يرون انّه بات مكشوفاً انّ هناك بعض الأفرقاء الذين يبالغون في الدعوة إلى المواظبة على الانتخاب، وعدم الخروج من قاعة المجلس النيابي الى أن يُنتخب رئيس، «انما يسعون الى الفراغ التام والشامل، تمهيداً لطرح دولي كبير، يبدأ بإعادة النظر في الدستور ولا ينتهي بالفيدرالية او ما يشبهها».

Leave A Reply