كتبت صحيفة “الديار” تقول: اسدل الستار يوم امس رسميا على حقبة «الطائف» بمعناها الوجداني والواقعي مع مراسم تشييع رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني «عراب» الاتفاق الذي ووري الثرى معه في مسقط رأسه شمسطار. هذا الدستور الذي لم يطبق منذ ان «ابصر النور» لا يزال مجرد شماعة تعلق عليها كل موبقات السياسة اللبنانية التي حولته الى مجرد وجهة نظر تطبق وفق الاهواء والمصالح دون اي التزام بالنصوص الواضحة والصريحة. وفي هذا السياق، تنشغل البلاد الغارقة بأسوأ ازمة اقتصادية ومالية، بنتائج معركة «طواحين الهواء» الحكومية بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مدعوما من رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتيار الوطني الحر، حيث يتجه الاخير الى خسارة معركته مرة جديدة مع التوجه لعقد جلسة استثنائية مطلع الاسبوع المقبل بعد قرار حزب الله تأمين نصابها بشرط تقليص جدول الاعمال وحصره ببند الكهرباء… واعلن مساء امس وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية انهم ابلغوا ميقاتي بحضور الجلسة لمناقشة بندي الكهرباء فقط، واذا حصل عكس ذلك سينسحبون فورا من الجلسة. وفي الانتظار ثمة ترقب لعلاقة «التيار الوطني الحر» بحليفه الوحيد، بعدما اضاف النائب جبران باسيل بندا جديدا على جدول اعمال الحوار المرتقب ويتعلق بالضمانات السياسية لتياره الذي يتعرض برايه للحصار «والعزل» سياسيا، في ظل تفرد رئيس حكومة تصريف الاعمال بالساحة السنية وحصرها بشخصه نتيجة غياب اي منافس جدي بعد خروج رئيس تيار المستقبل سعد الجريري من المشهد السياسي، ومحاولة الرئيس بري تحجيم «التيار» الخارج من السلطة حديثا.
تعقيدات المشهد الرئاسي
هذه المخاوف «البرتقالية» تزيد من تعقيدات المشهد الرئاسي داخليا مع رغبة «التيار» بانتخاب رئيس لا يثير القلق حيال موقعه في الدولة والمؤسسات للسنوات الست المقبلة، وهو رئيس «تسوية» تحت عنوان «لا غالب ولا مغلوب»، اي ليس من قائمة المرشحين الطبيعيين او الاقوياء. هذ التعثر الداخلي يضاف اليه انسداد في الافق خارجيا، وقد عبر البيان السعودي – المصري بالامس عن استمرار التعثر في الحوار مع ايران الذي وصل وزير خارجيتها حسين امير عبداللهيان الى بيروت مساء امس، وهو سيبلغ من يلتقيهم من مسؤولين موقف طهران الثابت بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، وسيعيد تكرار استعداد بلاده لدعم خيارات الشعب اللبناني، وعدم ربط الساحة اللبنانية باي ملف آخر وفي طليعتها الاتفاق النووي، وهو كلام سبق وابلغ الى الفرنسيين الذين نصحتهم طهران بالتفاهم مع حزب الله على كل ما يتعلق بالشأن اللبناني، وما يقبله الحزب يحظى بمباركة ايران دون اي نقاش.
جلسة حكومية الاثنين؟
وفيما يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الثلاثاء المقبل، للحديث عن آخر التطورات السياسية، تتجه الانظار الى الجلسة الحكومية التي يصر رئيس حكومة تصريف الاعمال على عقدها تحت عنوان البنود الملحة مطلع الاسبوع المقبل. ووفقا لمصادر وزارية، ستوجه الدعوة للوزراء اليوم مبدئيا، لعقد جلسة يوم الاثنين، بعدما ابلغ حزب الله السراي الحكومي تغطيته لعقد جلسة استثنائية ببند وحيد لحل ملف الكهرباء. مصادر حزب الله التي اكدت على هذا الموقف تنتظر من الرئيس ميقاتي التزاما في هذا الخصوص فيما يواصل اتصالاته لمحاولة تمرير بنود اخرى تتعلق بملفات تحمل صفة العجلة والاستثنائية كملف النفايات. ووفقا لمصادر رئيس الحكومة، فهو مصر على القيام بواجباته وفقا للدستور، ولن يتخلى عن واجباته الدستورية. ولفتت الى ان الرئيس ميقاتي لا يمانع ترحيل جميع البنود المقترحة على جدول أعمال الجلسة باستثناء البند المتعلق بالكهرباء لقطع الطريق على «المزايدين» الذين يريدون تعطيل البلد بحجة الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية التي لا يمس بها احد، مشيرة إلى أن ميقاتي يدرس الخيارات لجهة تقليص جدول الأعمال.
توقيع وزير الطاقة؟
تجدر الاشارة الى ان جدول الأعمال الاساسي يتالف من 8 بنود أساسية، منها بندان حول الكهرباء، أبرزها إقرار سلفة خزينة لاستيراد الفيول لإنتاج الكهرباء، والاتفاق مع الحكومة العراقية على مشروع تجديد العقد بين لبنان والعراق على استيراد الفيول العراقي، ومشروع قانون لترقية الضباط في الأسلاك العسكرية والأمنية، وإقرار مرسوم توقيع مشروع تعاون بين لبنان والبنك الدولي للحصول على قرض استجابة لبنان لجائحة كوفيد 19، وتعديل احتساب أسعار المتر المربع في الأملاك البحرية، وتمديد عقد صيانة وتشغيل مطمر الناعمة، واستفادة المتعاقدين في المدارس والثانويات والمعاهد من بدل نقل يومي عن ثلاثة أيام أسبوعياً، إضافة إلى إصدار مراسيم تتعلق بصرف مساعدات اجتماعية في القطاع الصحي، وقبول إنهاء خدمات موظفين في إدارات الدولة. وفيما اكدت مصادر وزير الطاقة وليد فياض انه لن يشارك في الجلسة ربطا بموقف «التيار»، لانه يعتقد بامكان تمرير الملف دون الحاجة الى جلسة حكومية، يبقى السؤال كيف سيتم اقرار ملف سلفة الكهرباء دون حضور وزير الطاقة للجلسة؟ وهل سيوقع على اي مرسوم يصدر عنها؟!
«الهوة» بين «التيار» و«الحزب»؟
وفي هذا السياق، لا تخفي اوساط التيار الوطني الحر استياءها من موقف حزب الله، وتشير الى ان الاتصالات الجدية لم تنطلق بعد لاستيعاب التوتر مع الحزب في ضوء الجلسة السابقة التي يرى فيها التيار اخلالا بالتوازنات الوطنية، واذا ما تأكد حضور وزراء الحزب للجلسة المقبلة، فهذا سيعمق الهوة اكثر، براي تلك الاوساط، ويزيد من عمق الازمة. في المقابل، ترى اوساط مقربة من الحزب انه سعى الى طمأنة «التيار» لعدم وجود اي نيات سياسية مبيتة في الموقف من الجلسات، وانما وجود بنود ملحة تخص مصالح الناس، وهو يحاول خلق توازن بين مخاوف حليفه والحاجات الملحة بحصر بنود الجلسة بملف الكهرباء الذي يهم كل اللبنانيين… لكن ووفقا لمصادر مطلعة، فان الازمة اعمق من جلسة حكومية، فباسيل يريد توسيع اي حوار ليشمل مسألة رئيسية تتعلق بحصوله على ضمانات من الطرف الاقوى على الساحة اللبنانية حول موقع «التيار» في الدولة والمؤسسات خلال السنوات الست المقبلة بعد انتهاء العهد. وهو يريد ان يكون الاستحقاق الرئاسي منصة لهذه الضمانات، فاذا كان متعذرا وصوله الى بعبدا، فهو يريد رئيسا من غير «الصقور»، اي رئيس تسوية يكون غير معاديا لتياره السياسي، ولهذا فهو يعد «سلة» اسماء يرى فيها ضمانة لعدم تعرضه «للكيدية» في ظل ما يعتقد انه محاولة لحصاره. وهو يريد دعما غير مشروط من حزب الله الذي لم يغادر حتى الان «مربع» تبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ولا يوافق البحث عن بديل عنه في هذه المرحلة.
ماذا يحمل عبداللهيان؟
في هذا الوقت، وصل وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الى بيروت مساء امس، وسيلتقي اليوم عددا من المسؤولين اللبنانيين، في زيارة تسبق زيارته موسكو مطلع الاسبوع المقبل. ووفقا لمصادر دبلوماسية، سيجدد الوزير الايراني اهتمام بلاده بالتعاون الاقتصادي مع لبنان وتقديم كل ما يلزم لمساعدة الشعب اللبناني على كافة الاصعدة، وخصوصا متابعة ملف هبة الفيول التي لم تتابع الحكومة اللبنانية اجراءات اتمامها. سياسيا، لا يحمل اي جديد على صعيد الملفات العالقة، وهو سيؤكد دعم بلاده لخيارات اللبنانيين، ويجدد دعم ايران لاستقرار لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وسيعيد على مسامع المسؤولين ما قيل للجانب الفرنسي بضرورة فتح نقاشات مباشرة مع الاطراف اللبنانية، وفي مقدمتها حزب الله حول القضايا اللبنانية الداخلية، حيث لا صحة لاي كلام عن ربط ايراني للملف اللبناني باي قضية اخرى في المنطقة.
«تشدد» سعودي- مصري!
وفي سياق متصل، وعلى الرغم من صدور بيان عام عن الاجتماع الوزاري للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية على مستوى وزراء الخارجية، يشدد على أهمية أمن لبنان واستقراره، ودعوا القوى السياسية الى تحمل مسؤوليتها لتحقيق المصلحة الوطنية، والإسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي واستكمال الاستحقاقات الدستورية ذات الصلة من أجل العمل على تلبية طموحات الشعب اللبناني في الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي الذي يسمح بتجاوز الصعوبات الجمة التي واجهها لبنان في السنوات الأخيرة، الا ان هذا الكلام «الانشائي»، ترافق مع تشدد واضح في الموقف تجاه طهران حيث اتفق الجانبان على ضرورة احترام طهران الكامل لالتزاماتها بمقتضى معاهدة الانتشار النووي وبما يحول دون امتلاكها للسلاح النووي. واكد البيان الالتزام بـ «دعم الجهود العربية لحث إيران على الالتزام بالمبادئ الدولية لعدم التدخل في شؤون الدول العربية، والمحافظة على مبادئ حسن الجوار وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما فيها دعم المليشيات المسلحة، وتهديد الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية». وهو بيان متشدد برأي اوساط مطلعة، ترى انه لا يؤشر الى امكان حصول حلحلة اقليمية قريبة.
وداع «عراب» الطائف
وبعيدا عن الصخب السياسي، ووري عراب الطائف رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الثرى امس في مسقط رأسه شمسطار، بمشاركة شعبية ورسمية وتقدّم المشيّعين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزيران عباس الحاج حسن، وعلي حمية، وممثل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، النائب حسين الحاج حسن على رأس وفد من كتلة «الوفاء للمقاومة»، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون ممثلاً بالعميد الركن بيار أبو عساف، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ممثلاً بوفد من المديرية برئاسة رئيس دائرة بعلبك الهرمل المقدم الإداري غياث زعيتر، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ممثلاً بالعميد حسين خشفة. وأمّ المصلين على جثمان الفقيد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، ثم أدّت التحية له ثلة من تشريفات شرطة مجلس النواب، وحمل الجثمان على منصة مدفع للجيش اللبناني، وعُزفت موسيقى قوى الأمن الداخلي، وأطلقت مدفعية الجيش اللبناني 21 طلقة خلبية تكريماً للراحل، بعدها ووري الرئيس الحسيني في الثرى في مدافن العائلة.
تصحيح «خلل» التحقيقات الاوروبية
في هذا الوقت، ساد الهدوء اليوم الثاني للوفد القضائي الالماني في بيروت بعدما ساد التوتر يوم عمله الاول بسبب رفض القضاء اللبناني اي تجاوزات للقوانين اللبنانية المرعية الاجراء. ووفقا لمصادر مطلعة، تابع الوفد مهمته بالامس، وزار قصر العدل مع السفير الالماني، وقد حصل لقاء مع حاموش المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، واكد الوفد التزام المانيا بالمعاهدات الموقعة مع لبنان، ولفت حاموش الى ان القضاء لن يسمح بتجاوز القانون اللبناني. ورفع الوفد الالماني طلبا الى عويدات بالمستندات التي يريد الاستحصال عليها في الملفات الموجودة امام القضاء اللبناني. وكان عويدات كلف القاضي حاموش التنسيق مع الوفد القضائي الاورروبي واطلاعه على مستندات محددة، بعد ان يتقدموا بطلب خطي للقاضي عويدات الذي يقرر تزويدهم بها أم لا. وتم الاتفاق على ان يقتصر اي اجتماع على القضاة المعنيين بالتحقيق دون سواهم، لان حضور موظفين ورجال أمن خلال اطلاع القضاة على اي ملف يخرق سرية التحقيق. في هذا الوقت، انهت الجهات القضائية التحضيرات اللوجستية لبدء التحقيقات الأوروبية في القاعة العامة لمحكمة التمييز التي ستجري فيها الاستجوابات. وقد تم تبليغ الأشخاص المطلوب الاستماع إليهم، مع توفير الإجراءات الأمنية للوفود الأجنبية وتأمين الحماية اللازمة لها طول فترة عملها. ويجتمع القاضي عويدات صباح الاثنين المقبل، بالوفد الموحد من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ داخل القاعة المخصصة للتحقيق، ويناقش معها «خارطة الطريق» المفترضة للتعاون قبل أن تبدأ التحقيقات التي تجري بإشراف المحاميين العامين التمييزيين القاضيين عماد قبلان وميرنا كلاس، بما يضمن تنفيذ الاستنابات القضائية الأوروبية، من دون تجاوز صلاحيات القضاء اللبناني.
«قطوع» انفجار المرفأ
في هذا الوقت، تجاوز القضاء «قطوع» مواجهة مفتوحة مع اهالي شهداء المرفأ، بعدما سقطت جلسة تعيين قاض رديف للمحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار. فقد نفّذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت تحرّكاً احتجاجيّاً، صباح امس، أمام قصر العدل في بيروت، معتبرين أنّ دعوة أربعة قضاة إلى انعقاد المجلس العدلي «مخالفة للدستور والقانون»، ومطالبين بتدويل ملف التحقيق. ووفقا لمصادر مطلعة، لم يتأمن النصاب في الجلسة بعد رفض رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود حضورها لاعتراضه على آليات العمل والمقترحة، وكذلك رفضه اقتراحت تعيين القاضية سمرندا نصار قاضية رديفة في التحقيقات، كما امتنع مدعي عام التتمييز القاضي غسان عويدات عن الحضور باعتباره تنحى عن الملف. وشارك في الاعتصام النّواب: سامي الجميل، ميشال الدويهي، وضاح الصادق، فراس حمدان، الياس حنكش، بولا يعقوبيان، زياد حواط، غسان حاصباني، رازي الحاج وابراهيم منيمنة. واعتبر وليم نون، المتحدّث باسم أهالي الضحايا، أنّ «جلسة الامس لو عقدت فهي غير قانونية»، فالقاضي حبيب مزهر، ادعى عليه الاهالي، وكذلك القاضي عويدات، وبالتالي فإنّ أيّ قرار كان سيصدر عن هذه الجلسة هو غير قانوني، وأعلن أنّ 11 شخصاً من الأهالي مطلوبون للتحقيق، وطالب بـ «تدويل الملف إحقاقاً للحق»!