بتاريخ 17 تشرين الأول من العام 2019 بدأ مسلسل الحراك نتيجة زيادة بضع سنتات على فاتورة الواتس آب، فاحتشدت الجموع الغاضبة، وتوالت فصول المسلسل، قطع طرق، تحطيم مؤسسات رسمية وخاصة، محاولة اقتحام المجلس النيابي، يترافق مع ذلك خطاب طائفي ومذهبي محرض.
فجأة انتهى الحراك، وخُيل للبعض أنه فشل في تحقيق أهدافه بإسقاط النظام، وهو لم ولن يكون الهدف بالأساس، ما كان مخططا له بدأت بوادره بالظهور تباعا: توحش جمعية المصارف وتحكمها بأموال المودعين بعد حجزها عنهم، ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني، رفع الدعم عن معظم المواد الأساسية كالدواء، والوقود، وحليب الأطفال، والطحين وغيرها.
الهدف هو زيادة نقمة معارضي بيئة المقاومة، وإيجاد خلل بالعلاقة بينها وبين جمهورها العاجز عن تأمين قوت يومه، والرهان على انفضاض هذا الجمهور عن قيادته والعمل على كسر الثنائي الوطني في الانتخابات النيابية، والاتيان بأكثرية تتحكم بمفاصل البلد كما حدث بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، واستطاع الثنائي الحفاظ على حضوره الوازن، وبقاء الرئيس نبيه في سدة رئاسة المجلس النيابي، وعدم استطاعة ما يسمى بالفريق السيادي وما يسمى بالتغييرين إيصال مرشحهم الى رئاسة الجمهورية، ما افشل مخططاتهم وافقدهم صوابهم.
من هنا بدأ الجزء الثاني من مسلسل الحراك، وخرجت الى العلن دعوات التقسيم والفدرالية، وانبرى بعض رؤساء الطائفة المسيحية برفع وتيرة الخطاب الطائفي بحجة مصادرة مناصب المسيحيين، حتى وصل الأمر ببعضهم الى تحميل دولة إقليمية بعينها اتخاذ لبنان رهينة لها تبنيا لخطاب فارس سعيد والنائب أشرف ريفي والقوات اللبنانية، وتحميلها والثنائي الوطني وزر الفراغ في كرسي الرئاسة.
إن من يعطل انتخاب رئيس الجمهورية هو من رفض دعوة الرئيس نبيه بري للحوار ورماها بالحرم الكنسي، واختلاف المسيحيين فيما بينهم، وعجز البطريركية عن جمع القادة المسيحيين للاتفاق على اسم رئيس يريد كل منهم أن يكونه، ومع انشغال الخارج بالحرب الروسية ــ الأوكرانية وترك لبنان لمصيره يتحول رفض دعوة الرئيس بري للحوار خيانة لا تغتفر.
المسلسل مستمر، والعمل جار على تعطيل مجلس الوزراء ومنعه من معالجة أمور تهم المواطنين، بحجج واهية خلافا لما ينص عليه الدستور، ومنع المجلس النيابي من التشريع وحصر عمله بانتخاب رئيس الجمهورية، وما العراضة التي قام بها بعض النواب الا عينة من أمور يحضر لها في الخفاء.
المسلسل مستمر، مع مخطط مشبوه تتولاه قنوات إعلامية معروفة التمويل والتوجه بالتطاول على مقدسات الطائفة الشيعية، والنيل من كرامة أبنائها، في محاولة واضحة لاستفزاز هذه الفئة وجرها الى لعبة الشارع، وافتعال مشكل أمني وطلب الحماية الدولية، وهوما يبدو اضغاث أحلام بسبب وعي القيادة الوطنية لما يخطط له.
المسلسل مستمر، مع ارتفاع الدولار وانقطاع الكهرباء والماء، وجنون أسعار الوقود والمواد الغذائية، تبدأ عملية تحريك الشارع واستعادة فصول من الجزء الأول، مع تغيير في بعض المشاهد عبر ظهور مسلح لعناصر القوات الذين يتم تدريبهم في بعض الدول العربية، وتكرار ما حصل في مجزرة الطيونة، وكسر إرادة المقاومة ومعاودة الهيمنة على لبنان كما كان قبل اتفاق الطائف.
من حق الجميع أن يحلم باستعادة مجد غابر، وأن يعمل جاهدا وبكل السبل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق هذا الحلم، وأن يقدم أوراق اعتماده لدى هذه الدولة أو تلك، لكن عليه أن يدرك أن ما حصل في العام 1919 وما بعده لا يمكن حصوله في العام 2023 ولا بعده، وما كان مقبولا حينها وبعد اتفاق الطائف، لن يُقبل به ابدا، فالظروف تغيرت وكذلك موازين القوى، ومجد لبنان الذي أعطي زورا وبهتانا لبعضهم، تم تجييره فعلا وقولا للمجاهدين الذي حفظوا كرامة هذا البلد، وليس لمن يبيعون بلدهم بثلاثين من فضة.
أخبار عاجلة