تمكّن الفرنسيون و«حزب الله» من احتواء تداعيات الإخفاق في تشكيل الحكومة على «العلاقة الثنائية» التي اهتزت بقوة لكنها لم تقع.
على الرغم من النبرة الحادّة التي استخدمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مخاطبة «حزب الله» بعد تفشيل مبادرته، و«الردّ المتناسب» من السيد حسن نصرالله، الذي انتقد المؤتمر الصحافي الأخير لماكرون من حيث الشكل والمضمون، الّا انّ ذلك لم يمنع الطرفين من إبقاء خط الرجعة مفتوحاً.
هكذا، وبعدما أفاض كل من ماكرون ونصرالله في لوم الآخر على الهواء مباشرة، وفيما كان كثر يتوقعون وقف «العلاقات الديبلوماسية» بين حارة حريك وباريس، وتجميد مهام القائمين بأعمال التواصل السياسي (مسؤول العلاقات العربية والدولية عمار الموسوي والسفير الفرنسي لدى بيروت برونو فوشيه)، حصل العكس تماماً وتجدّد التواصل، عبر الزيارة الوداعية التي قام بها فوشيه الى الموسوي في عمق الضاحية الجنوبية، بعد كلام ماكرون وخطاب نصرالله، ما يعكس حرص الجانبين على عدم التفريط بالجسر، ولو الرقيق، الذي يربطهما منذ فترة طويلة، وجرى تفعيله عقب إطلاق المبادرة الفرنسية.
وما يمكن استنتاجه في هذا السياق، انّ كلاً من باريس والحزب، يجد ضرورة ومصلحة في إبقاء التواصل مستمراً بينهما، واعتبار ذلك أقرب إلى «الثابتة السياسية»، بمعزل عن الرمال المتحرّكة في الداخل اللبناني
على اساس هذه القاعدة البراغماتية، وبعدما قرأ جيداً كلام نصرالله المترجم الى الفرنسية وتمعّن في دلالاته، استقل السفير برونو فوشيه سيارته وقصد مقر «العلاقات العربية والدولية» في الحزب، وسط الضاحية الجنوبية، للقاء الموسوي ووداعه، مع انتهاء مهمة السفير في بيروت.
كان استقبال الموسوي لفوشيه ودياً، على الرغم من التشنج السياسي والتصعيد الاعلامي اللذين سبقا اجتماعهما، وهو حرص على استبقائه الى مائدة الغداء، علماً انّ «المعرفة» بين الرجلين سابقة بسنوات للمبادرة الفرنسية، وهما كانا يتواصلان بعيداً من الاضواء كلما دعت الحاجة.
لكن اللقاء الذي اتخذ في الظاهر الطابع البروتوكولي، لم يبقَ ضمن هذه الحدود، بل سرعان ما تجاوز تلك القشرة الخارجية، ليغوص عبر نقاش صريح ومستفيض في أسباب عدم التمكن من تشكيل الحكومة تحت سقف المبادرة الفرنسية، وفي دلالات المواقف التي أطلقها ماكرون ونصرالله.
شعر الموسوي بأنّ فوشيه لم يتفاجأ كثيراً بفحوى ردّ نصرالله على الرئيس الفرنسي، بل انّه قارب بواقعية ومرونة بعض طروحات أمين عام «حزب الله» في خطابه الاخير.
ولم يدع الموسوي الفرصة تمرّ من دون ان يعاتب ضيفه على طريقة توزيع ماكرون للمسؤوليات عن الاخفاق في تشكيل الحكومة، سائلاً إيّاه: «لماذا توجّهتم إلينا بهذا الشكل القاسي الذي يجافي الحقيقة»؟
شرح فوشيه بالتفصيل الدوافع الكامنة خلف موقف الرئيس الفرنسي، الّا انّ التفسير المتداول في أوساط لصيقة بالحزب لانفعال ماكرون، هو أنّ الرجل تعاطى مع مبادرته على اساس انّها تحدٍ شخصي له، وبالتالي فإنّ نجاحها او فشلها يعنيه كثيراً على المستوى الذاتي، ولذا شعر بمزيج من الغضب والاحباط عقب عرقلة مبادرته، الأمر الذي انعكس على نبرة مؤتمره الصحافي.
وما زاد من حجم الضغوط التي تزعج ماكرون، ظهور اعتراضات من قِبل اوساط فرنسية على سلوكه، فحواها «انك اهملتنا، وانغمست على نطاق كبير وواسع في الملف اللبناني، لتأتي النتيجة في نهاية المطاف صفراً، بينما هناك قضايا داخلية وحيوية تهمّ الفرنسيين لا تحظى لديك بالأولوية التي تستحقها»..
ولعلّ ما زاد الطين بلّة في الاليزيه، إحساس ماكرون بأنّ الأميركيين والسعوديين «شمتوا» بما آلت اليه مبادرته، وهو الذي زجّ بكل رصيده لإنجاحها.
ومع ذلك، يكشف المطلعون على حصيلة لقاء الموسوي والسفير الفرنسي، انّ الرجلين أكّدا النيّة المشتركة في استمرار التعاون خلال المرحلة المقبلة، وإن يكن فوشيه أوحى بأنّ باريس ستأخذ بعض الوقت لمراجعة ما حصل في المرحلة السابقة.
ويلفت هؤلاء، الى انّ المبادرة الفرنسية مستمرة من حيث المبدأ ولو انّ زخمها تراجع، مشدّدين على أنّ تأليف الحكومة في حدّ ذاته ليس جوهر المبادرة وإنما هو يشكّل وسيلة لتطبيق هذا الجوهر الذي يرتكز بالدرجة الأولى على رزمة من الإصلاحات الضرورية.
ويوضح المطلعون انّ «حزب الله» باقٍ على ايجابيته حيال المبادرة، وهو ينتظر وصول السفيرة الفرنسية الجديدة ليبدأ معها من حيث توقف سلفها.