طارق ترشيشي – الجمهورية
كل المؤشرات تدلّ إلى أنّ قابل الايام سيشهد مزيداً من التطورات على جبهة الاستحقاق الرئاسي الموضوع على نار حامية، خلافاً لكل ما يُقال ويُشاع. فما يدور في كواليسه يؤكّد وجود توجّه حاسم، أقله داخلياً، لإنجازه في اقرب وقت، لأنّ الانهيار الذي تعيشه البلاد تخطّى كل الخطوط الحمر، ولن تُحمد عقباه إن استمر على غاربه، في الوقت الذي يؤكّد الجميع على اختلاف ألوانهم ومشاربهم، انّ انتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل الضروري والملحّ لوقف الانهيار.
يقول متابعون للتطورات المحيطة بالاستحقاق الرئاسي، انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع وحلفاءه، يستعدون لخوض معركة سياسية تهدف إلى منع انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وذلك بعدما شعروا انّ هناك ثمة تسهيلاً لعملية انتخابه. وقد وضع هؤلاء استراتيجية عمل تبدأ من الداخل ولا تنتهي بالخارج، إذ انّه بات مؤكّداً لديهم انّ ما من رئيس سيُنتخب إلّا بالتفاهم مع «حزب الله» وحلفائه. ولذلك قد يكون هؤلاء باتوا يحبذون الذهاب إلى الفراغ التام ومن ثم البناء على أنقاضه.
وفي رأي هؤلاء المتابعين، انّ هذا التفكير لدى «القوات» وحلفاءها، قد تجلّى في أحداث عدة سبق للبنان ان شهدها وسيشهد مثيلاً لها في الآتي من الايام، وهي تتلخص بالآتي:
اولاً- انّ تفجير مرفأ بيروت جاء بعد ثورة 17 تشرين 2019، وانّ الرابط بين هذين الحدثين ليس سوى إفراغ الدولة من مضمونها. كما انّ الأب الروحي لهذين الحدثين الكبيرين ما زال مجهولاً حتى الآن، فيما لبنان لا يزال يعيش تداعياتهما السياسية، وقد بدت جلية هوية من استفاد منهما ولا يزال، إذ انّ إقفال الطرق في 17 تشرين 2019 والتحركات المتعلقة بملف انفجار المرفأ يدعمهما الحضور الشعبي لحزب «القوات اللبنانية» وحلفائه.
ثانياً- انّ خلفية الدور الذي تلعبه «القوات اللبنانية» ومن معها، تندرج ضمن إطار محاولة إضعاف «حزب الله» وحلفائه، وكذلك ضرب التفاهم الذي أرساه تيار «المستقبل» مع «الثنائي الشيعي»، ما يعني انّ السبيل الوحيد للتوصل إلى الهدف المنشود هو إفراغ الدولة لإعادة البناء من جديد.
ثالثاً- انّ محطة الاستحقاق الرئاسي الحالي هي محطة مهمّة بالنسبة الى «القوات» وحلفائها، من اجل تعزيز فكرة الاستفادة من الفراغ، بعدما عجزوا عن إيصال مرشح من جانبهم، حتى انّهم لم يستطيعوا ان يوصلوه إلى حدود نيل اصوات نصف عدد نواب المجلس النيابي، في حين انّ هناك امكانية كبيرة لإيصال فرنجية، بناءً على قبول اسلامي ـ مسيحي وتقاطع داخلي وخارجي.
رابعاً- تسعى «القوات اللبنانية» إلى الاستثمار السياسي على الاصوات الاخيرة والمتعلقة بقضية المرفأ وقرار المدّعي العام للتمييز غسان عويدات، بإخلاء سبيل الموقوفين في هذه القضية، والادّعاء على المحقق العدلي فيها القاضي طارق البيطار وحالة الاعتراض عليه. فبعد الاجتماع النيابي الذي انعقد امس، صدر بيان وقّعه 41 نائباً، متضمناً ما يشبه الاتفاق السياسي العام، والذي يمكن ان يؤدي إلى اتفاق على اسم مرشح رئاسي موحّد، بحيث يضمّ الكتلة التغييرية، أي مجموع الاصوات التي نالها المرشح ميشال معوض، ولكن هذا الامر يبقى في إطار السعي الذي قد لّا يكتب له النجاح.
خامساً- سيسعى جعجع في الآتي من الايام، لاستدراج رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إلى ملعبه وضمّه إلى «المعسكر النيابي» المعارض بذريعة الوقوف ضدّ وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، والعمل بالتالي على إيجاد المخرج السياسي لهذا الالتقاء بينهما، في ظل الحرب الضروس الناشبة بينهما، إلّا انّ إمكانية هذا الالتقاء ستشكّل خطاً احمر، لما لها من تداعيات على السلم الاهلي وعلى العيش المشترك في لبنان. علماً انّ القوى التغييرية ستكون محرجة في الالتقاء مع باسيل، بحيث انّها في هذه الحال تفقد مبرّر وجودها.
سادساً- انّ السباق الحالي يبقى بين انتخاب رئيس للجمهورية وبين الفراغ، سيكون تحت شعار «الميثاقية المسيحية»، التي سيحاول الفريق المعارض من خلالها التعمية على مشكلات اللبنانيين والاقتصاد الوطني الذي لم يعد يتحمّل اي تأخير في انتخاب رئيس الجمهورية وإطلاق عمل المؤسسة عبر السلطة الجديدة التي كان ينبغي إقامتها إثر الانتخابات النيابية في ايار 2022.
سابعاً- من المتوقع ان يتعرض الفريق المعارض لإضطراب. إذ انّ بذور الاختلاف في داخله هي اكثر من نقاط الالتقاء، وخصوصاً من جانب الشخصيات المسيحية المستقلة وبعض الاطراف الاسلامية، لأنّها تعتبر انّ الرهان على الفراغ هو مشروع قاتل، وقد تجلّى ذلك بالادّعاء على المدّعي العام للتمييز، الذي لم تتقبّله الطائفة السنّية على الاطلاق، لأنّها تعتبره اعتداءً يتحمّل مسؤوليته من يقف خلف المحقق العدلي البيطار.