عبد الكافي الصمد – سفير الشمال
أكثر من معنى سلبي حملته دعوة جهات تربوية مختلفة لوزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي، قبل أيّام، بإعلان نهاية العام الدراسي الحالي، بعد الإضراب المفتوح الذي ينفذه أساتذة التعليم الرسمي، والمستمر حتى إشعار آخر، بسبب التلكؤ في تنفيذ الوعود التي أغدقتها عليهم وزارة التربية، من خلفها وزارة المالية والحكومة، من تحسين رواتب وبدلات نقل وحوافز تشجيعية وغيرها، وبقيت حبراً على ورق.
الإنطلاقة المتعثرة للعام الدراسي الجاري سرعان ما توقّفت كليّاً نتيجة الإضراب المفتوح، ما أبقى نحو 350 ألف تلميذ في مراحل الروضات والأساسي والثانوي والمهني خارج صفوفهم، بالتزامن مع تلويح أساتذة الجامعة اللبنانية بإعلان إضراب مفتوح آخر، للأسباب نفسها، ما يعني أنّ نحو 80 ألف طالب جامعي في الجامعة الرسمية مهدّدين بخسارة عامهم الدراسي، وبالتالي ضياع سنة من عمرهم.
هذا الإنهيار في قطاع يعتبر الأضخم في لبنان كونه يضمّ تحت رايته قرابة نصف الشّعب اللبناني، إذا تمّ احتساب الطلّاب والأساتذة وعائلاتهم، يعني أنّ نصف البلد قد أصيب بالشّلل التام، وفي حال إضافة الشّلل الذي تعانيه القطاعات الأخرى كالزّراعة والصناعة والتجارة والسّياحة والإستشفاء، فضلاً عن أزمة القطاع المصرفي، يمكن تلمّس حجم القعر الذي وصل إليه البلد نتيجة هذه الإنهيار، من غير أن يعرف اللبنانيون سبيلاً لفرملة هذا الإنحدار نحو الأسوأ، ولا كيفية الخروج من هذه الأزمات التي يزداد غرقهم فيها كلّ يوم.
كلّ ذلك يحصل بينما الأزمة الإقتصادية ـ المالية تتعمق وتزداد كلّ يوم على خلفية إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، الذي تخطى عتبة الـ64 ألف ليرة منذ أيّام قبل أن يتراجع مؤخّراً، وهو إنهيار جعل شظاياه تصيب كلّ شيء تقريباً في البلد، من صفيحة المحروقات إلى ربطة الخبز، وحبّة الدواء، وقسط المدرسة وأسعار السّلع الأساسية، وهي شظايا لا ينتظر أن يشفى منها البلد في السنوات القليلة المقبلة، هذا إذا افترضنا أنّ رحلة العلاج والإنقاذ قد بدأت اليوم.
هذا الإنهيار الدراماتيكي هو بلا شكّ نتيجة سياسة إقتصادية ومالية عامة إتبعتها السّلطة في العقود الثلاثة الماضية وأوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم من وضع بائس على كلّ الصعد، من غير أيّ مراجعة نقدية، أو تصحيح للأخطاء، أو محاسبة الفاسدين وإبعادهم إلى بيوتهم على الأقل إن لم يكن ممكناً زجّهم في السجون.
ما سبق بات يشكل قناعة لدى غالبية المواطنين وشريحة واسعة من المراقبين بأنّ لبنان القديم إنتهى، ولن يعود، وأنّ لبنان الجديد لم يولد بعد، وأنّ مخاضاً عسيراً وطويلاً وصعباً ينتظر ما سيؤول إليه مصير بلد لم يخرج يوماً من أزمة، منذ ولادته قبل 100 سنة، إلّا ودخل في أزمة أخرى.