كتبت صحيفة الديار تقول: ما حل في سوريا وتركيا من كوارث، خطف كل الاضواء وجعل المشهد السوري يتقدم على كل الملفات من البوابة الانسانية. فقد ارتدى رئيس المجلس النيابي «البزة العسكرية» في موضوع كسر القرار الاميركي في حصار سوريا عبر قانون «قيصر» مدعوما من حزب الله والتيار الوطني الحر، واجرى سلسلة اتصالات لهذه الغاية مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي لم يكن بعيدا عن موقف بري بتقديم كل الدعم لسوريا. كما اجرى ميقاتي اتصالات مع المكونات المشاركة بالحكومة، ومرجعيات سياسية ودينية اجمعت وتلاقت على ضرورة تقديم المساعدات للشعب السوري. وعلى الاثر اتخذ وزير الاشغال علي حمية قرارا بفتح الاجواء والمرافئ والمعابر امام وصول المساعدات الدولية ومن دون اية رسومات جمركية ونقلها الى المناطق المنكوبة، كما استقبل حمية وزير الصحة السوري الذي قدم له لائحة بالحاجات، وقد نقلها وزير الاشغال الى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي رفعها الى المنظمات الدولية.
وقد تم التوافق ايضا على زيارة وفد حكومي برئاسة وزير الخارجية للتضامن مع دمشق، ورحب ميقاتي بالفكرة وجرى تأمين اتصال بينه وبين رئيس الحكومة السورية، وعلم ان بعض الوزراء اعتذروا عن المشاركة بالزيارة، وحدد موعد للوفد الوزاري مع الرئيس بشار الاسد الذي التقاه في قصر المهاجرين، وشكر الاسد للوفد اللبناني تضامنه وشرح حجم الدمار الذي خلّفه الزلزال في معظم المحافظات السورية، داعيا الى التعاون بين البلدين في كافة المجالات. فيما نقل بو حبيب تعازي ميقاتي بالضحايا وتضامن حكومته مع دمشق، ووضعه في الاجراءات التي اتخذت لايصال المساعدات، كما اجرى الرئيس ميشال عون اتصالا بالرئيس السوري.
وفي موازاة الدعم الرسمي، تطوع الآف من الشبان اللبنانيين قاصدين سوريا للمشاركة بعمليات الإنقاذ، كما باشرت عشرات الجمعيات جمع المواد التموينية والالبسة وحليب الاطفال لارسالها الى المناطق المنكوبة، كما استنفرت الاحزاب اللبنانية في ٨ آذار اجهزتها الصحية، وانطلقت المواكب باتجاه سوريا.
ومن المتوقع ان يتجاوز عدد الضحايا السوريين الـ ١٠ آلاف قتيل، مع وجود مئات العائلات تحت الانقاض، في حين ما زال اكثر من ١٥ لبنانيا مصيرهم مجهولا. واللافت ان معظم الدول العربية تجاوزت قانون «قيصر» في ايصال المساعدات، لكنه لم يصدر اي بيان عن وصول مساعدات سعودية وقطرية، وكذلك من معظم دول الاتحاد الاوروبي.
الاتصالات الرئاسية
برودة الطقس انعكست على الحركة السياسية الداخلية، باستثناء التحركات اليتيمة لرئيس «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط على المرجعيات الدينية والسياسية، حاملا اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون والتسويق له بشكل واضح ومن دون اقنعة، مع طرح صلاح حنين وجهاد ازعور على الهامش، وترجم هذا الموقف الداعم لجوزاف عون امام المرشح الرئاسي ميشال معوض، مرشح «الاشتراكي» و»القوات» طوال الفترة الماضية.
وبالتالي فان «الاشتراكي» انتقل الى الخطة « ب»، وفي المعلومات المؤكدة، ان معوض ابلغ وفد «اللقاء الديموقراطي» الذي زاره امس استمراره بالترشح، داعيا الى وحدة قوى المعارضة وعدم تشتتها، متمسكا بالرئيس السيادي مهما كانت الاعتبارات، فيما اكد تيمور جنبلاط على ان «اللقاء الديموقراطي» لا يسعى من وراء حركته الى تسوية منفردة عن «القوى السيادية»، بل الى توافق شامل بين كل الاطراف اللبنانية.
وفي المقابل، فان الثنائي الشيعي ابلغ رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط «بالواسطة «، انه لن يمشي بالتعديل الدستوري الذي يعبّد طريق قائد الجيش الى بعبدا مهما كانت الظروف والمعطيات والضغوط، رغم ان جنبلاط وبعكس كل التسريبات لم يفاتح بري خلال اجتماعهما الاخير باسم قائد الجيش مطلقا، وكان قد طرح اسم العماد عون مع وفد حزب الله خلال اجتماعهما الاخير من ضمن سلة ضمت صلاح حنين وجهاد ازعور، كما ان الثنائي الشيعي علم بحسم تيمور جنبلاط لاسم قائد الجيش من خلال التسريبات الاعلامية عن الاجتماعات التي عقدها نواب «اللقاء الديموقراطي» خلال الايام الماضية. ويقابل هذا الحسم من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» لاسم قائد الجيش اصرار على افضل العلاقات مع الثنائي الشيعي.
الموقف الاميركي
وفي المقابل ايضا، فان الموظفين الاميركيين في وزارة الخارجية وبعضهم من اصول لبنانية، الذين قابلوا اعضاء الوفد النيابي اللبناني، سمعوا وجهتي نظر عن لبنان، يمثل الاولى الياس بو صعب والثانية مارك ضو، فنائب رئيس المجلس النيابي الذي اجتمع بالوسيط الاميركي في ملف الترسيم هوكشتاين، اكد على ضرورة مساعدة لبنان لانجاز استحقاقه الرئاسي وشرح معاناة اللبنانيين دون الغوص بالتفاصيل، فيما تبنى مارك ضو القرار ١٥٥٩ مهاجما حزب الله ومطالبا واشنطن بالضغط للمجيء برئيس «سيادي»، وبالتالي فان معظم اجتماعات الوفد اللبناني مع الموظفين الاميركيين الصغار طُرح فيها موقفان لبنانيان متناقضان جدا. وفي المعلومات، ان سجالات وخلافات وقعت بين بو صعب ومارك ضو ترجمت في الاعلام ، وكل نائب عمل على هواه، فيما الموقف الاميركي كان واضحا لجهة عدم الاهتمام بالملف اللبناني الرئاسي، وانه ليس اولوية عند واشنطن التي لن تتدخل بالتسمية، ولا «فيتو» لديها على اي اسم، مع التأكيد على انجاز الاصلاحات ومواصلة الاجراءات ضد حزب الله، كما انتقد المسؤولون الاميركيون اداء الطبقة الحاكمة. وفي الخلاصة تبين لاعضاء الوفد اللبناني ان واشنطن مقتنعة بعدم انجاز اية اصلاحات في ظل الطبقة الحاكمة العاجزة عن الوقوف ضد حزب الله، وهذا هو الاساس عند واشنطن.
الموقف الفرنسي
اما في باريس، فكان الاجتماع عاصفا بين وجهات نظر متعددة : الاولى تبنتها السعودية وواشنطن ودعتا الى تطبيق القرارات الدولية واهمها الـ ١٥٥٩ والبيان الخليجي الذي صدر في الكويت، ورفض تقديم المساعدات بوجود حزب الله وقوته مهما كان اسم رئيس الجمهورية، ومثلت فرنسا وجهة النظر الداعية الى انتخاب رئيس للجمهورية منعا للانهيار ورفضت السقف العالي للشروط الاميركية السعودية، فيما قطر ومصر كانتا «بين – بين» مع حرصهما على الاستقرار. وشهد الاجتماع نقاشات ساخنة بين المندوبين السعودي والفرنسي، رغم حرص وزارة الخارجية الفرنسية على التعميم على الاعلاميين اللبنانيين والعرب في باريس عدم صحة ما سرب عن خلافات فرنسية سعودية.
وفي الخلاصة، فان الاجتماعات اللبنانية والدولية تلاقت حول نقطة واحدة لجهة استحالة انجاز الاستحقاق الرئاسي هذا العام، في ظل الانقسامات الداخلية وعدم الاهتمام الدولي لاول مرة منذ الاستقلال، فبعد طرد «الاسرائيلي» والانسحاب السوري ومغادرة منظمة التحرير، لم يعد لبنان اولوية عند القوى الكبرى، وارتفع منسوب عدم الاكتراث بعد انجاز اتفاق الترسيم.
المشاكل الاجتماعية وانسداد الحلول
وفي ظل انسداد الحلول الرئاسية والخلافات الداخلية، يتواصل مسلسل «الهريان» في المؤسسات الرسمية والخاصة، واحدة تلو الاخرى، مع التوافق في مجلس الوزراء الاخير على ان هامش الحلول للازمات المعيشية بات ضيقا جدا، في ظل الشح المالي وعدم القدرة على تأمين المطالب المحقة، بالاضافة الى تراجع حجم المساعدات الدولية عبر الجمعيات بعد الحرب الروسية – الاوكرانية، وسيتقلص حتما بعد الكوارث في سوريا وتركيا، في مقابل استياء السفراء الاوروبيين من عدم الشفافية في توزيع المساعدات وتقديم الكشوفات، خصوصا بالنسبة للقطاع التربوي.
اما بالنسبة لادوية السرطان، فان تأمينها لم يأخذ طريقه الى التنفيذ، وصرف ٨ ملايين دولار لدعم القمح «تجليطة « في ظل السوق السوداء وارتفاع ربطة الخبز خلال العاصفة الثلجية الى ٧٥ الفا واكثر، كما بيعت صفيحة المازوت بمليون و٥٠٠ الف في السوق السوداء هذا اذا وجدت، وقد عانى اهالي القرى الجبلية ظروفا قاسية، وسط عجز عائلات كثيرة عن تأمين وسائل التدفئة، حتى المياه ورغم الفيضانات فانها مقطوعة في معظم المناطق، بسبب العجز عن تأمين المازوت لمحطات الضخ، وصهريج المياه وصل سعره الى مليون ليرة.
اما رابطة التعليم الرسمي فلم تحسم موقفها من الاضراب المستمر منذ ٤ اسابيع لعدم الثقة بالوعود الحكومية، والقرار النهائي سيصدر اواخر الاسبوع، وهناك اتجاه لاعطاء فرصة للحكومة لتتفيذ وعودها، لكن موظفي القطاع العام مستمرون باضرابهم بسبب عدم قدرة الحكومة على تنفيذ مطالبهم.
وفي ظل هذه الاوضاع المأسوية ينفذ لبنان اضرابا شاملا في ١٦ شباط بدعوة من الهيئات النقابية وبمشاركة جميع القطاعات بما فيها النقل الجوي.
الملف البلدي
ورغم الجهود التي يبذلها وزير الداخلية بسام مولوي لاجراء الانتخابات البلدية في موعدها في ايار، وبدء الوزارة بتحضير الاجراءات اللوجيستية، فان التشكيك باجرائها يشمل جميع المرجعيات والاحزاب السياسية التي طلبت من القيمين على هذا الاستحقاق التريث في التحضيرات، وعدم اثارة المشاكل والحساسيات في القرى. كما ان الاحزاب المسيحية ترفض اجراء الانتخابات البلدية في ظل الفراغ الرئاسي، وتريد انجازه في حكومة العهد الاولى باشراف رئيس الجمهورية .
وتبقى مشكلة بلدية بيروت في ظل موقف القوى المسيحية بتقسيم البلدية ورفض المرجعيات السنية لهذا التوجه، كما يبقى عامل التمويل وتأمين 8 مليون دولارلانجازها غير متوافر حتى الآن، هذا بالاضافة الى ان ظروف البلد من جميع الجوانب لا تسمح باجراء الاستحقاق، وهناك حرص من معظم القوى السياسية على تأجيلها، رغم ان ذلك يحتاج الى قرار من مجلس النواب.