فادي عبود – الجمهورية
إجعلوا المصارف تصرّح عن أرباحها، فلو كانت تتعرّض لخسائر لقبلت ان تفتح دفاترها بشفافية.
يتمّ ترداد إقتراح «إستخدام أصول الدولة وأملاكها»، كأحد الحلول للأزمة المالية التي يعاني منها لبنان. فقد طرحه بعض المصرفيين والسياسيين لسدّ الفجوة وردّ أموال المودعين، ولإعادة النمو الاقتصادي، وورد ضمن خطة التعافي المالي التي طرحتها الحكومة. وتمّ طرح فكرة إنشاء صندوق سيادي يدير هذه العملية، وأخيراً، إقترح نواب من كتلة «الجمهورية القوية» قانون إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة اصول الدولة، بهدف إعادة تكوين الودائع وتعزيز المالية العامة.
نحن نعتبر انّ هذا الحل مقبول، تتحمّل فيه الدولة مسؤوليتها عمّا أهدرته من ودائع الناس بشرط ان يتمّ بالطرق الصحيحة.
ولكن ….
ولكن، أليس من الضروري قبل طرح هذه الحلول، ان نتأكّد من وضع المصارف حقيقة؟ وخصوصاً انّ المصارف تحقق ارباحاً وقادرة على إعادة ما تبقّى من الودائع؟
انّ طرح هذه الحلول الآن يعني إبراء المصارف من مسؤوليتها بإعادة الودائع إلى أصحابها، وانّ ما حصل قد حصل، وعفا الله عمّا مضى.
لا يجوز طرح أي حلول قبل ان تجيب المصارف عن هذه الاسئلة المحدّدة بوضوح وشفافية:
ـ كم كانت الودائع في كل مصرف بالتفصيل والتواريخ وبالليرة اللبنانية والعملات الاجنبية؟
ـ كم من هذه المبالغ كانت في سندات الخزينة؟ وكم هو الاحتياط الالزامي او الودائع في المصرف المركزي؟ وفي أي تاريخ؟ وبناءً على أي قانون؟
– كم أعاد المصرف المركزي منها، وفي أي تواريخ؟
ـ هل أجبرها المصرف المركزي على الاستثمار؟ وبناءً على أي قوانين؟
وبالتأكيد مَللتم من قصة إبريق الزيت المعتادة التي نردّدها حول ضرورة الاطلاع على كل التقارير المدققة للمصرف المركزي منذ 20 عاماً وحتى اليوم. وأن لا علاقة للسرية المصرفية بهذه التقارير والأسئلة.
ونتعجب من النواب كيف انّهم لا يطرحون هذه الاسئلة على المصارف قبل المبادرة إلى طرح حلول لمعالجة الأزمة؟ فكيف نُبادر إلى طرح علاج للمرض قبل تشخيص المرض بدقّة، فحتى اليوم لا نعرف ما هو حجم الأزمة؟ ولا أحد يملك ارقاماً دقيقة عن وضع كل مصرف؟
لا حلول واقعية قبل الإجابة عن الاسئلة التي طرحناها!!
ونسأل النواب: هل تعتقدون انّ من المجدي إنشاء اي مؤسسة او صندوق لإدارة اصول الدولة قبل إقرار قانون اساسي هو قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة؟ فمن سيضمن للناس انّ الاموال لن تتبخّر كما حصل في السابق، وانّ الهدر وإساءة الأمانة والفساد ستتوقف؟ ما هو الضمان الذي ستقدّمونه للناس بأنّ الاموال ستوضع في مكانها الصحيح؟ وانّه لن تكون هناك تنفيعات ومحاصصات وعقود مهندسة على قياس شركات محدّدة قريبة من أهل السلطة؟
أما بالنسبة إلى من يقول انّ نسبة المودعين في لبنان تبلغ 21%، وبالتالي لا يجوز التصرف بأملاك عامة للتعويض عليهم، نشارككم رأياً قانونياً للدكتور مارون بستاني، العميد السابق لكلية الحقوق في جامعة الحكمة: «من الأمور المستغربة ان يدّعي البعض أنّ الدولة اللبنانية لا تتحمّل أي مسؤولية عن ضياع أموال المودعين، مما يخالف أبسط القواعد القانونية، الداخلية والدولية، ومفاهيم العدالة والإنصاف، وذلك للأسباب التالية :
1- لا ينبري المسؤولون، وهم الناطقون باسم الدولة وممثلوها وفق الدستور، يقولون في كل مناسبة إنّ أموال المودعين مُصانة، لا بل مقدّسة … فكيف تكون مُصانة إذا لم تعترف الدولة بحصتها في تحمّل المسؤولية، وهي التي استفادت بجزء كبير من هذه الأموال ؟؟؟ وكيف يتمّ تفسير التناقض بين الأقوال والأفعال؟
2- وفي السياق نفسه، تُطالعنا محاولة التفريق بين صغار المودعين وكبارهم. وهذا المسعى غير السليم ما هو سوى وسيلة للتهرّب من المسؤولية. إذ، ما هو معيار التفريق؟ وعلى أي أساس يرتكز؟ فالدائن يبقى دائناً مهما كان حجم دينه او وديعته. وهذه المحاولة غير الموّفقة هي خصوصية لبنانية، لا نجدها في أي بلد في العالم، ولا نجد لها أي قاعدة قانونية تبررّها.
3- تتحمّل المسؤولية تجاه المودعين جهات ثلاث: المصارف، البنك المركزي، والدولة اللبنانية، بنسب يقتضي توزيعها وفق القواعد المحاسبية والقانونية السارية المفعول، وهي متوافرة في نظامنا القانوني الحالي.
4- انّ المبادئ القانونية التي يرتكز عليها النظام القانوني في لبنان تكرّس حق الملكية كأساس جوهري ـ دستوري تتفرّع عنه بقية القواعد اللبنانية، حيث نجد لها تطبيقات عدة، نذكر منها على الأخص ثلاثة:
– نظرية الإثراء بلا سبب التي توجب على كل من أُثري بلا وجه حق، أن يٌعيد الى صاحب الحق كل ما أُثري به.
– الدعوى البوليانية: Action Paulienne .
-الدعوى غير المباشرة Action indirecte .
وهذه الدعاوى تجيز للدائن ان يُلاحق مباشرة ليس فقط مدينه، بل مدين مدينه، من اجل استرجاع حقه الذي يحاولون إخفاءه بالتواطؤ.
فإذا كانت هذه التطبيقات ركائز مهمة في القانون الخاص، فكم من الحري يقتضي احترام روحيتها في القانون العام؟؟؟
وفي مطلق الحالات، يقتضي عدم الخلط بين وجود المال لدى المدين وبين حق الدائن في الحصول على دينه. فإذا تعذّر على المدين ردّ دينه للدائن مرحلياً، لعدم توافره بين يديه، فإنّ حق الدائن يبقى سارياً وقائماً ابداً كي يسترجع دينه عندما يصبح المدين مليئاً.
انّ محاولة التذاكي بهدف التهرّب من المسؤولية هو ما اوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. ولا يُمكن إعادة النهوض بالبلد والاقتصاد سوى باعتماد منطق العدالة والشفافية الكاملة، كسبيل للخلاص.