السبت, نوفمبر 23
Banner

تداعيات انهيار الليرة في حياة المواطن اليومية

ايفا ابي حيدر – الجمهورية

إعتاد اللبناني وتأقلم مع ارتفاع يوميّ في سعر الصرف الذي ينعكس زيادة يومية في اسعار المحروقات كافة، ويواكبه ارتفاع في سعر ربطة الخبز والخضار والسلع الغذائية والأساسية، كذلك يزداد سعر دولار منصة صيرفة التي تتأثر بها أسعار بطاقات التشريج التي تحلق بدورها، وتسعيرة الكهرباء. فكيف يتعايش اللبناني مع كل هذه التقلبات اليومية ويتأقلم بسرعة من دون أن يقول «آخ»؟

إستغرق ارتفاع سعر الصرف من 1500 ليرة للدولار الى 40 الفاً نحو ثلاث سنوات، محققاً خلالها زيادة تساوي 27 ضعفاً، بينما ارتفاعه الى 100 ألف لم يستغرق سوى اشهر. الا انّ هذه الزيادة لا تساوي اكثر من ضعفين ونصف، ما يجعل الابواب مفتوحة الى انهيار متسارع وارقام قياسية جديدة للدولار، حتى يبدو معها الوصول الى 200 الف ليرة للدولار وأكثر مسألة اسابيع.

في هذه الاثناء يبدو ان صعود الدولار ما عاد عاملا مؤثرا على حياة اللبنانيين بالنسبة نفسها التي كانت مع بداية الأزمة. ففي السابق كانت العملة اللبنانية تنهار ببطء أكثر من اليوم بينما كان الانهيار الفعلي على مستوى الحياة أسرع، اما اليوم فتبدّل المشهد بحيث اصبح الانهيار على مستوى العملة اسرع بينما على مستوى الحياة أبطأ.

ويظهر المشهد العام ان الغالبية تأقلمت مع التضخم الذي بلغت ما نسبته 171.21% كمعدل سنوي لسنة 2022 وذلك استناداً الى دراسة مؤشر أسعار الإستهلاك الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي و178% من كانون الأول 2020 إلى تشرين الثاني 2021. وقد يعود ذلك لأنّ جزءاً او كل المدخول بات مدولراً، فالذي مدخوله 100 دولار، وكان يساوي من اسبوعين 8 ملايين، بات يساوي اليوم أكثر من 10 ملايين، وبالتالي هل يمكن اعتبار الفريش هو نقمة على اللبنانيين او نعمة ؟

في السياق، يقول المدير التنفيذي لـ»مؤسسة البحوث والإستشارات» الاقتصادي كمال حمدان لـ«الجمهورية»: لقد أنتجت الأزمة 3 فئات من المجتمع، الاولى: تضم من لديه دخل دوري بالدولار بشكل جزئي او كلي. لا يمكن تقدير نسبة المُنتمين الى هذه الفئة انما قد تتراوح ما بين 15 و40% من العاملين. ولفت الى انّ هذه النسبة تتغير بشكل يومي أمام تطورات الحياة، خصوصاً بعدما تحوّل جزء من أقساط المدارس والجامعات الخاصة الى الدولار، كذلك أقساط التأمين، وفواتير المولّد. في المقابل لاحظنا ان الشركات الخاصة أول من بادر الى اعطاء جزء او كل الرواتب بالدولار، ولاحقاً تحول جزء من رواتب اساتذة الجامعات والمدارس الخاصة الى الدولار، وكذلك في المستشفيات. وما الاتجاه نحو دولرة البنزين في القطاع العام الا خطوة نحو اعطائه الدولار. منبّهاً الى ان اعتماد الدولرة الكاملة سيرفع الدولار الى مستويات قياسية قد تصل الى 6 اصفار، اذ مع ارتفاع الطلب على الدولار من اين سيتم تأمينه الى كل القطاعات؟

الفئة الثانية: تضمّ من تصلهم تحويلات من الخارج من ذويهم، وتقدّر نسبة هذه الفئة بنحو 20% من اللبنانيين، وقد تكون زادت نسبتهم بسبب ارتفاع الحاجة للعملة من جهة وارتفاع نسبة المهاجرين من جهة ثانية الذين يدعمون أسَرهم في ظل هذه الاوضاع الصعبة. واشار حمدان الى ان هناك تداخلا بين الفئتين الاولى والثانية بحيث يمكن للفرد ان يستفيد من تحويلات خارجية وأن يحصل في الوقت عينه على معاش جزئي او كلّي بالدولار.

الفئة الثالثة: هي التي ليس لديها أي مصدر للأموال الفريش، لا من الراتب ولا من تحويلات خارجية، او تحصل عليهما إنما بنسبة قليلة بحيث لا يكفي مستوى معيشتها، لذا تضطر للجوء الى مخزونها او ادّخاراتها بالكاش، وهذه تمثّل الفئات العليا والوسطى من الطبقة المتوسطة. وقد ينطبق على هذه الفئة التوصيفات الثلاثة، لكن لا يمكن تقدير نسبتهم لأن الفئة التي باتت تحصل على جزء من راتبها بالدولار ما عادت قليلة، لكن المشكلة هي في القيمة الاجمالية للدولار التي يحصلون عليها شهرياً، فإذا كانت تتراوح بين 100 و 200 دولار فهي بالكاد تكفي لدفع فاتورة المولد، وفي هذه الحالة يحتاج الفرد الى مزيد من الأموال لتغطية بقية نفقاته من مأكل ومشرب واستشفاء ودواء…

وخَلص حمدان الى انّ ما بين ثلث الى ربع اللبنانيين يستفيدون من و/أو واحدة من هذه المصادر الثلاثة ويصلهم الدولار بهذه الطريقة، وهؤلاء يمثّلون نحو مليون لبناني وهم من يملأون المطاعم والفنادق والمسابح…

ولدى سؤاله اذا كان الفريش هو نعمة ام نقمة على اللبنانيين بعدما اعتادوا على الانهيار وتأقلموا معه؟ أجاب حمدان: حتى للانهيار سقوف، فأمام انهيار المرفق العام ومنظومة الخدمات العامة والتعليم والصحة هناك فئات كبيرة من المجتمع تقف في الوسط وما دونه وهي تمثّل الفئات الدنيا والمتوسطة من الطبقة المتوسطة الى جانب طبقة الفقراء، فهؤلاء يدفعون ثمناً كبيراً جداً من دون ان نغفل انّ أجور الادارات العامة لا تزال بالليرة اللبنانية بشكل عام، كذلك تعويضات نهاية الخدمة من الضمان وتعويضات المهندسين وغيرهم، وحتى الآن هناك بحث عن حلول إنما بالمهدئات، بينما لا تزال المشكلة الاكبر قائمة. واذا ما استمر الافلات من العقاب فإنّ الأزمة ستظل قائمة ونحن لا نزال في وسطها.

Leave A Reply