كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
بداية الشّهر السّادس من الفراغ في رئاسة الجمهورية، عكست ما بدت أنّها قوة دفع صديقة، لحسم الملف الرئاسي، وكسر حيطان التعطيل وتحريك عقارب السّاعة الرئاسيّة في الاتجاه الذي يملأ الفراغ الرئاسي بالرئيس المناسب، لقيادة السفينة اللبنانية في هذه المرحلة إلى برّ الأمان.
تتجلّى تلك القوة في الحراكات الصديقة والشقيقة، التي دخلت في الفترة الأخيرة مدار التزخيم على أكثر من خط دولي واقليمي وداخلي، متجاوزة كلّ التوترات والانفعالات والاعتراضات الداخلية، وما تفتعله من مطبات تعطيلية للمسار الرئاسي منذ ما يزيد عن نصف سنة. وثمة مؤشّرات سياسيّة وديبلوماسية وُصفت بأنّها اكثر من جدّية، لتفعيل تلك الحراكات اكثر في الايام المقبلة، سواء على مستوى دول الاجتماع الخماسي في باريس، أو على مستوى فتح خطوط الاتصال المباشر وغير المباشر بين باريس وبيروت، وكذلك بين الرياض وبيروت.
وعلى ما تعكس مصادر سياسية موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ الاجواء الديبلوماسية المواكبة لهذه التطورات، تؤكّد أنّ هذه الحراكات تأتي إنفاذاً لـ«قرار غير معلن»، قد اتُخذ على مستوى الأصدقاء والأشقاء، بأنّ الوقت قد حان لإنهاء الوضع الشّاذ في لبنان، ووضع اللبنانيين أمام مسؤوليتهم في إعادة تكوين الدولة، بانتخاب رئيس للجمهورية سريعاً وتشكيل حكومة تؤسس لخروج لبنان من أزمته الصعبة التي يهدّد استمرارها بانزلاقه إلى صعوبات اكبر من طاقته على تحمّلها او احتوائها، وخصوصاً انّ هذه الأزمة فتحت امام لبنان كل الآفاق السلبية وصولاً إلى الخراب الكلّي.
وعلى ما يؤكّد مطلعون على تفاصيل الحراكات لـ«الجمهورية»، فإنّ «الفرنسيين متصدّرون ومستنفرون على طريق حسم الملف الرئاسي نهائياً، برغم حملة الشتائم التي تُكال عليهم ممن كانوا حتى الأمس القريب، يتغنّون بفرنسا الدولة الصديقة والأم الحنون. والاميركيون داعمون، واما السعوديّون فأزالوا اللبس عن موقفهم، ووضعوا حدّاً لإشراكهم بمواقف تنمّ عن تمنيات ورغبات داخلية تُنسب إليهم «فيتوات» على هذا المرشّح او ذاك. ورسالتهم كانت صادمة لمن راهنوا على ذلك، وفي هذا السياق، ليس أوضح ممّا قاله السفير وليد البخاري في حراكه الاخير بأنّ الأولوية لانتخاب الرئيس واللبنانيون أمام مسؤولية تاريخية لانتخابه، والمملكة لا ترتضي الفراغ الذي يخرب لبنان».
رئيس قبل 15 حزيران!
واكّدت مصادر ديبلوماسيّة من العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية» ما تصفه «المنحى الجدّي والفاعل الذي يسلكه الحراك المرتبط بالملف الرئاسي، والذي من شأنه أن يمنح اللبنانيين فرصة لتحقيق انفراج وشيك في الملف الرئاسي»، وقالت رداً على سؤال: «الاولوية لانتخاب فوري لرئيس الجمهورية»، متجنّبة التطرّق إلى اي من الاسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية.
«راح الكثير»
واكّد مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»، انّ «في أفق الحراكات الجارية ما يؤسّس فعلاً لفتح كوة واسعة في جدار التفاؤل، الذي كان حتّى الأمس القريب مسدوداً بالكامل، يمكن النفاذ منها إلى فرصة جديّة للحسم الرئاسي وإنهاء الوضع الشاذ في موقع الرئاسة الاولى بانتخاب رئيس للجمهورية خلال الاسابيع القليلة المقبلة».
ويكشف المرجع عينه، عن أنّ معطيات يمتلكها، ويتكتم عليها، تجعله يقترب من الجزم بأنّه «من الآن وحتى 15 حزيران المقبل، سيكون هناك رئيس للجمهورية، يعني «راح الكتير، وما بقي الّا القليل»، لافتاً الى انّ الجو المسموم الذي يُشاع في الداخل اللبناني، هو جوّ مؤقت، وسينجلي غبار الضوضاء التي يفتعلها المعتاشون سياسياً وشعبوياً من الفراغ الرئاسي، بعناوين استقلالية وسيادية وتغييريه، وذلك كتعبير انفعالي من قِبل هؤلاء، بعدما تيقّنوا بأنّ الرياح الرئاسية تهب بما لا تشتهي سفنهم».
لبنان ليس معزولاً
الى ذلك، وبشيء من الامتعاض، يقارب مصدر ديبلوماسي عربي ما يسمّيه «جفاء اللبنانيين تجاه مصلحة بلدهم، وانشغالهم بكلّ ما يضرّ بها»، وقال لـ«الجمهورية»: «يؤلمنا ونحن نرى لبنان ينهار، ولا نرى في المقابل من يسارع إلى نجدته».
ورداً على سؤال قال: «لا اتردّد في الاعتراف بأننا لم نعد نفهم على السياسيين في لبنان، بل لم نلمس لديهم الرغبة في تجاوز ازمتهم وانتخاب رئيس للجمهورية، والتجاوب مع الجهود الرامية الى تحقيق ذلك».
واكّد رداً على سؤال آخر انّه «لا توجد اي ضغوط او مداخلات خارجية لتعطيل الاستحقاق الدستوري في لبنان، بل انّ المشكلة الأساسية التي تعطّله مصدرها الداخل اللبناني، والمنطق الاستفزازي المتبادل الذي يفاقمها ويعمّق هوة الانقسام بين اللبنانيين».
وعن الجهد العربي لمساعدة لبنان، قال: «الأسرة العربية لم تترك لبنان، وكانت ولا تزال تعتبر انّ الكرة بيد اللبنانيين، والحلّ بأيديهم وحدهم، وهذا يضعهم امام مسؤولية التوافق، حيث لا يمكن لأي حل ان يُفرض عليهم من الخارج، ومن هنا، نقف دائماً في موقع الداعم والمشجع للأخوة في لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية، وما زلنا نراهن على نجاح الجهود في تمكين اللبنانيين من تحقيق هذا الإنجاز لهم ولبلدهم».
وحول انعكاس التطورات الاقليمية على الداخل اللبناني، قال: «اي عاقل يفترض انّ هذه التطورات إن اكملت كما هي مرسوم لها، ستكون لها ايجابياتها على مجمل المنطقة، ولبنان حتماً لن يبقى ساحة متوترة معزولة عن محيطها، لا اريد ان استبق الامور، وابالغ في التقدير، لأنّ الامور تتطلب بعض الوقت لكي تتبلور بشكل اوضح. ولكن بمعزل عن ذلك، وكما سبق وقلت، تبقى المسؤولية للبنانيين، حيث لا نصدّق انّهم عاجزون عن تحمّلها، كما لا نستطيع ان نصدّق على الاطلاق انّ اللبنانيين لم يدركوا بعد الضرورة الكبرى التي تحتّم عليهم ان ينصرفوا عن مصالحهم الذاتية، ويتلاقوا على تحقيق مصلحة بلدهم».
الاولوية لتأمين النصاب
إلى ذلك، وفي معلومات «الجمهورية» من مصادر مواكبة للحراكات الديبلوماسية، فإنّ الغاية الأساس منها، هي تهيئة الأجواء لعقد جلسة انتخابية لرئيس بنصاب كامل، والحؤول دون تعطيلها.
ولفتت المصادر إلى انّه على الرغم من تفضيل بعض الجهات الخارجية لبعض الاسماء، الّا انّ الحراكات الجارية، حتى ولو كان بعضها يميل إلى مرشحين معينين، لا تسعى إلى فرض اي مرشح على اللبنانيين، وتطرحه وحده للتوافق عليه، وهو ما يبدو مستحيلاً حتى الآن. بل انّ هذه الحراكات، ترتكز على اولوية إقناع الاطراف السياسية في لبنان، بإجراء الاستحقاق الانتخابي، ضمن منافسة ديموقراطية بين المرشحين، وهذا يوجب بالدرجة الأولى الالتزام بتأمين نصاب انعقاد جلسة الانتخاب وعدم فرطها، وبالتالي فلتجر العملية الانتخابية بمرشح او اثنين او ثلاثة، وليربح من يربح».
حراك السفير السعودي
وسط هذه الأجواء، تابع السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لقاءاته السياسية التي بدأها بعد عودته من المملكة، وزار امس الرئيس تمام سلام في دارته، وجرى عرض للاوضاع والتطورات في لبنان. ولفت بيان صادر عن مكتب سلام، انّ السفير السعودي والرئيس سلام شدّدا على «ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن منعاً لإطالة مدة الفراغ ودخول لبنان في المجهول».
كما استقبل السفير البخاري، السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف، وكان الملف الرئاسي في لبنان من ضمن المواضيع التي تمّ تناولها. وأفادت مصادر مطلعة على الموقف الروسي لـ«الجمهورية»، انّ موسكو ترى انّ من الضروري ان يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في وقت قريب. وتعتبر انّ الطريق الاسرع إلى تحقيق هذا الامر يكون بالتوافق بين اللبنانيين على ما يحقق مصلحة لبنان ويحفظ استقراره السياسي ويؤمّن انتعاشه الاقتصادي».
إلى ذلك، وغداة اللقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، والسفير السعودي، لوحظت حركة اتصالات ولقاءات مكثفة يجريها الرئيس بري في غير اتجاه سياسي داخلي، سواء ضمن الفريق السياسي المؤيّد لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، او مع اطراف اخرى كرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي يؤكّد بري انّه لم يخرج يوماً من اطمئنانه من موقف جنبلاط، الذي تحدثت بعض المعلومات عن لقاء وشيك بينهما. ولفتت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ بري الثابت على موقفه من دعم الوزير فرنجية، يحيط حركته بكتمان شديد. وعلى ما يقول بعض المقرّبين فإنّه، اي بري، وإن كان يعتصم على قضاء حاجاته بالكتمان، فإنّه في الوقت نفسه، يقارب الملف الرئاسي بالقدر الأعلى من المسؤولية، وعلى رغم الانسداد الداخلي، فإنّه لا يسلّم بهذا الانسداد، بل انّ الضوء ما زال موجوداً في الأفق الرئاسي، ويعزز الامل في دخول لبنان في ربيع رئاسي قبل فصل الصيف، ولذلك، فهو في ادائه ومقاربته لهذا الاستحقاق، يعمل للانتخابات الرئاسية وكأنّها ستجري غداً».
فرنجية منفتح
وغداة اللقاء المطول بين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، استقبل فرنجية نائب رئيس المجلس الياس بو صعب في دارته في بنشعي امس، ولفت قول بوصعب بعد الزيارة بأنّها «كانت ضرورية من ضمن الجولة التي اقوم بها على كل المرجعيات السياسية في البلد بهدف إيجاد قواسم مشتركة بموضوع رئاسة الجمهورية والفراغ والمشاكل التي تواجه اللبنانيين، وباختصار وجدت لدى سليمان بك كل الانفتاح للتواصل والحوار والتفاهم مع كل الفرقاء، وخصوصاً انّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي تدفع كل الفرقاء المختلفين للجلوس مع بعضهم البعض والتحاور حول القيم التي يمثلها كل منهم».
وإذ لفت إلى انّه «طالما لا توجد شروط مسبقة من كل الأفرقاء، وهذا ما لمسته خلال جولتي، فبالإمكان مدّ جسور التواصل»، قال: «اللقاء مع الوزير فرنجية كان ايجابياً، وهو منفتح على الجميع ومن دون شروط مسبقة».
إلى ذلك، نقل زوار بكركي استياء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي من المراوحة السياسية وتناقضاتها التي ترمي بثقلها التعطيلي على انتخاب رئيس للجمهورية، وتخلّي المجموعات السياسية عن مسؤولياتها الوطنية، وتغليب حساباتها الذاتية والشخصية، ومنع مجلس النواب من القيام بواحبه بانتخاب الرئيس، وهو لطالما شدّد على ذلك في عظاته، وكذلك ترحيبه بأي مسعى او جهد مساعد في انهاء الفراغ في سدّة الرئاسة، بما يحفظ للرئاسة الاولى هيبتها وموقعها ودورها، ويحقق للبنانيين ما ينشدونه، وينجي لبنان من منزلقات خطيرة تتهدّده».
وقد كان الموضوع الرئاسي محل بحث بين البطريرك الراعي والنائب غسان السكاف، الذي لفت قوله بعد اللقاء عن وجود «بصيص امل في الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية، وقد حصرنا الاسماء بثلاثة من أصل 11 اسماً تمّ البحث فيها».
«حزب الله»: فرنجية
الى ذلك، وفي موقف لافت، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في تغريدة له: «أكّدنا مراراً على المقاربة الإيجابية بطرح اسم مرشح للرئاسة، واليوم أصبحت الأمور واضحة أكثر محلياً وإقليمياً، ولا ينفع الاستمرار بالمقاربة السلبية برفض الآخر من دون تقديم البديل. «حزب الله» لم يتوقف عن مدِّ اليد إلى شركاء الوطن بالحوار للتوصل إلى انتخاب الرئيس». اضاف: «أعلنَّا دعمنا لترشيح الوزير فرنجية، فلتطرح الكتل الأخرى مرشحها أو مرشحيها، ونحن مستعدون للتداول لتقريب وجهات النظر للخروج من المراوحة، ثم يكون الانتخاب بتطبيق الدستور لانتخاب الرئيس في المجلس النيابي».
رعد: تعالوا لنتفاهم
وفي السياق ذاته، اكّد رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، التمسك بدعم الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وتوجّه الى الخصوم السياسيين قائلا: «تعالوا لنتفاهم لاختيار الرئيس الأصلح لبلادنا في هذه المرحلة التي نريد منها أن تحفظكم وأن تحفظ مصالح الجميع».
وأضاف رعد في كلمة له في احتفال في حارة صيدا امس: «يقولون لنا أسقطوا مرشحكم وتعالوا لنتفاهم، هم لا يريدون الحوار بل يريدون أن نتخلّى عن مرشحنا، فيما يريدوننا أن نستمع إلى أسماء مرشحيهم ونتحاور حول الاسماء التي يطرحونها ثم يتهموننا بأننا نرفض الحوار ونرفض التفهم والتفاهم».
واشار إلى انّه «قد يطول الوقت حتى يستوعبوا الحقيقة، لكن هذا شأنهم لأنّ الإستحقاق الرئاسي واختيار الرئيس له علاقة برسم مسار البلد الاستراتيجي»، وقال: «لا يمكن أن يحصل تسامح وتساهل في اختيار الشخص الذي يشكّل ضمانة لهم ولأمنهم ولسيادتهم ومصالحهم، والشخص الذي لا يُدار من قبل الأعداء على الهاتف، هذا ما نصبو إليه وما نصبر من اجله». وأردف: «بلدنا جزء من منطقة تزحف باتجاه تسوية أوضاعها وترتيب مصالحها بالتي هي أحسن، وتنحو باتجاه وقف الحروب. لكن في لبنان هناك من يصرّ على شرذمة الموقف اللبناني وتصديع المجتمع اللبناني وتضييع فرصة أن يلتئم اللبنانيون لحفظ مستقبلهم ورعاية شؤونهم وصون مصالحهم والدفاع عن بلدهم».