صلاح سلام – اللواء
تتهاوى القامات الوطنية، الواحدة تلو الأخرى، في وقت يحتاج لبنان إلى الرجال الرجال، الذين يُكرّسون ولاءهم للوطن، ويؤمنون ببقاء الدولة الحصن الأول والملاذ الأخير، ويعملون لحماية تجربة التعددية الثقافية والحزبية في إطار وحدة الأرض والشعب.
سجعان قزي جسّد بمراحل حياته الحافلة سيرة واحدة من تلك القامات المميّزة.
كان المناضل من أجل الوطن السيّد المستقل، وحامل راية الدولة القادرة والعادلة، والحاضر في مواقف بكركي الوطنية والحاسمة، والمدافع عن وحدة الموارنة، لكونها أساس وحدة البلد، والمتمرد على التفرد بالقرارات المفصلية، والحريص على البقاء في المؤسسات الدستورية للدفاع عن توازن الحقوق، والتصدي لطغيان فريق على آخر في الشراكة الوطنية.
صراحته أخرجته من السرب الذي أمضى شبابه يغرد فيه. جرأته أبعدته عن المناصب التي كان يستحق الوصول إليها. ولكن عناده على الثوابت الوطنية والسياسية أكسبه محبة الأصدقاء، وإحترام الخصوم.
خاض غمار مختلف المعارك الفكرية حول الهوية والصيغة والنظام، من تجربة الميثاق الإستقلالي الأول، إلى ميثاق الطائف ومندرجاته الدستورية والقانونية، مروراً بالمآخذ المعروفة على الإستنسابية التي أجهضت إتفاق الطائف، وشوّهت مضامينه، وأخلَّت بالتوازنات التي تحكم قواعد المعادلات الوطنية، التي تؤمّن الإستقرار في بلد قائم على فيالق طائفية قابلة للإهتزاز، وإحداث زلازل تُهدد الصيغة والإستقرار، خاصة في مواسم الإستحقاقات.
بالنسبة لسجعان قزي الذي قضى شبابه بين متاريس الحرب، وعلى دويّ المدافع، والذي عاش الحروب على أنواعها: مواجهات مع «العدو»، وتصفيات بين رفاق الخندق الواحد، أدرك في سنوات النضوج والتفاعل مع الآخر، أن قيامة لبنان لا تكون إلا عبر جناحيه المسيحي والمسلم.
وأن الوطن يكون للجميع أو لا يكون.
وأن الدولة تكون للجميع أو لا تكون.
وأن النظام يكون للجميع أو لا يكون.
وأن القانون يكون فوق الجميع أو لا يكون.
حاول في طروحاته وفي مقالاته أن يُضيء أكثر من شمعة، في ظلام التعصب الطائفي، والعصبية الحزبية، ولكن المرض الخبيث داهمه قبل أن يبلغ بقلمه نهاية الطريق.
سجعان قزي شمعتك لن تنطفئ، ولكننا نفتقدك صديقاً وزميلاً ورفيقاً على درب النضال للحفاظ على الوطن، واحداً وموحداً.