كتيت صحيفة الجمهورية” تقول:
حتى الآن، يبدو أنّ الرهان على خاتمة وشيكة للفيلم الرئاسي الطويل، لا يزال بعيد المنال، فلا قوة الدفع الخارجية استطاعت نصائحها وتمنياتها وتحذيراتها ان تكسر حيطان التعطيل، ولا الانفراجات الاقليمية تمكّنت من إقناع المعطلين بضرورة الّا يبقى لبنان متخلّفاً عن الالتحاق بها.
لعلّ ما يعزز فشل هذا الرهان، هو أنّ العاملَين الخارجي والاقليمي اللذين يتقاطعان عند ضرورة التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة إنقاذ وإصلاح، لا يملكان حتّى الآن، صفة الإلزام لاطراف التعطيل الرئاسي بهذا التعجيل، بذريعة أنّ احداً في الخارج الصديق او الشقيق، ينوب عن اللبنانيين في تحديد خيارهم الرئاسي. وهو الأمر الذي صعّب ترجمة المناخات الايجابية التي أُشيعت في الآونة الأخيرة، وأوحت بأنّ الملف الرئاسي في لبنان بات موضوعاً على نار الحسم. وفتح المجال للمعطّلين للمضي في لعبة تضييع الوقت وإهدار الفرص، والهروب من التوافق، وإبقاء الواقع اللبناني مخطوفاً خلف اصطفافات الاشتباك.
لعبة شدّ حبال
وكما يبدو جلياً، فإنّ التعجيل الخارجي بالانتخاب من دون إلزام المعطّلين بترجمته، أسقط مقولة «رئيس من خارج لبنان»، كما انّ الهروب الداخلي من التوافق، أسقط مقولة «رئيس صُنع في لبنان»، وما بين التعجيل والهروب، تدخل خاتمة الفيلم الرئاسي الطويل في دائرة المجهول، حيث لا يُعرف علامَ سترسو، وإلى اين ستأخذ لبنان؟
تؤكّد هذه الاجواء، انّ التناقضات والمعارضات السياسية، قد حسمت تموضعاتها على جبل التعطيل المانع لأيّ تفاهمات داخلية، وللالتقاء على واجب انتخاب رئيس الجمهورية، وتساهم بهذا المنحى الذي تنتهجه منذ ما يزيد عن 7 أشهر، في مراكمة السلبيات على الخط الرئاسي، وصياغة خاتمة قاتمة للملف الرئاسي. وتبعاً لذلك، فإنّ الأفق الرئاسي يبدو مفتوحاً على ما تسمّيها مصادر مواكبة لتطورات الملف الرئاسي «لعبة شدّ حبال داخلية، وعرض عضلات سياسية وطائفية وشعبوية، استباقاً لأيّ تطورات او خطوات او حراكات عربية او دولية مقبلة».
على انّ مصادر سياسية تعبّر عن خشيتها عبر «الجمهورية»، من تمادي هذه اللعبة إلى حدّ التفلّت من أي ضوابط، ما قد يفتح باب المغامرات والمفاجآت السلبية على مصراعيه، وخصوصاً انّ بعض معارضات الداخل تقارب ما حُكي عن ايجابيات لبنانية ستلحق الانفراجات الاقليمية، بكونها مجرّد اوهام لا أكثر، وتستبعد بالتالي ممارسة ايّ ضغوط عربية او دوليّة على اي طرف لبناني، على اعتبار انّ الموقفين العربي والدولي من الملف الرئاسي، لم يطرأ عليهما ايّ تحوّل، ولا يزالان يدوران ضمن نطاق النأي بالنفس عن التدخّل المباشر في الملف اللبناني، بل ترك الامر بيد اللبنانيين، وانّ الدلائل كثيرة في هذا المجال، بدءًا من المواقف الدولية، وكذلك ما جرى التأكيد عليه في الحراكات الديبلوماسية التي حصلت، وصولاً إلى القمة العربية في جدة التي لم يكن ملف لبنان في جدول اولوياتها، بل كان الغائب الاكبر عنها، بدليل انّه لم ينل منها سوى فقرة عمومية خجولة من سطرين».
لعبة تخريب!
ورداً على سؤال، عمّا قد تقود إليه لعبة شدّ الحبال، قالت شخصية وسطية بارزة لـ«الجمهورية»: «عندي شي أهمّ من هالطقّ الحنك اهتم فيه». ثم استدرك وقال: «لسنا طرفاً في مسخرة التعطيل وقرفها، ولن نكون شركاء في هذا التخريب وفي هذه الحركات والألعاب التافهة، حاولنا ان نسعى ففشلّونا، فليتفضّلوا ويخبرونا «شو الحل». وأتمنى ان تسألوا عباقرة البيت الرئاسي: ليش عم تلغوا موقع رئاسة الجمهورية، ومين اللي عم يهين موقع رئاسة الجمهورية ويقلّل من قيمتو .. اكيد مش الطليان».
الإنفراج ممكن .. ولكن
الاّ انّ مرجعاً مسؤولاً، اكّد لـ»الجمهورية» رداً على السؤال نفسه: «انّ هذا المنحى هو إمعان في التخريب لا اكثر ولا أقل، ومجنون من يعتقد انّ في إمكانه ان يشدّ الحبل نحوه، وبالتالي لن ينالوا من هذه اللعبة سوى التعب. البلد وكما نعلم جميعاً كان ساحة تجارب في كل شيء، وفي النتيجة لا الشعبويات نفعت احداً، ولا العنتريات قلبت الموازين، ولا الاستقواء غيّر بالتركيبة، ولا الدّلع حقق لأحد ما يشتهيه، والرهان على قوة او عوامل خارجية تفرض انقلاباً رئاسياً، هو رهان الوهم وخداع النفس، «بالآخر بدكم تقعدوا ع الطاولة»، وهذا ما قلناه لهم من اول الطريق».
وعلى الرغم من «أنّ الداخل بوضعه الراهن، يبدو عصياً على التفاعل الايجابي من فرص النجاة الخارجية»، الّا انّه عبّر عن شيء من التفاؤل، حيث انّه برغم التعقيدات القائمة ما زال يعتبر انّ الانفراج الرئاسي ممكن، ويراهن في هذا السياق على ما يسمّيها «حراكات ما بعد الانفراجات»، ويغلّب احتمال أن «تقترن بخطوات تترجم الإيجابيّات الخارجيّة والتحوّلات الإقليميّة على أرض الواقع اللبناني، وتفتح بالتالي الباب على انتخاب رئيس للجمهوريّة».
ورداً على سؤال عمّا إذا كان انسداد الوضع الرئاسي، قد يضع اتفاق الطائف والتركيبة اللبنانية في دائرة الخطر، قال المرجع: «الطائف يرقى إلى مستوى القداسة السياسية، ثم من هو المجنون الذي يمكن ان يغامر ويفكر بالمسّ بالطائف او التركيبة، هذا بالتأكيد انتحار. هناك حفلة جنون قائمة حول الملف الرئاسي، إن لم تنتهِ عاجلاً فستنتهي آجلاً حتماً، وسيتمّ انتخاب رئيس الجمهورية، ومن الآن وحتى ذلك الحين، ليس سوى وقت ضائع من عمر البلد».
ماذا بعد الفرز؟
اما على المستوى الميداني، ووفق ما استخلصته «الجمهورية» من متابعين للحراكات والاتصالات الدائرة حول الملف الرئاسي، فإنّ هذا الملف والتناقضات حوله، أحدث فرزاً واضحاً للمكوّنات السياسية بقراءات وتوجّهات رئاسيّة مختلفة، تصل إلى حدّ التصادم الجذري، وكل من هذه المكونات السياسية مستندة إلى قوة شعبية، وتتواجه مع بعضها البعض من خلف متاريسها السياسية والشعبية. وهذه المواجهة المستمرة، من الصعب القول انّ في إمكان أي من المرشحين – سواء المعروفين المعتبرين مرشحين اقوياء او المفترضين الموضوعين في غربال الاختيار- تجميع الاكثرية النيابية المؤهلة له لامتطاء حصان الربح الذي ينطلق به إلى القصر الجمهوري.
وبحسب هؤلاء المتابعين، فإنّ الوزير سليمان فرنجية ما زال وحده في ميدان الترشيح الجدّي، فيما لم تتمكن «المعارضات» في المقلب الآخر من حسم اسم اي مرشح. وتبعاً لما تعانيه هذه المعارضات من تناقضات في ما بينها، فإنّ احتمال الحسم ضعيف جداً. وعلى الرغم من انّ اسم الوزير السابق جهاد ازعور ما زال متداولاً كخيار امام المعارضات، الّا انّ طريقه وإن كانت مفتوحة كتائبياً وبلا ممانعة قواتية، ومن بعض معارضات التغيير، فهي مقطوعة برتقالياً، وخصوصاً مع بروز اعتراضات جدّية داخل «تكتل لبنان القوي» على اسم ازعور على اعتبار انّه «من ضمن المنظومة التي سبق لـ»التيار الوطني الحر» ان أعدّ في مواجهتها «إبراءه المستحيل». ووفق معلومات موثوقة للمتابعين، فإنّ عدداً من نواب التكتل قد أبلغوا صراحة بأنّهم لن ينتخبوا ازعور إذا ما رسا الاختيار عليه».
التيار: رئيس ببرنامج
ولفتت في هذا السياق، تغريدة لـ»التيار الوطني الحر» عبر حسابه الخاص على «تويتر» قال فيها انّ «موقفه من الحوار مع «المعارضة»، وكافة الكتل، هو إيجابي منذ تموز الماضي. ما تغيّر هو الايجابية بالحوار التي ظهرت عند «الكتل المعارضة» التي بدأت تُترجم بتوافق على الأسماء، على ان يسري قريباً على المقاربة والبرنامج، وعلى امل ان تطال هذه الايجابية كافة الكتل، كي يتمّ التفاهم على رئيس اصلاحي مستقل يجمع اللبنانيين على برنامج اصلاحي سيادي ينقذ لبنان الكيان ويبني لبنان».
قمصان سود!
إلى ذلك، وفي الوقت الذي اكّد «حزب الله» على اولوية ان تحسم الأطراف السياسية خياراتها الانتخابية، والذهاب إلى المجلس الينابي لانتخاب الرئيس، وهو ما اكّد عليه امين عام الحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته التلفزيونية لمناسبة عيد «المقاومة والتحرير»، بدعوته اللبنانيين إلى «وضع النكد جانباً»، وقال: «لا مجال امام اللبنانيين سوى العودة إلى الحوار، آملاً ان يحصل مزيد من التفاؤل في الايام المقبلة في الملف الرئاسي».
الّا انّ مصادر في المعارضة اكّدت لـ«الجمهورية»، انّ «حزب الله» يمارس الدور التعطيلي الأساس لانتخابات رئاسة الجمهورية، ويسعى إلى التحكّم بهذه الانتخابات وتوجيهها في الاتجاه الذي يحقق مصالحه وقبضته على البلد، وما المناورة العسكرية الاخيرة التي اجراها في توقيت مريب، ما هي الّا تظاهرة «قمصان سود» جديدة، راسل فيها الداخل اللبناني لفرض إرادته بالقوة، وهو ما سنواجهه».
جعجع
وفي هذا السياق، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال استقباله سفير اوستراليا اندرة بارنز: «انّ ملف رئاسة الجمهورية «عالق» بفعل التعطيل، لذا المطلوب اليوم قبل الغد إعادة فتح ابواب المجلس والدعوة إلى جلسة انتخاب في أسرع وقت ممكن، باعتبار أنّ التعطيل لن يزيد من فرص أي مرشح، بل سيفاقم الأزمة ويضيّق الخناق على اللبنانيين». وشدّد على أنّ «الوضع الإقتصادي المتردي يتطلّب رجال دولة ومؤسسات لإقرار الإصلاحات المطلوبة، بدءًا من خطة التعاقد مع صندوق النقد الدولي». وأكّد «وجوب أن تترافق هذه الخطة مع تغيير جذري في طريقة إدارة الدولة، وإلّا فإنّ الذهنية الحالية لدى القيّمين على الحكم قادرة على تبذير أموال الخزينة كما فعلت في السنوات الاخيرة من الأزمة».
مجلس الوزراء
حكومياً، وفيما اعلن موظفو الادارة العامة الاضراب الشامل والتحذيري اعتباراً من الاثنين المقبل ولغاية 9 حزيران، عقد مجلس الوزراء جلسة في السرايا الحكومية برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، برزت في موازاتها تغريدة لرئيس حزب «القوات»، اعتبر فيها انّ الجلسة غير دستورية باعتبار جدول اعمالها لا يتسمّ بالضرورة والإلحاح.
وقال ميقاتي في مستهل الجلسة: «يتزامن انعقاد جلستنا اليوم مع حملة يشنها على الحكومة فريق سياسي في البلد يعتمد مقاطعة الجلسات من دون تقديم تفسير منطقي لموقفه. لقد مرّ أكثر من 6 اشهر على الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، ولا تزال انتخابات رئاسة الجمهورية في المجهول».
وسأل: «إزاء هذا الوضع، هل المطلوب من الحكومة ان توقف عجلة العمل في المؤسّسات وتعطّل مصالح الناس نهائياً؟ وهل تتحمّل الحكومة مسؤولية الشغور الرئاسي أم النواب هم المسؤولون؟ ومن قال إنّ الوزراء المشاركين في الجلسات الحكومية لا يمثلون الشرائح اللبنانية كافة؟ وهل مقبول ان يصل الخلاف السياسي إلى حدّ التطاول على كرامات الناس وحضورهم الوازن في كل المحافل؟».
واكّد انّ «انعقاد مجلس الوزراء وتسيير العمل الحكومي لإبقاء دورة المؤسسات قائمة ليسا استفزازاً ولا ضرباً للميثاقية والشراكة والدستور، كما يزعم البعض، بل انّ ضرب الدستور والشراكة يتمثلان في اعتماد نهج التعطيل المتعمّد والمتعدد الأشكال ومنذ سنوات وهدر الوقت لأهداف شخصية. من السهل جداً ان نتخذ قرار الاعتكاف، ولكن هل هذا الخيار لمصلحة البلد؟».
وتابع: «الضرب الحقيقي للشراكة يتمثل في الامتناع عن القيام بالواجب الوطني والدستوري في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا سيما من قِبل الفريق الذي يتباكى على شغور منصب الرئيس ويشارك في تعطيل عملية الانتخاب، وهذا الفريق نفسه هو الذي يحرّض مرجعيات روحية وسياسية على الحكومة. والمفارقة انّ الفريق الذي يدعو إلى عدم انعقاد مجلس الوزراء هو نفسه من يطالب بإدراج بنود على جدول الجلسات». وشدّد ميقاتي على أنّ «المطلوب ممن يطرح السؤال إذا كانت تجوز هكذا جلسات وهكذا قرارات وهكذا مراسيم بغياب الرئيس، أن يجيب اولاً عن السؤال: لماذا يشارك في تعطيل انتخاب الرئيس، وما الفائدة المحقّقة من تعطيل عمل الدولة والحكومة والمؤسسات؟ وهل هذا التعطيل يخدم انتخاب الرئيس والشريك اللبناني الذي يمثله الرئيس؟».
وحول ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قال ميقاتي: «كنا قد ناقشنا الموضوع في اللقاء التشاوري الذي عقدناه يوم الاثنين مطولاً، وتوافقنا على انّ الموضوع هو في يد القضاء وبما يتوافق مع أحكام القانون اللبناني».
وفي نهاية الجلسة تلا وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، مقرّراتها التي تضمنت «تكليف وزير المالية رفع تقرير دقيق يبيّن تداعيات الملاحقات الخارجية خارج لبنان بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أدائه لمهامه، وانعكاس ذلك على مهام المصرف المركزي، وتكليف وزير العدل تقديم الرّأي القانوني المناسب حول كيفيّة التّعاطي مع هذه المسألة».
وأشار إلى أنّ «مجلس الوزراء وافق على دفع كامل التّعويضات الإضافيّة الّتي أقرّها المجلس في 18 نيسان الماضي، عن شهر أيّار كاملة»، لافتًا إلى أنّ «المجلس أخذ علمًا من وزير الماليّة بعدم توفّر الاعتمادات الماليّة الّلازمة لدفع الرّواتب والأجور والمساعدات للعاملين في القطاع العام كافّة، ابتداءً من شهر حزيران المقبل، في حال عدم إقرار قوانين فتح الاعتمادات الإضافيّة».