كتبت صحيفة “الجمهورية”: إختلط أمس الحابل المصرفي بالنابل الامني جنوباً، ليغيب الاستحقاق الرئاسي عن دائرة الاهتمام المباشر في انتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان التي لم يحدد موعدها بعد، وَسط سيل التكهنات حول ما يمكن ان يحمل معه من افكار حول سبل إنجاز هذا الاستحقاق، سواء عبر طاولة حوار او غيرها، فيما لم يسجل اي تطور يشير الى حصول اي تبدل في مواقف الافرقاء السياسيين المتباعدة في ظل تعويل على انعقاد لقاءات ثنائية هنا وهناك من شأنها تقريب المسافات بين المتباعدين لم يظهر أي مؤشر اليها بعد.
غاب الاستحقاق الرئاسي عن واجهة الاهتمامات لتنشغل القوى السياسية ببيان لنواب حاكم مصرف لبنان الاربعة انطوى على تلويح بالاستقالة بمقدار انطوائه على حَض المسؤولين في الدولة، وألقى السياسية المتنازعة على خيار من اثنين الاول الاسراع في انتخاب رئيس جمهورية جديد وتكوين السلطة الجديدة، واذا كان ذلك متعذرا، العمل على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان يتولى التصدي للازمة النقدية والمالية في انتظار انجاز الاستحقاقات الدستورية.
وقد جَدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لوقف الاستغلال الطائفي للموضوع والتفاهم على طبيعة المرحلة المقبلة على كل المستويات».
واعتبر ميقاتي، خلال رعايته اطلاق وزارة الصحة العامة «الخطة الوطنية لمكافحة السرطان 2023- 2028»، أن «الاخطر من السرطان الذي يضرب مجتمعنا العائلي هو السرطان الذي يضرب جسم الوطن وهو سرطان الطائفية والمذهبية».
وفي هذه الاثناء برزت تغريدة لافتة في دلالاتها السياسية للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، كتبَ فيها: «قراءة في دلالة الخطيئة السّياسيّة من مَنظور المفكِر باروخ إسبينوزا، تؤكّد أنّ الخطيئة الكُبرى هي خطيئة الإمعان في تكرار الخيارات الخاطئة، الّتي تُؤجّل مواجهة الحقيقة ولا تُلغيها…».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان النظرة السعودية الى لبنان هي ان الرياض ترى ان الطبقة السياسية في لبنان كانت ولا تزال ترتكب الخطيئة في حق لبنان ولا تتراجع عنها على رغم ما يعانيه من ازمات، الى درجة ان هذه الخطيئة صارت لدي مرتكبيها شيئا طبيعيا او نهجا عاديا، الامر الذي تراه المملكة السبب الرئيسي الذي يمنع لبنان من الخروج من هذه الازمات.
النواب الاربعة
وكان نواب حاكم مصرف لبنان: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان اصدروا امس بيانا قالوا فيه انه «مع إقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في 31 تموز 2023، نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم عملا بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، والا سنضطر الى إتخاذ الاجراء الذي نراه مناسبا للمصلحة العامة».
وبرّر النواب الاربعة هذا الموقف على «التباينات السياسية التي تجلت في العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية»، وكذلك على «غياب خطة شاملة وواضحة لاعادة التوازن المالي والمصرفي»، معتبرين انه «لا يجوز ان ينسحب مفهوم تصريف الاعمال الى السلطة النقدية الاعلى في الدولة».
وإثر هذا البيان أعلن احد نواب الحاكم سليم شاهين، عبر وكالة «رويترز»، أنّ النواب الأربعة للحاكم «قد يستقيلون جميعاً»، ما لم يتم تعيين حاكم جديد بعد انقضاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة نهاية الشهر الجاري».
صعوبة المهمة
واعتبرت اوساط مواكبة لتطورات ملف مصرف لبنان ان البيان الصادر عن نواب الحاكم الأربعة «يندرج في إطار محاولة الضغط، خصوصا على الكتل المسيحية، لتعيين حاكم جديد قبل نهاية ولاية سلامة في أواخر تموز الحالي». وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية» ان النواب الأربعة «يَتهيّبون على ما يبدو الموقف ويعرفون صعوبة المهمة التي تنتظرهم في حال عدم تعيين حاكم أصيل للمصرف المركزي». ولكنها أكدت استحالة تعيين حاكم في الفترة الفاصلة عن انتهاء ولاية سلامة في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال واستمرار الشغور الرئاسي. ولفتت الى «ان الخيار الاضطراري الذي ربما لا مفر منه في نهاية المطاف هو تسلّم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري صلاحيات سلامة».
الموقف الحكومي
الى ذلك قالت مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية» انها فوجئت ببيان نواب الحاكم. وقالت ان مثل هذا البيان يفتح المجال أمام مجموعة من التفسيرات غير المفهومة حتى اليوم في ظل ما تحتمله من مواقف وقراءات متناقضة، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام مناقشات دقيقة لا بد ان تخضع لها هذه المواقف فهي لم تصدر عن موظفين عاديين انما عن مجموعة من المسؤولين الكبار المكلفين إدارة ملف بدقة واهمية النقد الوطني ومهمات حاكمية مصرف لبنان. واعتبرت ان الحديث عن تعيينات مستحيلة أمر لا يستقيم، فالضرورات ستحتّم على الحكومة اتخاذ مواقف نهائية وضرورية قد لا يكون هناك اي مفر منها ان تطورت الامور الى مرحلة لا يمكن مواجهتها إلا بمثل هذه القرارات فهناك كثيرا مما كان مستحيلا وقد صار أمرا واقعا.
تساؤلات
وقال احد الخبراء الاقتصادييين لـ«الجمهورية» ان البيان الذي اصدره نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة يطرح كثيرا من التساؤلات، اولاً من ناحية التوقيت حيث كان البلد في جو ان النائب الاول للحاكم الدكتور وسيم منصوري زار واشنطن وكانت الاجواء ايجابية، وبالتالي كانت هناك تحضيرات ليتسلم دفة قيادة حاكمية مصرف لبنان بعد انتهاء وكالة الحاكم رياض سلامة في نهاية تموز الجاري، وبالتالي فإنّ التساؤل الاول حول هذا الموضوع بالذات هو هل ان هذه الاجواء الايجابية لا تعكس الواقع، وبالتالي هناك اعتراض في مكان على تسلم الدكتور منصوري للحاكمية سواء من الجهة الاميركية ام ان هناك تغييرا في الموقف من الجهة اللبنانية، والمقصود قد يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان مترددا في السابق في قبول أن يستلم منصوري الحاكمية وبَدّل رأيه الآن. اما التساؤل الآخر فهو هل يلعب نواب الحاكم دورا في الموضوع السياسي بمعنى هل يحاولون التأثير على موضوع حكومة تصريف الاعمال للضغط عليها لتعيين حاكم؟ وبالتالي اذا اردنا تفسير هذا الموقف في السياسة نصبح ملزمين بالقول انهم يدعمون موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال الذي يميل الى التعيين في حين ان قوى سياسية اخرى كثيرة ومن بينها كان حزب الله يرفضون ان تقوم حكومة تصريف الاعمال بتعيين حاكم للمركزي، وبالتالي هذا سؤال يصرّف بالسياسة. اما السؤال الاهم: هل هناك عودة الى السيناريو القديم الذي تم تسريبه منذ شهر، والذي يقول بأن يتم دفع نواب حاكم مصرف لبنان الى الاستقالة الجماعية بالتزامن مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان بحيث تصبح قيادة المصرف المركزي» خالية تماماً، ولأن القانون لا يلحظ من يتسلم القيادة في مثل هذه الحال بحيث اذا كان الحاكم قد خرج … ونوابه جميعا خرجوا بالاستقالة لا يلحظ القانون كيف يكون الحل وبالتالي هل السيناريو القديم سيعود اي يستقيل نواب الحاكم وتنتهي ولاية الحاكم، وبالتالي تتلقف الحكومة الكرة وتقول بما اننا اصبحنا في فراغ تام وحاكم مصرف لبنان ونوابه جميعا اصبحوا خارج الخدمة، نطلب منهم بمرسوم اداري او ما شابه ذلك تصريف الاعمال او الاستمرار في تسيير وتشغيل المرفق العام في انتظار ملء الفراغ، وبالتالي وبهذه الطريقة يكون حاكم مصرف لبنان ونوابه قد بقوا جميعا في مراكزهم واكملوا مهماتهم وكأن شيئا لم يكن. وهذا السيناريو يريح الحكومة من الاحراج في الداخل وتجاه المجتمع الدولي على اساس انها تبدو في مظهر المضطر لاتخاذ هذه الاجراءات لأن الفراغ اصبح شاملا على مستوى الحاكمية ونواب الحاكم.
صرخة المودعين والموظفين
وفي سياق متصل نفذت جمعية «صرخة المودعين» أمس وقفة أمام قصر العدل في بيروت، رفضاً لتعاميم حاكم مصرف لبنان وللمطالبة بالحصول على ودائعهم المحتجزة في المصارف. وشارك في الوقفة الاحتجاجيّة وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين.
ورفع المشاركون لافتات عدّة طالبت بتحرّك القضاة وإيقاف تعاميم مصرف لبنان.
في غضون ذالك يعيش موظفو القطاع الخاص حالة من التوتر نتيجة الاستمرار في احتساب رواتبهم على سعر 15الف ليرة في المصارف التي تحتجز رواتبهم ولا تفرج لهم الا على نسبة ضئيلة جدا منها فيما هم يشترون حاجياتها على اساس سعر دولار السوق السوداء كذلك يدفعون الضرائب والرسوم للدولة في مختلف المجالات على اساس سعر صيرفة.
هجوم اسرائيلي
من جهة ثانية، عاش الجنوب جوا مضطربا امس اذ شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا على جنوب لبنان، حيث أطلق أكثر من 15 قذيفة سقطت عند أطراف بلدة كفرشوبا ومزرعة حلتا على الحدود اللبنانية. وأشار إلى أن هذا الهجوم «يستهدف منطقة أُطلقت منها قذيفة هاون انفجرت قرب الحدود «داخل الأراضي الإسرائيلية».
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أنّ الجيش الإسرائيلي تأخر نحو 3 ساعات قبل الرد لأن أنظمة الدفاع الجوي فشلت برصد إطلاق النار من لبنان، فيما قالت إذاعة الجيش إنّ النظام الأمني يحقق في الجهة التي تقف وراء إطلاق قذيفة هاون من الأراضي اللبنانية.
وأعلنت قوات «اليونيفيل» في بيان أنّ «رئيس البعثة وقائدها العام على اتصال بالسلطات في لبنان وإسرائيل، وقالت إن «آليات الارتباط التي تضطلع بها تعمل بشكل كامل لمنع المزيد من التصعيد».
وبينما ذكرت أن «الحادث يأتي في وقت حساس وفي منطقة شهدت توترات في وقت سابق من هذا الأسبوع، حثّت الجميع على ممارسة ضبط النفس وتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد.
كذلك، أصدر حزب الله بيانًا أكد فيه أن الإجراءات الإسرائيلية في الجزء الشمالي من قرية الغجر غير شرعية، حيث أقدم الجيش الإسرائيلي على بناء سياج حول الجزء الشمالي من القرية.
ودعا الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني إلى اتخاذ كل الخطوات اللازمة لمنع تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لشمال قرية الغجر.
من ناحيته، تابع رئيس الحكومة الوضع في الجنوب عبر اتصالات مع قائد الجيش العماد جوزف عون وقيادة قوات «اليونيفيل» وخلال استقباله المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلند ومستشاره السياسي ميروسلاف زافيروف، ومدير شؤون السياسة جورج رايكس، وتم التركيز على التزام لبنان القرارات الدولية والخط الأزرق وضرورة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الجنوب.
واجتمع ميقاتي مساء امس في حضور وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا، ووفد من قيادة – اليونيفيل بقيادة القائد العام الجنرال أرولدو لازارو. وخلال الاجتماع، تم البحث في الوضع في الجنوب في ضوء التطورات الأخيرة. وشدد قائد «اليونيفيل» على «وجوب الحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق واحترام القرار الأممي الرقم 1701».
بدوره، أكد رئيس الحكومة «التزام لبنان القرار 1701»، داعياً «الأمم المتحدة إلى العمل على وقف الخروق الإسرائيلية، التي بلغت 18 خرقاً في الفترة الأخيرة للخط الأزرق».