عماد مرمل – الجمهورية
بينما اللبنانيون يتخبّطون في مستنقع الشغور، ومؤسساتهم تتآكل الواحدة تلو الأخرى، يتمسك البرلمان الأوروبي بأجندته السياسية في الإقليم، والتي لا تقيم وزناً لمصالح لبنان وحقوق شعبه.
بناءً عليه، إستكمل البرلمان ما بدأه منذ فترة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب دوريل، الذي كان صريحاً الى حدود الفَجاجة في الاصرار على رفض عودة النازحين السوريين الى بلادهم.
وضمن سياق متصل، صدر عن البرلمان الأوروبي بيان يكرّس أدبيات دوريل ويُضيف اليها بعض «البهارات الحارة»، مُتجاهلاً صرخة لبنان الذي لم يعد يستطيع تحمل أعباء النزوح.
هكذا، وبكل برودة وفظاظة، اعتبر البرلمان في بيانه أنّ «ظروف العودة الطوعية والكريمة للاجئين غير مُهيّأة في المناطق المعرّضة للنزاع في سوريا». وأشار إلى ضعف اللاجئين في لبنان، مشدداً على الحاجة إلى «توفير تمويل كاف ومتعدد المستويات للوكالات العاملة معهم من أجل ضمان توفير جميع الخدمات الأساسية لمجتمعات اللاجئين في البلاد». وأكثر من ذلك أبدى البرلمان قلقه من «تصاعد الخطاب المناهِض للاجئين»، وحَضّ لبنان على «الامتناع عن الترحيل والإجراءات التمييزية والتحريض على الكراهية ضدهم!».
هذا الموقف النافِر الذي يُحفّز النازحين على البقاء، أتى بالترافق مع محاولات تفعيل آليات إعادتهم، عبر تزخيم التواصل بين بيروت ودمشق واستعداد وفد وزاري لبناني لزيارة سوريا قريباً، ما يضع البلدين أمام تحد صعب، قد لا تكون مواجهته سهلة في ظل الاصرار الغربي على عرقلة العودة.
والأسوأ من البعد السياسي في البيان هو الجانب المتعلق بإعطاء دروس في الأخلاق على بعد آلاف الأميال من المدن والبلدات التي تعاني الأمرّين، حيث تَجاهلَ البرلمان الأوروبي كل تضحيات المجتمع اللبناني وعطاءاته خلال نحو 12 عاماً من استضافة النازحين، واضعاً ارتفاع صوت اللبنانيين، ألماً ومرارة، في إطار الخطاب التحريضي والحَض على الكراهية، وكأنه صار ممنوعاً على الموجوع حتى ان يصرخ.
بهذا المعنى، يستكثر البرلمان الأوروبي «المرهف الحساسية» على الناس المُنهكين ان يشكوا من تداعيات النزوح، وان يطلبوا تخفيف الاعباء الثقيلة عنهم، وذلك تحت طائلة الاتهام المعَلّب بالعنصرية والعدوانية.
هي سياسة مزايدات وتتظير لا تغني ولا تسمن من جوع، بل تتخذ من اللبنانيين والنازحين على حد سواء دروعاً بشرية في المعركة التي تُصَمّم العواصم الغربية على الاستمرار في خوضها ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا هو شأنها وقرارها في كل الأحوال، لو انها لم تحول ملف النازحين أداة ضغط يدفع ثمنها اللبنانيون قبل أي أحد آخر.
وبعدما أصبح اللعب على المكشوف، ونزع الأوروبيون آخر الأقنعة والمساحيق، فإن الدولة صارت مطالبة اكثر من اي وقت مضى باعتماد مقاربة مختلفة لملف النازحين وللعلاقة مع الدول المعنية به، بعيداً من المجاملات والتجميل للحقائق.
واذا كان غياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال يُضعفان الجبهة الداخلية في مواجهة من هذا النوع، الا ان ذلك لا يمنع استخدام ما تَوافَر من اوراق لمنع فرض الأمر الواقع وتثبيته.
ويؤكد مواكبون لتفاعلات قضية النازحين ان الرد على البرلمان الأوروبي ينبغي أن يأتي حازماً من المجلس النيابي والحكومة معا، لافتين الى انه يمكن البناء على الاجماع الوطني حول رفض الموقف الأوروبي، وإن يَكن البعض قد حاول التمييز بين بند النازحين وبنود أخرى في البيان الصادر، وجد انها ملائمة له سياسياً.
ولكن هناك وجهة نظر أخرى لدى بعض الاوساط الرسمية تفيد بأن «شطحات» البرلمان الأوروبي صارت مألوفة، وان الأفضل عدم مواجهته مباشرة من قبل الحكومة، خصوصا انه لا يعكس بالضرورة سياسات الحكومات الاوروبية.
وعلم ان وزارة الخارجية اتفقت مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب فادي علامة على ان يتولى هو واللجنة أمر الرَد، إنسجاما مع مبدأ المعاملة بالمثل وانّ برلمانيين يردّون على برلمانيين.