كتبت صحيفة “البناء”: استقطبت زيارة الرئيس التركي رجب أردوغان إلى سوتشي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأضواء بعدما توقفت صفقة الحبوب التي ترعاها تركيا بين روسيا وأوكرانيا وتشارك الأمم المتحدة في الرعاية. وبعد مرور عشرة شهور على آخر لقاء بين الرئيسين، ومرور شهور على طلب أردوغان للقاء القمة، جاءت القمة مخيّبة لأردوغان، حيث رفض الرئيس بوتين العودة الى صفقة الحبوب مقابل العرض التركي القطري بشراء مليون طن من القمح الروسي بتمويل قطري وطحنه في تركيا وإرساله الى الدول الأفريقية، حيث قال بوتين بوضوح إن تلبية حقوق روسيا شرط مسبق لأي عودة للعمل بالصفقة، وإن روسيا ستقوم بتصدير 60 مليون طن هذا العام، وإنها تقبل صفقة المليون طن كصفقة بديلة وليس كجزء من صفقة الحبوب مع أوكرانيا، موبّخاً الرئيس التركي على محاولة تجميله للموقف الأوكراني والتعطيل الغربي للصفقة. وتحدّث بوتين بالتفصيل عن استغلال أوكرانيا للمرات المعتمدة للصفقة من أجل أعمال حربية منها استهداف أنبوب غاز السيل التركي، انطلقت من موانئ تصدير الحبوب، كما أنه رفض عروض تركيا للوساطة السياسية في الحرب، مذكراً أن اتفاقاً تمّ التوصل إليه مع أوكرانيا برعاية تركية انقلبت عليه أوكرانيا، وأن لا جدوى من مبادرات التفاوض، مذكراً أردوغان بمكاسب بلاده من العلاقة مع روسيا، داعياً إلى التقيد بمضمون اتفاق أستانة حول سورية وسلامة ووحدة اراضيها وسيادتها عليها.
لبنانياً، بقيت التفاعلات حول مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري هي مضمون الحراك السياسي، حيث تكفّلت المبادرة بتقديم عرض لا يمكن لمرجعيتين فاعلتين في الملف الرئاسيّ تجاهله، هما بكركي واللجنة الخماسية، حيث سقطت فرصة تموضع هاتين المرجعيتين وراء موقف حزبي القوات اللبنانية والكتائب، وفق الذريعة السابقة وهي أن الفريق الذي يقوده رئيس المجلس النيابي يطرح الحوار بديلاً للانتخاب بهدف تسويق مرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية، وأنه لن يذهب الى الانتخابات دون ضمان فوز هذا المرشح، وتتخذ من تعطيل النصاب في الدورة الثانية للانتخابات دليلاً على ذلك، فجاءت مبادرة بري لتقول إن الحوار محدد المهلة بسبعة أيام، سواء نجح أم لم ينجح. فالأكيد أن جلسات الانتخاب سوف تليه، وأن النجاح في الحوار ليس بالضرورة اتفاق على مرشح واحد، بل ربما على مرشحين أو أكثر تدور بينهم المنافسة، وأن المنافسة سوف تدور في جلسات متتابعة حتى ينتخب رئيس، بلا تعطيل نصاب، ما اضطر حزبي القوات والكتائب الى كشف موقفهما الفعلي، لا رئاسة ونعم للفراغ الرئاسي. وقالت مصادر سياسية متابعة إنه لا يمكن للرئيس بري أن يحدد تفاصيل ومواعيد مبادرته قبل أن تصدر مبادرات داعمة من كل من بكركي واللجنة الخماسية، كي يضمن أن تكون لمبادرته المفاعيل المرجوّة بالوصول إلى إنهاء الشغور الرئاسي، وقالت إن المؤشرات حتى الآن إيجابية.
في شأن ما بعد التجديد لقوات اليونيفيل برز موقف مثير للانتباه عن الناطق بلسان القوات اندريا تينينتي قال فيه إن الخيمة التي يقيمها حزب الله في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، مخالفة للقرار 1701 وإن اليونيفيل تعمل على إزالتها، متجاهلاً مصير الاحتلال المتمادي لمنطقة شمال بلدة الغجر في خراج بلدة الماري، وصمت قوات اليونيفيل عنه، علماً أنها مكلفة بالتنفيذ وفق القرار 1701، بينما في ملف مزارع شبعا نصُّ القرار يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم مشروع حل خلال ثلاثين يوماً مضت عليها سبعة عشر عاماً؟
ولا تزال مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري محل رصد ودراسة لدى الأوساط السياسية في لبنان وعواصم القرار المؤثرة في الساحة الداخلية وسط ترقب لتفاصيلها لا سيما موعد أولى جلسات الحوار وجدول أعماله وما إذا كان البديل عن المبادرة الفرنسية، مع توجّه أغلب الكتل النيابية للإعلان عن المشاركة في الحوار، مقابل توجّه حزبي القوات والكتائب اللبنانية الى مقاطعة الحوار وتريث كتلة التغييريين عن إعلان الموقف النهائي بانتظار دراسة تفاصيل المبادرة، وفق ما أشارت أوساط التغييرين لـ»البناء»، إلا أن نواباً من التغييريين سيشاركون في الحوار، اضافة الى النواب المستقلين، ما يرفع عدد النواب المشاركين الى الـ 90 ما يؤمن انعقاداً مريحاً للحوار ويرفع فرص نجاحه في توفير الأجواء الملائمة لإنضاج تسوية داخلية تلاقي أي انفراج خارجي، بحسب ما تشير أوساط سياسية لـ»البناء».
وتوقفت الأوساط عند موقف البطريرك الماروني مار بشارة الراعي في عظة الأحد بتأييده العلني للحوار الذي دعا اليه الرئيس بري، ما يعكس تنسيقاً ما بين الديمان وعين التينة، وما يوفر غطاء مسيحياً للحوار بالإضافة الى موقف التيار الوطني الحر الذي سارع إلى ملاقاة رئيس المجلس بالترحيب بالحوار والمشاركة فيه. ولفتت الأوساط لـ»البناء» الى أن «مقاطعة القوات والكتائب وبعض التغييريين لن تغيّر شيئاً، طالما أن الكتل النيابية الكبرى ستحضر إضافة إلى الغطاء المسيحي». ولفتت الأوساط الى أن موقف رئيس القوات سمير جعجع التصعيدي بوجه الجميع بمن فيهم الكنيسة، يعكس حالة التوتر التي يعيشها بعد المستجدات والظروف الداخلية والخارجية التي تصبّ ضد مصلحته وتوجهاته، فهو صوّب على حزب الله وعلى الرئيس بري وعلى التيار الوطني الحر ولم يوفر قوى التغيير، وربما شعر جعجع بوجود معطيات داخلية ومؤشرات خارجية تصبّ في اتجاه عقد الحوار والتمهيد لانتخاب رئيس للجمهورية من خارج توجهاته السياسية، لذلك يرسل رسائله بالتهديد والوعيد في محاولة للتأثير بقرار كتل نيابية أو نواب ما».
في المقابل أشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى أنه «طالما أن الأفق السياسي مقفل ولا حلول، وطالما أن أي خيار صداميّ سيأخذنا إلى مآسٍ جديدة وبعدها سنعود للحوار الذي لا بديل عنه، الأفضل إذاً وقف تضييع الوقت وتراكم المآسي، وأن نذهب لحوارٍ جاد للخروج من الأزمة».
وأشار عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي حسن خليل الى ان «الحوار له أركانه وعلى الناس أن تتحاور مع بعضها البعض»، متسائلاً: «ما البديل عن الحوار لفكّ الانسداد السياسي؟».
وعن إمكانيّة إقامة حوار من دون قوى المعارضة، لفت خليل في حديث تلفزيوني الى أنه «لدى إعلان مواقف الكتل يُحدّد القرار النهائي حول الحوار، والمطلوب من القوى المعارضة إبداء الإيجابية في هذا الخصوص».
وإذ من المتوقع أن يصل مبعوث الرئاسة الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت خلال الأسبوع المقبل، استقبل الرئيس بري في عين التينة السفير الفرنسي الجديد إيرفيه ماغرو في زيارة بروتوكولية لمناسبة توليه مهامه الدبلوماسية كسفير لبلاده لدى لبنان، وجرى عرض للأوضاع العامة والمستجدات والعلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا. كما استقبل بري السفير القطري الجديد الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن فيصل آل ثاني في زيارة بروتوكولية لمناسبة توليه مهامه كسفير فوق العادة ومفوض لدى لبنان، وتمّ البحث بالمستجدات والعلاقات الثنائية بين البلدين.
بالتوازي، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، في الديمان، السفير السعودي لدى لبنان وليد بن عبدالله بخاري. وكان اللقاء وفق بيان عن السفارة السعودية «مناسبة جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، كما البحث في آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، بخاصة الاستحقاق الرئاسي، وضرورة إنجازه في أسرع وقت ليسهم في إنقاذ لبنان، ويكون جامعاً لكل اللبنانيين ويعمل على تمتين العلاقات بمحيطه العربي.
وأشار المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض الى أن اللقاء المطوّل الذي استمرّ نحو ساعة، بحث في موضوع الساعة وهو انتخاب رئيس للجمهورية، والمساعي التي تقوم بها المملكة داخلياً ودولياً وبخاصة مع الفرنسيين والدفع لانتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن. وقال «أبدى السفير بخاري خلال اللقاء كل التمني والحرص باسم المملكة على الاستقرار في لبنان وحماية الدستور وحماية اتفاق الطائف، وضرورة أن لا يملي أحد شروطاً على اللبنانيين، مؤكداً ان المملكة تحترم ارادة اللبنانيين ومتعاونة مع اي قرار يتخذونه».
الى ذلك واصل حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لقاءاته في السعودية خلال زيارة رسمية إلى المملكة للمشاركة في مؤتمر اتحاد المصارف العربية.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن الدعوة وجّهت الى منصوري من اتحاد المصارف العربية حيث يدعى الى هذا المؤتمر حكام المصارف المركزية العربية، ولم توجه الدعوة من السعودية»، موضحة أن منصوري تبلغ بعقد لقاءات مع مسؤولين سعوديين لمناقشة ملفات ذات اهتمام مشترك، كاشفة عن ودائع خليجية محتجزة في المصارف اللبنانية بقيمة 12 مليار دولار تعود لمودعين سعوديين وإماراتيين وكويتيين ستكون مادة للبحث بين المسؤولين السعوديين ومنصوري.
وأكد منصوري في حديث لقناة لـ»العربية» أن «قرارنا نهائي بعدم تمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار وعلى الدولة إيجاد وسائل لتمويل عجز ميزانيتها»، مشدداً على أن «إعادة أموال المودعين ليس أمراً مستحيلاً وسنعمل على وضع إطار قانوني لها في أسرع وقت»، معتبراً أنه «لا يمكن اعادة الثقة بالقطاع المصرفي اذا لم تتم إعادة أموال المودعين».
ولفت منصوري الى ان «ستكون لي مجموعة لقاءات على هامش المؤتمر في الرياض، ومن المعروف ان العلاقات اللبنانية السعودية تاريخية، ولا بد من الحفاظ عليها وتطويرها».
وأبدى منصوري اعتقاده ان «السعودية ستلعب دوراً إيجابياً في حل الأزمة المالية في لبنان واعتقد ان اساس حل الازمة يأتي من لبنان وعلينا مساعدة انفسنا وان نبدأ بمشروع الإصلاحات، وهناك إمكانية فعلية للخروج من الازمة ولكن يجب ان يبدأ الحل من لبنان اولاً».
إلا أن مصدراً وزارياً شدد لـ»البناء» على أن منصوري «لا يمكنه وقف تمويل الدولة بشكل مفاجئ، وقانون النقد والتسليف ينص على أن المصرف المركزي يقرض الدولة بحالات معينة وبشروط، لا سيما أن الدولة تعاني من أزمة مالية وعجز مستمر ومتفاقم في الخزينة، وبالتالي لا خيار لتأمين مصادر لتمويل الإنفاق العام سوى الاستقراض من مصرف لبنان». وأوضح المصدر أنه «ورغم رفع الرسوم والجباية لم تستطع الدولة تأمين الأموال الكافية لتمويل إنفاقها وبالتالي لا بدّ من الاستقراض من مصرف لبنان بالحد الأدنى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حتى انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة ووضع خطة اقتصادية لإخراج البلد من أزمته المالية والاقتصادية والنقدية».
على صعيد آخر، تترقب الأوساط الرسمية وأهالي الجنوب وحزب الله كيفية تطبيق قوات اليونفيل لقرار مجلس الأمن المتعلق بالتجديد للقوات اليونفيل، وأكّد الناطق الرسميّ باسم قوّات اليونيفيل اندريا تينينتي أن شيئاً لن يتغيّر في عمل قوّات الطوارئ الدولية على الأرض بعد التمديد لمهمّتهم، فالشراكة مع الجيش اللبناني سوف تبقى والتنسيق الذي بدأ عام 2006 لن يتغير وسوف يبقى.
وعن المستوعبات والخيمة على الحدود اللبنانية، رأى تينينتي أن الأمر مقلق لنا وللقرار 1701، وأضاف «الخيم هي انتهاك ونحن نعمل على إزالتها»، مشيراً الى أن «الأمر الأساسي هو القيام بمراقبة الخط الأزرق والحد من التوتر والتصعيد كما نفعل في كفرشوبا».