ما إنْ غادر الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان بيروت، قبل أيّام، بعد انتهاء جولته الثالثة في البلاد لتسويق وتسهيل مهمته لإنجاز إستحقاق الإنتخابات الرئاسية، حتى كانت مؤشّرات فشله في مهمته تسبقه قبل أن يصعد إلى الطائرة عائداً إلى باريس، في ظلّ إنطباع واسع في مختلف الاوساط السياسية بأنّه لن يعود مجدّداً إلى لبنان.
أسباب فشل الموفد الفرنسي في مهمته، سواء كانت تعود إلى أخطاء وتقديرات إرتكبها هو شخصياً أو إرتكبتها إداراته التي تدير الملف اللبناني من باريس، أعقبها بأيّام قليلة وصول الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني إلى بيروت للمهمّة نفسها التي أتى من أجلها لودريان، وسط أسئلة عدّيدة طرحت حول ما إذا كانت الموفد القطري سيلقى نجاحاً أفضل من نظيره الفرنسي أم أنّ مصيره سيكون مثل مصير من سبقه، وأنّ كلّ ما يحصل ليس إلّا محاولات لملء الوقت الضائع، بانتظار نضوج التسوية الرئاسية خارجياً وترجمتها داخلياً.
يرى مراقبون أنّ ثمّة فوارق عدّة أساسية في التعاطي القطري مع القوى اللبنانية وفي مقاربة الإستحقاق الرئاسي وغيره، تختلف عن التعاطي الفرنسي، منها ما يصبّ لمصلحة القطريين ومنها ليس كذلك.
وحسب المراقبين فإنّ نقاط قوّة الموفد القطري، مقارنة بالموفد الفرنسي، عديدة، من أبرزها ثلاثة: الأولى أنّ القطري يعمل بشكل متكتم وبصمت بعيداً عن الأضواء والإعلام والتسريبات والتصريحات، ولا يضع جدولاً لجولته ولا لقاءاته، ويأتي ويغادر بلا ضجيج إعلامي، عكس الفرنسي الذي كان الإعلام يرافقه في كلّ لقاء أو زيارة، وله في كلّ محطة تصريح وموقف، الأمر الذي أوقعه في تناقضات لم يعرف كيف يخرج منها، عدا عن أنّه كان يضع كلّ أوراقه على الطاولة أمام من يجتمع بهم، ما جعله مكشوفاً منذ اللحظة الأولى.
أمّا نقطة القوة الثانية التي تصبّ لمصلحة القطريين فهي أنّه سبق لهم النجاح في الملف اللبناني وقد تمثل ذلك في اتفاق الدوحة الذي عقد عام 2008 في العاصمة القطرية، وهو نجاح يأمل القطريون تكراره مجدّداً، بينما الفرنسيون لم يسبق لهم تحقيق أيّ نجاح أو إنجاز يُذكر، برغم محاولات عديدة بذلوها في السنوات الأخيرة ولم يكن النجاح حليفهم.
أمّا نقطة القوة الثالثة فتتمثل في قدرة القطريين على إغراء الأطراف اللبنانيين مالياً، وهي قوة يفتقدها الفرنسيون، ما يجعل القطريين أوفر حظّاً في النجاح، خصوصاً إذا لقوا دعماً دولياً أو ضوءاً أخضراً من القوى الإقليمية والعالمية المعنية بالملف اللبناني.
لكنّ نقاط القوة القطرية هذه، مقارنة بالفرنسيين، تعاني من نقطتي ضعف: الأولى حساسية السعودية من تدخل قطر في لبنان (وفي غيرها أيضاً) بشكل يظهر وكأنها تحاول وراثة الدور السعودي، وليس الدور الفرنسي، في بلاد الأرز؛ والثانية أنّ الدور القطري لا يمكنه النجاح بلا نضوج التسوية في الخارج، وهو أمر لم يحصل بعد، ما يجعل مصير مهمة الموفد القطري شبيهة بمصير مهمة الموفد الفرنسي، بانتظار موفد آخر.
عبد الكافي الصمد – سفير الشمال