ربما ليس صدفة أن تمر السنة الأولى للفراغ الرئاسي في لبنان مع بدء الحرب التي بدأت شرارتها في الجنوب اللبناني، تزامناً مع حرب الإبادة في قطاع غزة، ربما تكون هذه الأحداث إنذاراً للمسؤولين اللبنانيين كي يستفيقوا ويعوا لخطورة المرحلة.
لبنان الذي يعيش حرباً اقتصادية واجتماعية ومالية تهدد كيان الدولة وحياة المواطنين كيف سيخوض حرباً؟ وهو لا يملك أي مقومات للتصدي و الصمود من كل النواحي الاقتصادية والطبية، وفي ظل غياب الدولة بكل مؤسساتها من أعلى الهرم إلى أسفله لا رئيس للجمهورية مع حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب مشلول ومؤسسات عامة معطلة.
في هذا الإطار رأى الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث للديار أن الوضع اللبناني يتفاقم ويتدهور بسرعة نتيجةً لتداعيات أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، بالإضافة إلى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتسلم نائبه الأول رئاسة المصرف بالإنابة، الأمر الذي ترتبت عليه خسائر كبيرة سواءً على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
ووفق علامة إن إطالة أمد الفراغات، تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والحياتية التي يعيشها لبنان، ويُنذر بوضع معيشي كارثي لا يمكن لأحد أن يتحمل تبعاته، علماً بأن المواطن اللبناني هو الأكثر تضرراً من تداعيات الأزمة. وهو الضحية لكل هذا التقاعس والعجز الظاهر لدى السياسيين في لبنان.
وأشار علامة إلى أن لبنان سجل بحسب أرقام البنك الدولي للأمن الغذائي، أعلى نسبة تضخم في أسعار الغذاء حول العالم، إذ بلغت 350% خلال الفترة الممتدة بين شهري نيسان- أيار 2022 ونيسان- أيار 2023. كما جاء لبنان ضمن لائحة البلدان ذات نقاط الجوع الساخنة في العام الجاري، بحسب تقرير أعده برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وقال علامة: قد يكون السيف قد سبق العزل وأصبحت الأمور في مكان لا يمكن لما تبقى من مؤسسات رسمية متحللة تدارك التبعات الكارثية التي ترتبت سيما مع حصول كارثة في منطقة الشرق الأوسط ألا وهي حرب العدو الإسرائيلي على قطاع غزة والتي بحسب تصريحات المسؤولين في الكيان الإسرائيلي لن تقتصر على غزة وشعبها إنما تتضمن أيضاً مشروعاً لإنتاج شكل جديد للشرق الأوسط مع كل ما يحمله هذا المشروع من مخاطر تصيب دول المنطقة والأكيد أن لبنان كدولة وكيان على رأس هذه الدول وأولها.
من أولى تداعيات الفراغ الرئاسي وفقاً لعلامة هو الخواء العام الاقتصادي والاجتماعي، وركاكة الاستعدادات لمواجهة الأحداث الخطرة التي ممكن أن تقع في لبنان إبان التطورات الأمنية على الحدود الجنوبية والتطورات العسكرية التي تطال دول الشرق الاوسط بأكملها.
لافتاً أنه في حالات الخطر الذي من الممكن أن يحيط بدولة ما يلقى على عاتق الرؤساء الإشراف على عمل المؤسسات الرسمية وتشكيل خلايا متخصصة لإدارة الأزمة والتعامل مع تداعياتها.
ورأى علامة أن الأمر في لبنان يبدو ضرباً من الجنون في ظل الشغور الحاصل على مستوى الرئاسات وفي ظل التخبط السياسي القائم.
ويتابع علامة لقد عمدت الحكومة المبتورة والمنقوصة الصلاحيات الى إقرار خطة طوارئ فانبرى مجموعة من النواب لسؤال الحكومة عن كيفية إقرار الخطة ومسار التطبيق الذي سيعتمد في حال حصلت الحرب وشملت الاعتداءات لبنان، معتبراً أن هذا إن دل على شيء فهو يدل على الانقسام السياسي والعجز الذي تعانيه مؤسسات الدولة نتيجة الشغور في الرئاسات وعدم قدرة هذه المؤسسات بما تبقى منها على تنفيذ أي خطة أو أي مشروع فكيف بخطة طوارئ؟
ولفت علامة إلى أن الحروب تترك خسائر هائلة على اقتصاد البلدان وهذه الخسائر تكون إما مباشرة أو غير مباشرة. فلبنان الذي راكم الخسائر الجمة نتيجة للحروب التي خيضت على أرضه لسنوات طويلة وراكم خسائر اكبر نتيجة الفراغات المتتالية في المواقع الرئاسية أصبح اليوم عاجزاً عن تقديم خسائر جديدة هو بالأساس لم يعد قادرا على تقديمها، مشيراً إلى أن القطاعات الإنتاجية في لبنان متهالكة ومالية الدولة عاجزة وسلبية دائماً والقطاع العام بات في خبر كان وخطة الطوارئ التي أقرتها الحكومة لن تكون إلا حبراً على ورق.
وختم علامة بالقول في ظل هذه الظروف الناتجة من تراكم الشغور وتحلل المؤسسات الرسمية بات الخوف ليس إذا كان لبنان يستطيع تحمل خسائر إضافية إنما ما هو مصير الكيان اللبناني الموجود في غرفة الإنعاش والذي سيصبح بحاجة لمعجزة ليعود الى غرفة الإنعاش وذلك للبدء بعملية ترميم الاقتصاد والقطاعات الاقتصادية.
عندما تنتفي حلول أهل الأرض تحل مكانها حلول أهل السماء فعسى ألا تتأخر في الوصول.
اميمة شمس الدين – الديار