كتبت صحيفة “البناء”: اعترف جيش الاحتلال بحجم المأزق الذي يواجهه في الحرب مع المقاومة في غزة، مع الإعلان عن أن خسائر لواء جولاني ولواء المظليين لم تعد تسمح ببقائهما في ميادين القتال، فتمّ سحبهما بهدف إعادة التأهيل والترميم. وكانت الخسائر قبل أسبوعين قد بلغت في لواء جولاني 25% كما قال قائده السابق موشي كابلنسكي، وسحب أي وحدة عسكرية من ميدان القتال لإعادة الهيكلة والترميم يعني أنها خسرت 40% من عتادها وقوامها البشريّ. وما يصحّ في حال هذين اللواءين يصح حكماً في سائر وحدات النخبة التي تقاتل في غزة، لأن ضراوة المعارك على سائر جبهات القتال ليست أقل، مما كانت في الشجاعية حيث كان يقاتل لواء جولاني وجباليا حيث كان يقاتل لواء المظليين. ومع سحب هذين اللواءين وبلوغ نسبة خسائر القوات التي تقاتل في غزة، يكون حجم خسائر جيش الاحتلال وفق التقديرات الحسابية قد بلغ 20 ألف إصابة، من قوات صار حجمها منذ مطلع الشهر قرابة الخمسين ألفاً، بعد نقل عشرين ألفاً هي القوى النظامية التي كانت تنتشر في الضفة الغربية، ونقل عشرة آلاف من العشرين ألفاً الأخرى التي كانت تنتشر على الجبهة مع جنوب لبنان.
دخول جيش الاحتلال هذه المرحلة من التراجع العسكري سيفتح الطريق لمزيد من التراجع حيث سوف تنتشر مكان الألوية التي يتم سحبها تباعاً للترميم، وحدات من الاحتياط أقل كفاءة ومهارة، وأدنى روحاً قتالية. وخلال الأسابيع التي سوف يتم خلالها سحب المزيد من الوحدات تباعاً سيتحول جيش الاحتلال الى مكسر عصا لقوى المقاومة، بينما لن تستعيد الألوية المعاد هيكلتها حيويتها القتالية وقد خرجت مهزومة وتقلص عددها وخسرت كوادر قيادية يصعب تعويضها.
كما اعترف كيان الاحتلال بطريقة غير مباشرة بمأزقه، اعترفت واشنطن بأزمتها، فهي اضطرت إلى الإعلان عن تشكيل حلف بحريّ لمواجهة أنصار الله والحكومة اليمنية في صنعاء، نصرة لكيان الاحتلال، وهي تعتقد أنها سوف تتمكن من توفير غطاء عربي وإسلامي لهذا الحلف عدا عن الغطاء القانوني عبر ضم السعودية التي تجمع الى صفتها كدولة عربية إسلامية كبرى، أنها إحدى دول البحر الأحمر، ما يمنح الحلف الذي تشارك فيه شرعية قانونية في منازعة دولة أخرى على البحر الأحمر على ممارسة السيادة على مياهه. وقد اعترفت واشنطن أنها بذلت جهوداً متواصلة لإقناع السعودية بالانضمام لكنها فشلت. وقد كشف وزير الدفاع الاميركي انه تحدث مع وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان أملاً بضم السعودية الى الحلف لكنه فوجئ بالاعتذار عن المشاركة، لأن السعودية تفضل البقاء خارج الحلف، سواء لأن القضية على صلة بالحرب على غزة، أو لأن الطرف المعنيّ هو اليمن حيث ترغب السعودية بمواصلة جهود إنهاء الحرب.
على جبهة جنوب لبنان واصلت المقاومة عملياتها النوعية وكان الأهم هو استهداف المستعمرات الواقعة خلف الخط الأماميّ، والتسبب بخسائر بشرية ومادية اعترف بها جيش الاحتلال، بينما ربط حزب الله التصعيد باستشهاد امرأة داخل منزلها في الجنوب بقصف إسرائيلي، وتقول مصادر متابعة للجبهة إن التصعيد سوف ترتفع وتيرته، لأن المقاومة وجيش الاحتلال لا يستطيعان خوض المواجهة دون إيقاع خسائر بالطرف المقابل، وسقوط الخسائر سوف يرفع منسوب التوتر، ويستدرج المزيد من التصعيد، وهكذا يحدث التدحرج نحو المزيد والمزيد من التصعيد.
وحافظت الجبهة الجنوبيّة على وتيرة التصعيد بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بموازاة حركة اتصالات مكثفة على الخطوط الدولية لاحتواء انزلاق المواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية الفلسطينية الى حرب شاملة. وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس، «أننا نعمل بشكل نشط حتى لا تمتد النار نحو حدود «إسرائيل» مع لبنان».
وصعدت المقاومة الإسلامية في عملياتها العسكرية ونفذت سلسلة عمليات نوعية، وأعلنت في بيانات متلاحقة قصفها مستعمرة «كريات شمونة» (بلدة الخالصة المحتلة) بصلية صواريخ كاتيوشا، مؤكدة أنها «لن تتهاون إطلاقاً مع المسّ بالمدنيين ولن تسمح باستباحة قرانا وبلداتنا».
كما أعلنت المقاومة عن إطلاقها صواريخ حارقة على أحراج برانيت، مؤكدة أنها لن تتهاون في الدفاع عن القرى والبلدات اللبنانية وستتعامل بالمثل مع أعماله العدوانية ضدها. كما استهدفت مستعمرتي دوفيف وأفيفيم (قرية صلحا اللبنانية المحتلة) بالأسلحة المناسبة وأوقعوا فيهما إصابات مؤكدة، ومراكز تجمّع لجنود الاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية والمدفعية وحققوا فيها إصابات مباشرة.
كما أعلنت المقاومة استهدافها نقطة الجرداح بالأسلحة المناسبة، وثكنة راميم (قرية هونين اللبنانية المحتلة) وتجمعًا لجنود الاحتلال في محيطها، وكذلك مستعمرتي المطلّة ورموت نفتالي (قرية النبي يوشع اللبنانية المحتلة).
وأفاد مراسل «المنار»، بأن «القبة الحديدية الإسرائيلية أطلقت صاروخاً اعتراضياً انفجر في أجواء القطاع الأوسط. فيما زعم المتحدّث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، «أننا نعمل بإصرار من أجل إبعاد حزب الله عن الحدود». وفي سياق ذلك، أكد السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، في حديث تلفزيوني أنه «بعد حرب غزة يجب قلب الطاولة على إيران وأذرعها في المنطقة وتطبيق القرار 1701»، لافتاً الى أن «قائد الجيش العماد جوزاف عون هو رجل المرحلة».
ويشير خبراء عسكريون لـ»البناء» الى أنه «وعلى الرغم من احتدام المواجهات على الحدود بين المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع رقعة القصف المتبادل واستخدام أسلحة جديدة، إلا أن معظم الضربات مدروسة ومحسوبة بحدود ألا تؤدي الى حرب شاملة، وبالتالي الجبهة مضبوطة ومحكومة بأمرين: توازن قوى وردع بين الاحتلال وحزب الله على الحدود، إذ أن الطرفين لا يريدان توسيع الحرب لأسباب مختلفة، لكن الفارق أن حزب الله لا يخشى الحرب وأعدّ لها ويملك إمكاناتها وقدرة القتال لمدة طويلة، بينما «إسرائيل» ولو أنها تتمناها لكن في الوقت الحالي تخشاها ولا تملك مقدراتها ولا قدرة الانتصار فيها، بل ستؤدي الى مزيد من الغرق والاستنزاف وتضع الكيان على حافة الزوال، والأمر الثاني وفق الخبراء هي الحسابات الدوليّة والإقليميّة، لا سيّما لدى الولايات المتحدة الأميركيّة التي لا تريد توسع الحرب على الحدود اللبنانية مع «إسرائيل» لتجنيب الكيان هزيمة جديدة، وتجنب الانزلاق الى حرب إقليمية تمس بالمصالح الأميركية في المنطقة في ظل تسخين جبهات اليمن وسورية والعراق». وتوقع الخبراء استمرار «الستاتيكو» القائم مع تصعيد إضافيّ متبادل حتى التوصل الى هدنة في غزة.
وفي سياق ذلك، أكدت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها برئاسة رئيس الكتلة النائب محمد رعد في حارة حريك أن «المقاومة الإسلاميّة تواصل استنزاف العدو الصهيونيّ على أكثر من محورٍ وصعيد، دعمًا لغزّة ومقاومتها وانتصارًا لقضيّة فلسطين وشعبها وحمايةً للبنان من مخاطر أيّ حماقة قد يندفع إليها الصهاينة الموتورون بهدف التعويض عن صورتهم المقزّزة للبشريّة، بصورةٍ مغايرة، يحاولون تظَّهيرها إمَّا عبر إنجازٍ ميدانيٍ موهوم أو تقدّمٍ سياسيّ مزعوم».
في المقابل، واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على الجنوب، واستهدفت مدفعية الاحتلال المتمركزة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الأحياء السكنية في بلدة مارون الراس بالقصف المدفعي، وأصيب منزل المواطن ماجد مهنا اصابة مباشرة، مما ادى الى استشهاد زوجته نهاد موسى مهنا وإصابته بجروح وهما في العقد الثامن من العمر. وعملت فرق من كشافة الرسالة الاسلامية على نقل الجثمان والجريح الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أخضع مهنا للإسعافات الأولية.
وأغارت الطائرات الحربيّة بثلاثة صواريخ «جو -أرض» على منزل خالٍ في بلدة كفركلا في جنوب لبنان. كما استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف بلدتي مارون الراس وعيترون وأطراف بلدات يارون وعيتا الشعب. وأطلق صباحاً القنابل الحارقة على أحراج جبل اللبونة والعلام وعلما الشعب.
وأصيب عدد من أفراد عائلة مواطن جراء استهداف منزله بصاروخ موجّه من مسيّرة إسرائيلية، في منطقة «خلة فضة» الواقعة بين بنت جبيل وعيترون. وعملت فرق الإسعاف في «كشافة الرسالة الإسلامية» و»الهيئة الصحية الإسلامية» على نقل المصابين الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أجريت لهم الإسعافات اللازمة. وتسببت الغارة بأضرار مادية جسيمة في المنزل.
وزعمت القناة 13 الإسرائيلية، أنّ «الدفاعات الجوية اعترضت مسيّرة في الجليل الأعلى تسللت من الأراضي اللبنانية».
على صعيد آخر، استمرّت الاتصالات والمساعي السياسيّة لاحتواء السجال والتوتر بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع الوطني موريس سليم حول ملف التعيينات في رئاسة الأركان. وقد نجح وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى، من إصلاح ذات البين بين ميقاتي وسليم، بزيارة اصطحب خلالها سليم الى السراي الحكومي حيث اجتمعا مع ميقاتي، وزال ما اعتبره سليم سوء تفاهم مؤكداً احترامه وتقديره لميقاتي ومقام رئاسة الحكومة.
وتمّ البحث خلال الاجتماع في الأوضاع العامة لا سيما الوضع جنوباً ووجوب التعاون ببن الجميع على تحصين الوضع الداخلي وعلى انتظام عمل المؤسسة العسكرية وفقاً للقوانين والأنظمة والأعراف.
وقال وزير الدفاع بعد اللقاء: «تناقشنا انا ودولة الرئيس في بعض التفاصيل واتفقنا على أن هذا المسار سيستمر لمعالجة كل ما من شأنه أن يحصّن المؤسسة العسكرية، وأن يصبّ في خدمة الوطن وسلامته، وأن يقوم الجيش بلعب دوره، كما هو على الدوام».
ولفت رداً على سؤال حول التعيينات في رئاسة الأركان والمجلس العسكري، إلى أن «هذا الموضوع لا يزال قيد التداول والنقاش وكل الحلول لن تكون إلا وفقاً للدستور وقانون الدفاع الوطني بطبيعة الحال».
إلى ذلك، رحلت الملفات والاستحقاقات الى العام المقبل، وعلى رأسها الملف الرئاسي وسط معلومات تشير الى أنه سيعاد تحريك الملف مطلع العام الجديد بتفعيل الدور الفرنسي وزيارة مرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ومسؤولين قطريين، للاستفادة من التسوية السياسية التي حصلت للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتوجت بانعقاد المجلس النيابي وإقرار القانون. وعلمت «البناء» أن أطراف المعارضة ستفعل حراكها على خط رئاسة الجمهورية على الصعيد السياسي الداخلي وعلى الصعيد الخارجي، للدفع والضغط على كافة الأطراف للنزول الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيس للجمهوريّة، كما ستقوم بحملة سياسيّة إعلاميّة للضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى جلسات متتالية للمجلس لانتخاب رئيس على غرار دعوته الى جلسة لإقرار قانون التمديد.
إلا أن مصادر سياسية أشارت لـ»البناء» إلى أن «حسابات وظروف ملف قيادة الجيش تختلف عن حسابات رئاسة الجمهورية، لا سيما أن نصاب جلسة التمديد 65 نائباً والتصويت 33 نائباً، أما في انتخاب الرئيس فالقاعدة الدستورية مختلفة، النصاب والانتخاب هو 86 نائباً في الدورة الأولى والنصاب 86 والانتخاب 65 في الدورة الثانية، ما يستحيل أن يتمكن أحد الأطراف من فرض مرشحه، وبالتالي المخرج الوحيد لانتخاب الرئيس هو الحوار ونسج تحالفات بين القوى الرئيسية الثلاث التي تشكل المجلس وهي الثنائي الشيعي، التيار الوطني الحر، والمعارضة، وبالتالي التوافق على اسم أو 3 أسماء والنزول الى المجلس وتأمين النصاب والاحتكام الى اللعبة الديمقراطية».
وعلق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيان على كلام الرئيس بري في ملف الرئاسة أمس الأول، بالقول: «إذا كان الرئيس نبيه بري يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك، ولكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سن التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبيّة الهادئة، وليس عبر طاولة حوار استعراضيّة شهدنا الكثير منها في السنوات الـ15 الأخيرة والتي لم تؤتِ يومًا بثمرة واحدة».
لكن أجواء مطلعة على موقف عين التينة لفتت لـ»البناء» الى أن لطالما كان الرئيس بري سباقاً للدعوة الى الحوار في المفاصل الأساسية والدقيقة التي مر بها لبنان، وقد أثمرت بحل الكثير من العقد أمام حل الاستحقاقات الدستورية وغير الدستورية، لكن المدخل الوحيد لحل الاستحقاق الرئاسي، هو الحوار الوطني أو على الأقل بين مكوّنات المجلس النيابي لتكوين نصاب لعقد الجلسة وأكثرية للانتخاب، وإلا ما الفائدة من الدعوة الى جلسات من دون توافق مسبق سوى فرط الجلسة بسبب غياب النصاب كما حصل طيلة الجلسات الماضية؟». وأوضحت المصادر أن ما حصل من توافق سياسيّ مسبق قبل عقد جلسة لإقرار قوانين حياتية ومالية والتمديد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية أكبر دليل على أن الاستحقاقات لا تنجز إلا بحوار وتوافق يتوّج بجلسة للمجلس النيابي، بمعزل عن شكل الحوار أكان جانبياً أو وطنياً، لكن في استحقاق الرئاسة لا يمكن إلا أن يكون وطنياً أو نيابياً ضمن طاولة حوار لجوجلة المواصفات والأسماء والاتفاق على اسم أو أكثر والنزول الى المجلس للاختيار من بينها.
ولفت مصدر سياسيّ لـ»البناء» الى أن «الملف الرئاسي لن يفتح بشكل جدّي، قبل انجلاء مشهد الحرب في غزة، وتهدئة الجبهة الجنوبية، للوقوف على حقيقة موازين القوى التي ستُفرزها هذه الحرب وتداعياتها على المنطقة والاستحقاقات المقبلة، وبالتالي لا رئيس في لبنان في المدى المنظور إلا إذا حصلت مفاجآت غير متوقعة».
وفي سياق ذلك، رأت كتلة الوفاء للمقاومة «أن معالجة أوضاع البلاد ورعاية مصالح المواطنين تتطلبان جهوداً حكوميّة ونيابية جادة ومخلصة ومنتظمة، وإذا كان الشغور الرئاسيّ يشكل ثغرة أساسية كبرى في الانتظام العام وبنية الدولة، فإن الواجب الوطني يقضي بالإسراع في ملء هذا الشغور من جهة وبعدم التفريط ببقية مداميك الدولة، وأن انعقاد جلسة التشريع النيابية مؤخراً هو دليل إضافي على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس وتسيير أعمال البلاد والتعاون الدائم للعمل بموجب الدستور وعدم تعطيل مواده تحت أي ذريعة».
الى ذلك، نفى المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، في بيان، «الأخبار الصحافية المتداولة عن رسالة مزعومة قيل إن الرئيس عون وجّهها إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ما يتعلق بالتمديد لقائد الجيش، ويضعها في سياق الشائعات المفبركة التي لا أساس لها من الصحة».