الخميس, نوفمبر 21
Banner

تقارب بين عون والحريري يُمهِّد لموجة فرنسية ثانية!

عمار نعمة – اللواء

حفلت الساعات الماضية بمواقف متقدمة على صعيد محاولات تشكيل الحكومة، في ظل أسئلة طُرحت بقوة منذ إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام عن موعد للإستشارات النيابية الملزمة في الخامس عشر من الشهر الحالي، وصولا الى ملاقاته من قبل زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في «قبوله» عملياً بمهمة ترؤس حكومة الإنقاذ المنشودة.

من الأسئلة المشروعة التي طرحت: لماذا جاء إعلان بعبدا عن الاستشارات في هذه اللحظة السياسية بالذات؟ ولماذا تم إرجاء الموضوع حتى قبل أيام ولم يُعلن عن موعد قريب طالما أن البلاد في حاجة ماسة الى تشكيل للحكومة، علما أنه جاء بعد قرابة ثلاثة أسابيع منذ اعتذار الرئيس المكلف السابق مصطفى أديب؟ وهل لذلك تبرير دستوري؟ وما تأثير كل ذلك على المبادرة الفرنسية المُجهضة خاصة مع ترشيح الحريري لنفسه لرئاسة الحكومة؟

هي أسئلة تُراكم غيرها مع كل يوم جديد وسط فراغ سلطوي في البلاد بات معه الناس أشبه باليتامى من دون دولة الرعاية المطلوبة، خاصة بعد تنسُّم بعض الأمل مع تكليف أديب قبل أن يأتي إعتذاره ليضرب تلك الآمال في الصميم، مع انتظار الجميع للانتخابات الاميركية في الثالث من الشهر المقبل لمعرفة وجهة سياسة واشنطن تجاه المنطقة، وهو ما سيتخذ بدوره أسابيع أخرى قبل انبلاجه.

وبعد أيام على إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن اتفاق الاطار لترسيم الحدود البرية والبحرية، ما اعتبره كثيرون رسالة حسن نية تجاه الإدارة الاميركية، دعا عون الى الاستشارات النيابية الخميس المقبل ليلحقه الحريري بعدها بإعلان ترشيحه لرئاسة الحكومة.

إذا ما تمت مقاربة موقف عون سياسيا، فإنه تأخر لإعلان ذلك لكي يتوافق مع اللحظة السياسية التي يتوافق فيها إعلان الترسيم مع تعبيد الطريق مع الحليف «المستقبلي» السابق، عبر ضوء أخضر أميركي قد يفيد في تسمية الشخصية السنية لرئاسة الحكومة، لكن لا يبدو أن تمظهر ذلك سيتحقق قبل وضوح مشهد ما بعد الثالث من تشرين الثاني المقبل.

أما لناحية دعوة عون دستورياً، فإن هذا الدستور لم يُحدد مهلة للرئيس للدعوة الى الاستشارات المُلزمة، لكن نظراً الى الظروف الراهنة الخطيرة، كان يجب لهذه المدة الإستنسابية أن لا تطول في ظل الانهيار السائد في البلاد ومع اقتراب البلاد من الذكرى الاولى لانتفاضة 17 تشرين التي يتجاهلها المسؤولون وهي لم تخمُد بطبيعة الحال.

وقد ساء عون أن يتم تجاهله في إعلان مفاوضات الترسيم وهو لم يقتنع بحجة عدم مشاورته تحت ذريعة أن الامر يتعلق بمفاوضات إطار وليس إعلان معاهدة، وقد جاء ذلك بعد تجاهله أيضا في مرحلة تشكيل الحكومة من قبل الرئيس المكلف.

ومع العلم بأن الشروع في مفاوضات التأليف قبل التكليف ينتقص من صلاحيات رئيس الحكومة العتيد، ورغم أنه يعطي عون قوة سياسية من صلاحيات غيره، فإن رئيس الجمهورية تقصَّد الاعلان عن موعد التكليف في ظل جمود مفاوضات التأليف في رسالة الى الشريك السني المتململ منه بعد سقوط تفاهمه ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أي الى زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي بالكاد أقنع الجمهور السني بتفاهم هش مع العهد، والزعيم «المستقبلي» يحتاج هو الآخر الى العودة الى الحكم بعد خسائر له بالجملة مع تهميشه خارجه، وطبعا خسائر جمّة للبلاد نتيجة هذا الخروج.

وضع عون الجميع أمام مسؤولياتهم إحراجا لهم، كما أنه وجه رسالة الى المجتمع الدولي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خصوصاً، بأنه أكمل واجبه السياسي والدستوري وهو الذي حاول حماية الجولة الاولى من المبادرة الفرنسية حتى اللحظة الأخيرة رافضا الاستثناء في مداورة الوزارات ضد رغبة حليفه «حزب الله».

طوق نجاة للعهد!

من جهة الحريري، وإذا كان لا يزال مرفوضا من قبل منتفضي الساحات، إلا أنه في ظل الكارثة الاقتصادية الحالية وحاجة البلاد الى المساعدات الخارجية من مؤتمر «سيدر» وغيره عبر مفاوضات «صندوق النقد الدولي»، يستطيع الإدعاء بحاجة البلد له.

ولناحية علاقته مع العهد التي كان الطرفان قد أعلنا قطعها الى غير رجعة، سيراهن على حاجة عون الى من ينقذ عهده المتعثر، كما على تمايز باسيلي يكبر مع الوقت مع «حزب الله» في ظل الحصار الأميركي. وقد مهّد الجانبان، العهد و«التيار الحر» من ناحية، والحريري من ناحية مقابلة، الى محاولة التقارب هذه، عبر تفاهمات مستترة كان الحريري عبرها في أجواء مبادرة عون للاستشارات، وهي حافظت على الشكل أيضا عبر اتصال الحريري الاطمئناني على باسيل بعد إصابته بـ«كورونا» ثم كلامه الأخير غير التصعيدي ضد رئيس «التيار الحر».

من ناحيتها، تحتفظ باريس باستياء شديد من المسؤولين اللبنانيين، وهي تُحمل ثنائي الحزب وبري مسؤولية تفشيل المبادرة الفرنسية، لكنها أيضا تقارب بسلبية أداء البيت السني عبر رؤساء حكوماته السابقين، وهو ما يعلمه الحريري تماما وهو الذي يعرف أن الراعي الأكبر له اليوم هو الرئيس الفرنسي، وبالتالي أرسل الحريري طوق النجاة للعهد قبل أيام على الذكرى الرابعة له.

والحال أن المبادرة الفرنسية لم تقف بعد تعثرها الاول، وبعد أن قطع المسؤولون الفرنسيون إتصالاتهم مع نظرائهم اللبنانيين ورموا الكرة في ملعبهم لإعادة إطلاق إتصالاتهم، تُقارب باريس بإيجابية موقف الحريري، من دون أوهام حول تشكيل قريب للحكومة قبل الانتخابات الأميركية، وهو ما ستتابعه السفيرة الجديدة في لبنان آن غريّو عبر موجة اتصالات ثانية ستتخذ وقتاً.

لكن إعادة إطلاق كل تلك المساعي تطرح أسئلة جديدة ستكون الأسابيع المقبلة كفيلة بتقديم الإجابات عليها، لعل أهمها طبيعة التفاهم الذي سيقيمه زعيم «المستقبل» مع «حزب الله» الذي قد يتشدد بمطالبه السياسية وتلك المتعلقة بالإصلاحات، مع اقتراب مفاوضات الترسيم واحتمال سقوط الرئيس الاميركي دونالد ترامب في إنتخاباته الشهر المقبل.

Comments are closed.