كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
الصورة ذاتها؛ في الداخل جمود سياسي كامل ينتظر من يحرّكه، وفي الجنوب اعمال حربية تُبقي المنطقة الحدودية فوق فوهة بركان. وفي موازاتها رصد دولي لمجريات حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل، وارتدادات الاصوات التي بدأت ترتفع، ويعكسها الإعلام الاسرائيلي، وخصوصاً من بعض اطراف مجلس الحرب الاسرائيلي ضدّ رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، حول فشل هذه الحرب في القضاء على حركة «حماس» وإعادة الأسرى الاسرائيليين، في ظلّ مقولة تتبنّاها مستويات أمنية وكذلك سياسية اسرائيلية، بأنّ اعادة هؤلاء الأسرى صعبة في ظل استمرار الحرب. بل يتمّ ذلك عبر صفقة، ويتوازى ذلك مع انتقادات متتالية لنتنياهو واتهامه بأنّه يماطل لكسب الوقت والهروب من المسؤولية.
الأمور ماشية..
في لبنان، لا احد يعلم «كيف ماشية الأمور» في ظل الخواء الضارب في كلّ مفاصل البلد، وكيف لبلد بهذا الوضع المشلّخ، وبهذه العتمة السياسية الحالكة، وبهذا الانقسام العميق، وبهذا العداء المتبادل بين مكوناته، وبهذا الاستزلام للخارج، وبهذا الفشل المتتالي منذ سنوات طويلة في وضع البلد على سكة الإنفراج، أن يستمر ويبقى قادراً على الصمود حتى الآن امام عواصف الداخل والخارج. هذه هي بكل بساطة، صورة بلد «مفكّك مع وقف التنفيذ».
على أنّ في هذه العتمة، شعّت ومضة نور، حيث قُرعت الكنائس في لبنان أجراسها، تزامناً مع رفع موزاييك القديس شربل في بازيليك مار بطرس في الفاتيكان. وهذه اللوحة العملاقة التي تمّ تكريسها قبل نحو شهر من قِبل البابا فرنسيس، رُفعت في البازيليك من سفير لبنان لدى الفاتيكان فريد الياس الخازن بالتعاون مع الرهبانية اللبنانية المارونية، على ان تلي رفع اللوحة قداديس احتفالية للمناسبة. وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قد دعا في قداس الأحد الماضي، إلى وقفة صلاة وشكر وابتهال إلى الله، لكي بشفاعة القدّيس شربل يمنح لبنان الإستقرار والسلام، ويحقّق أمنيات البابا فرنسيس الذي سمح بهذه المبادرة وشجّعها. وطلب الى المطارنة، تكليف كهنة الرعايا ولجان الأوقاف بقرع الأجراس في جميع الكنائس بالتزامن مع رفع موزاييك القدّيس شربل، ولمدّة خمس دقائق.
جلسة الموازنة
سياسياً، لا يوجد خبر يركن اليه في الداخل، سوى تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسة نيابية عامة يومي الاربعاء والخميس المقبلين ليلاً نهاراً، لدرس وإقرار مشروع موازنة العام 2024. التي تجمع آراء الخبراء في المال والاقتصاد انّها لا ترقى الى مستوى الأزمة، ولا توفّر فرص انتعاش اقتصادي ومالي، وطمأنة للبنانيين.. وكان رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان قد اشار الى انّ اللجنة قاربت المشروع المرسل بعناية شديدة، عملت من خلالها على التخفيف من الكارثة، ومنع الاستدانة وفتح الحسابات في مصرف لبنان، مشيراً الى ان ليس في الموازنة سعر صرف واحد، انما هناك 3 اسعار صرف. وقال: «اننا الغينا الضرائب المستحدثة وعملنا على تحسين عدد من الضرائب ووحّدنا المعايير»، داعياً الحكومة الى ان تقوم بورشة ضريبية شاملة، فزيادة الضرائب من دون خطط متوازنة غير مجدية.
واما في موازاة الدعوة الى جلسة الموازنة، فلا يعدو اكثر من نشاط روتيني، اقصاه استقبالات ولقاءات مراجعات، وفي موازاته توترات وتشنجات على كل الخطوط، فيما الأوساط السياسية المعنية بالملفات والأولويات تنتظر ما قيل عن أنّ حراكات خارجية ستنطلق في اتجاه لبنان لإعادة تحريك الملف الرئاسي، الاّ انّ هذه الاوساط تغفل عنصراً اساسياً وهو انّ هذه الحراكات ليست مؤكّدة حتى الآن.
تباين حول العشاء
وفي سياق رئاسي متصل، ما زالت ارتدادات العشاء الذي جمع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بالرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط، قبل ايام قليلة، طافية على السطح الداخلي. وفيما حرصت اوساط الجانبين على تأكيد الجو العائلي للقاء، وفصله عن الاسحقاق الرئاسي، اكّدت مصادر «اشتراكية» لـ«الجمهورية»، وجوب الابتعاد عن المبالغة في القراءات، وحصرت اللقاء في بعده العائلي، وكذلك في نطاق الانفتاح وضرورة تعزيز العلاقات الثنائية بما يساهم في خلق مناخات ايجابية بعيداً من التشنجات التي توتر البلد».
وسألت «الجمهورية» مسؤولاً كبيراً صديقاً للجانبين عن هذا التقارب والالفة التي بدأت تغمر الطرفين في هذه المرحلة، فقال: «وهل تريدون غير ذلك، معلوماتي تؤكّد انّ اللقاء كان ممتازاً، والجانبان اعربا عن ارتياح ظاهر، ويجب الاّ ننسى انّهما من بيتين سياسيين عريقين».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان هذا العشاء يحمل معه بداية تحول في موقف جنبلاط في اتجاه دعم ترشيح الوزير فرنجية، قال المسؤول عينه: «صدقاً لا معلومات لديّ، ولكن اقول بكل صراحة هذا ما اتمناه».
المعارضة: إرباك
على انّ الصورة في ما يُسمّى «المقلب السيادي»، لا يشوبها ارتياح، وعكست ذلك مصادر معارضة بقولها لـ«الجمهورية»: «لا نعوّل على مواقف متذبذبة وغير ثابتة (في اشارة الى موقف جنبلاط)، ولا على لقاءات ايّاً كان شكلها، بل نعوّل فقط على موقفنا الثابت بمنع ايصال مرشح الممانعة الى رئاسة الجمهورية».
التكتل: تعنينا الرئاسة
وفضّلت مصادر «تكتل لبنان القوي» عدم التعليق، وقالت: «ما يعنينا هو التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية توافقي يعبّر بالدرجة الاولى عن ارادة المسيحيين».
ولكن ماذا لو تمّ التوافق على اي من المرشحين المعروفين، قالت المصادر: «الامر كما نراه مستبعد، فلا توجد امكانية لذلك». مذكّرة في هذا السياق بكلام سابق لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، المح فيه الى انّ الاسماء المرشحة ليست توافقية، مؤكّداً ان لا فرصة لوصولهم الى رئاسة الجمهورية.
المهم هو النصاب
ولكن على اهمية اللقاءات التي تُعقد بين بعض الاطراف السياسية، فإنّ مصادر سياسية مسؤولة، تؤكّد أنّ الأمر الوحيد المهمّ في ما خصّ الانتخابات الرئاسية، حول توفير نصاب الانعقاد والانتخاب، اي 86 نائباً، وقالت: «حتى ولو توافق من يلتقون من بعضهم البعض، الّا أنّ النصاب ما زال في خبر كان. ولنكن واقعيين، كرة النصاب بيد الجانب المسيحي، اي بيد «التيار الوطني الحر»، وحزب «القوات اللبنانية» معاً، او بيد طرف منهما. وما خلا ذلك تخبيص خارج الصحن».
التصعيد متواصل
ميدانياً، التصعيد سيّد الموقف على الحدود الجنوبية، حيث تكثفت الاعتداءات الاسرائيلية على المناطق اللبنانية عبر سلسلة من الغارات الجوية استهدفت العديد من البلدات، مترافقة مع قصف مدفعي عنيف طال العديد من القرى المحاذية للخط الحدودي. فيما واصل «حزب الله» عملياته ضدّ المواقع الاسرائيلية. ولاسيما في محيط قاعدة خربة ماعر، وموقع السماقة – الرمثا، وجبل نذر.
والبارز امس، اطلاق مسيّرة في اتجاه العمق الاسرائيلي بلغت اجواء حيفا، حيث اعلن المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي أنّ «أنظمة الجيش الاسرائيلي رصدت قطعة جوية مسيّرة اجتازت من لبنان نحو المجال الجوي الاسرائيلي فوق البحر شمال البلاد، حيث تمكنت القبة الحديدية من اعتراض الهدف بنجاح».
وذكر الاعلام الاسرائيلي «انّ الطائرة من دون طيار التي أُطلقت من لبنان وصلت إلى خليج حيفا وكانت في طريقها نحو مصنع أمني في هكريوت»، وفيما اكّد محللون اسرائيليون «انّ على اسرائيل أن تبحث عن طرق بديلة لاعتراض الطائرات من دون طيار التي يرسلها «حزب الله»، فالحرب قد طالت وتكلفة إطلاق صاروخ من القبة الحديدية عالية جداً». ونقل عن رئيسة بلدية حيفا قولها:» إذا اندلعت حرب مع «حزب الله» ستدفع حيفا ثمناً باهظاً ونحن لا نتحدث عن 1400 قتيل وإنما عن آلاف كثيرة وأضعاف الأضعاف».
تهديد جديد
في هذه الأجواء، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين غربيين ولبنانيين، قولهم: إنّ «إسرائيل هدّدت بتصعيد قتالها مع «حزب الله» إن لم يوجد اتفاق خلال أسابيع».
وفي السياق ذاته، اكّد وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت لنظيره الأميركي لويد أوستن، انّ اسرائيل تفضّل إعادة السكان إلى الشمال عبر تسوية، ومستعدون أيضاً للقيام بذلك عبر القوة العسكرية». وقال: «اسرائيل ملتزمة بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان ونقترب من اتخاذ القرار».
وفي كلام سابق، قال غالانت: «إنّ هناك تطورات خطيرة تحتّم على إسرائيل الانجرار نحو الحرب على حدودها الشمالية لضمان عودة السكان إلى بيوتهم».
تحذير من الحرب
على انّ هذا التصعيد، يُقابل بتحذير من مخاطر الحرب، وجاء ذلك على لسان الوزير في مجلس الحرب الاسرائيلي رئيس الاركان الاسرائيلي السابق غادي آيزنكوت، الذي اعلن انّه وزعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، وهو أيضاً رئيس أركان سابق للجيش الإسرائيلي، منعوا إسرائيل من شن هجوم استباقي على «حزب الله» في لبنان في الأيام التي تلت هجمات 7 أكتوبر القاتلة».
واشار الى انّه «في 11 تشرين الاول، كانت إسرائيل على وشك ضرب «حزب الله»، لكنه تمكّن مع غانتس من إقناع المسؤولين في مجلس الحرب بالتأجيل». وقال: «أعتقد أنّ وجودنا هناك مَنَع إسرائيل من ارتكاب خطأ استراتيجي فادح. لو تمّ اتخاذ قرار بمهاجمة لبنان، لكنا قد حققنا رؤية يحيى السنوار الاستراتيجية لإشعال حرب إقليمية فورية. وكنا سنجلب على الفور المحور بأكمله في سوريا والعراق وإيران مع «حماس»، التي سببت لنا أكبر ضرر منذ إنشاء الدولة، لتصبح ساحة ثانوية».
واما الوضع على الحدود، فتعكسه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية في تقرير اشارت فيه الى انّ «الحقيقة المؤلمة هي أنّ منطقة الجليل لا تبدو كالمنطقة المزدهرة كما كانت في السابق، بل كمنطقة حرب، وليس من المعلوم من يسيطر عليها. وقائد فرقة الجليل شاي كلابر هو الرجل الذي يعيش ويتنفس الكابوس الكبير المتمثل في غزو قوة الرضوان لمنطقة الجليل».
«حزب الله»: اسرائيل تهول
الى ذلك، أكّد رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد انّ «العدوّ الصهيوني غير جاهز للحرب أمام ما أعدّت له المقاومة في لبنان».
رعد الذي كان يتحدث في احتفال تأبيني في الصرفند، رأى انّه «عندما يلوّح العدو في شنّ الحرب وهو قد فشل في تحقيق أهدافه في غزة، فهو يهوّل ولا يستطيع أن يفعل ما يهوّل به، وستبقى يدُ المقاومة هي العليا». وقال: «العدو الذي مارس توحّشه وأفرَط في عدوانيّته ضدّ المدنيين في غزة كان مرجّحاً أن يميل ميلةً باتجاه لبنان، فلمّا رأى جهوزيتنا أصبح يحسب للمسألة ألف حساب».