جاء في صحيفة الديار : عندما وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النواب أمام تحدّي اختيار اسم الرئيس المكلّف بعد تحديد 15 تشرين الأول موعداً للاستشارات الملزمة، كانت المفاجأة لدى الكتل النيابية وغيرها لان تحديد الموعد جاء دون استشارة أحد الا الرئيس نبيه بري، وإعطاء فترة 7 أيام للمجلس النيابي والكتل النيابية هي فترة ضاغطة على الجميع وتحدّي لهم لاتخاذ قرار باختيار اسم الرئيس المكلف.
لم يأت هذا الموعد فقط من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بل جاء بنصيحة فرنسية عالية ورفيعة المستوى، جعلت الرئيس ميشال عون يأخذ قراره فور عودته من الكويت عبر تغريدة على “تويتر”.
وما أن تمّ تحديد موعد الاستشارات النيابية حتى طُلب من الرئيس سعد الحريري ان يطلّ عبر برنامج “صار الوقت” مع الزميل مارسيل غانم على الـ ” MTV” التلفزيونية. وأعلن بشكل مفاجئ أنه مرشح لتشكيل الحكومة على قاعدة جوهر المبادرة الفرنسية الاقتصادي والمالي، رغم أن الحريري كان يردّد في أوساطه أنه لا يُريد رئاسة مجلس الوزراء طول فترة الولاية المتبقية للرئيس ميشال عون.
وأضاف الحريري في ” صار الوقت” أنه سيجري اتصالات ومشاورات لـ 78 ساعة مع الافرقاء والكتل النيابية وعلى أساسها يتخذ قراره بالترشح أو قد يتراجع، مع أن هذا الاحتمال ضئيل، لان الحريري سمع طلباً فرنسياً بأن يترشح للحكومة ويترأسها، الا اذا اصطدم بعقبات كبرى خلال مشاوراته السياسية التي حدّد مدتها بـ 78 ساعة، مع العلم أن قول الحريري قد يتراجع عن ترشيح نفسه هو مناورة للكتل النيابية كيلا ترفع سقف مطالبها في وجهه.
بالنتيجة ادى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصياّ دور الدفع باتجاه الإسراع لتكليف الحريري على أن يؤلف حكومته بعد الانتخابات الأميركية التي ستجري في 3 تشرين الثاني، وتكون عندئذ الأجواء قد ظهرت حول مستقبل سياسة الإدارة الأميركية، لانه في الولايات المتحدة تختلف سياسة الحزب الديموقراطي الذي يرشح جو بايدن لرئاسة أميركا عن الحزب الجمهوري الذي يرشح دونالد ترامب لولاية ثانية.
مواقف الأطراف اللبنانية من ترشيح الحريري
الأطراف اللبنانية كلها موافقة على جوهر المبادرة الفرنسية اقتصادياً ومالياً، باستثناء بعض الملاحظات مثل رفع القيمة المضافة (TVA) على كافة المواد في الأسواق اللبنانية.
الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله لديهما ملاحظات، لكن الحريري أعطاهما إشارات إيجابية، وفي الوقت نفسه انتقد مواقفهما أثناء تكليف الرئيس مصطفى أديب، كي يترك مسافة بينه وبين الثنائي الشيعي، وهو يعرف أن سماحة السيد حسن نصر الله في اطلالته التلفزيونية قبل أيام، أعلن أنه لا مانع من تولي الرئيس الحريري رئاسة الحكومة عندما تمّ طرح أسماء لتكليفها تشكيل الحكومة.
أما الرئيس نبيه بري الذي حصل بعض الجفاف بينه وبين الحريري، فهو غير بعيد عن الحريري، ويفضّل مجيئه على أساس إعادة التسوية الرئاسية، اي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء الممثل الأقوى للطائفة السنيّة سعد الحريري.
ويرى الرئيس نبيه بري أن استعادة التسوية الرئاسية ستشكّل استقراراً في البلاد، فبدل الاتيان بالرئيس حسان دياب أو الرئيس المكلف مصطفى أديب، فالأفضل أن يأتي الأصيل، اي الحريري بدل من الوكيل مصطفى أديب.
وقد نال الحريري غطاء رؤساء الحكومات السابقين الـثلاثة وهم نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة، وهذا يعني شبه اجماع سني على تأييد الحريري، مما يجعل الأقوياء في طوائفهم يتسلمون الرئاسات الثلاث في لبنان، وتنطلق عجلة العمل السياسي والعمل الحكومي لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
كما سينال الحريري تأييد جنبلاط بعد جلستين بينهما، حيث تفاهما على المرحلة المقبلة، وعادت أواصر التحالف بينهما إلى أقصى حد، لأن جنبلاط يشعر بخطورة الوضع اللبناني، وكذلك الحريري.
أما الوزير سليمان فرنجية وكتلته فسيؤيدان ترشيح الحريري، وفرنجية لم ينسَ أن الحريري رشحه لرئاسة الجمهورية وكاد أن يصل للرئاسة لولا التزام حزب الله بدعم الرئيس عون.
من جهتها، القوات اللبنانية لدى سؤالها عن موقفها من ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، قالت اقرؤوا رد القوات على مقابلة الحريري تلفزيونياً، وهذا الرد الذي هو من 7 نقاط شكل موقف القوات من الحريري.
فهل تعاود القوات اللبنانية ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة لتسجيل موقف ضد الحريري، أم يحصل غسل قلوب بين جعجع والحريري، خصوصاً ان جعجع قد يتأثر بالموقف الأميركي والسعودي المؤيد للحريري.
أما موقف التيار الوطني الحر، فصحيح أن رئيس التيار هو جبران باسيل وأن الحريري قام بتحميل باسيل مسؤولية فشل عهد الرئيس عون، لكن رئيس الجمهورية هو الذي يؤثر سياسياً في موقف التيار، والرئيس عون راغب بعودة الحريري لرئاسة الحكومة، ولا يريد أن يعود ميقاتي رئيساً لمجلس الوزراء.
ومن هنا، فمن المحتمل جداً أن يجتمع عون وباسيل ويدرسا الوضع، خاصة أن الحريري سيعطي وزارة المالية، وربما وزارة الصحة للثنائي الشيعي، ومن هنا، سيكون إصرار التيار على تولي وزارة الطاقة، وهو أمر لن يقبله الحريري، لأنه يريد صاحب اختصاص مستقل في مجال النفط والغاز والكهرباء لتولي وزارة الطاقة، ويكون مستقلاً لتنفيذ جوهر المبادرة الفرنسية، وعلى الأرجح قد يقبل عون وباسيل موقف الحريري من وزارة الطاقة.
موقف الأطراف الخارجية دولياً وإقليمياً
وفق الصحافة الفرنسية، فإن وزير الخارجية لودريان تشاور مع وزير الخارجية الأميركي بومبيو بشأن الوضع في لبنان. فأيد بومبيو ترشيح الحريري وقال إنه يثق به. لكنه قال أنه يتحفظ جداً عن كيفية تمثيل حزب الله كيلا يستفيد من الأموال الحكومية على حد قول بومبيو، وإن وزارة الخزانة الأميركية قد تفرض عقوبات لا يعرفها بومبيو على شركات قريبة من حزب الله وحتى على وزراء، مثلما فرضت عقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، ومن بعدها على شركات قريبة من حزب الله تعمل في مجال الإعمار.
لكن بومبيو تلاقى مع لودريان على ترشيح الحريري وأيد الموقف الفرنسي في دعم الحريري.
أما سعودياً، فإن ماكرون شخصياً تحادث هاتفياً مع محمد بن سلمان ولي العهد الذي ركّز على سيطرة وهيمنة حزب الله على لبنان وفق رأي ولي العهد السعودي الذي ركز على خطاب والده الملك سلمان بن عبد العزيز والذي قال إن “حزب الله يسيطر على لبنان وهو وراء انفجار المرفأ”، ولذلك فإن السعودية لن تتعاطى مباشرة بالساحة اللبنانية، انما لها ثقة بالحريري وتؤيد مجيئه رئيساً للحكومة رغم أنها تعرف أنه سيكون تحت تأثير كبير لحزب الله.
ووفق القناة الفرنسية الثانية وفي أحد برامجها السياسية أمس، فقد قالت إن الوحيد المقبول سياسياً والقادر على إقامة توازن مع حزب الله هو الحريري، ولا بد أن تكون القناة الفرنسية الثانية قد استقت موقفها من موقف ماكرون.