لا يزال الإرباك سيد الموقف قبل يوم واحد من بداية العام الدراسي في الثانويات الرسمية، وفق القرار الأخير الذي أصدره وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال الدكتور طارق المجذوب وحمل الرقم 463/م. فتعليقات المدراء والأساتذة على القرار كثيرة. وهم مقتنعون بأن الأسبوعين المقبلين كفيلين بالعودة إلى الإقفال التام.
لا تعليم عن بعد
وكان نص القرار يوحي أن التعليم المدمج يسير على ما يرام. لكن الأساتذة والمدراء يؤكدون لـ”المدن” أن لا وجود لشيء اسمه تعليم عن بعد. فمن أصل 20 ساعة تعليم للأساتذة خصصت 15 ساعة للتعليم الحضوري و5 ساعات للتعليم عن بعد. هذا فيما برنامج التعليم عن بعد لا يعمل بعد. والطلاب أصلاً سيتعلمون حصة واحدة في كل مادة عن بعد وفق الخطة. والساعة هذه غير متوفرة. فعلى الجداول التي وزعت على الأساتذة، ولا سيما أساتذة مواد الإنسانيات، هناك صفر ساعة تعليم عن بعد. وهنا يؤكد الأساتذة أن الأسبوع غير الحضوري للطلاب سيكون مقتصراً على تزويدهم ببعض الفروض البيتية.
قرار مربِك
وجاء في المادة الثانية من قرار الوزير أنه “يعتمد في المدارس والثانويات الخاصة سيناريو التعلم المدمج الذي يراعي خصوصية كل مؤسسة تعليمية، مع احترام مبادئ الدليل الصحي الصادر عن وزارة التربية والتعليم العالي. كما يعتمد استثنائياً في الثانويات والمدارس الرسمية تقسيم الشُعب إلى مجموعتين في الفصل الأول من العام الدراسي 2020/2021. وريثما تعود الأوضاع الصحية إلى طبيعتها، تضم كل منهما 50 في المئة من عدد تلامذة الصف الإجمالي، بما لا يزيد عن 18 تلميذاً في المجموعة الواحدة، وبما يضمن التباعد الاجتماعي اللازم، على أن تحضر المجموعة الأولى طوال أيام الأسبوع وتليها المجموعة الثانية في الأسبوع التالي، وبحيث تتابع المجموعة الأولى التعليم عن بعد أثناء وجود المجموعة الثانية في المدرسة وبالعكس، وتتولى إدارة المدرسة الثانوية توزيع التلامذة على المجموعتين باعتماد الترتيب الأبجدي لعائلة التلميذ، على أن يراعى وضع التلامذة القادمين بوسيلة نقل واحدة”.
وجاء في المادة الثالثة أنه على مدراء المدارس اعتماد “التدريس الحضوري في الأسبوع الأول، وفي الأسبوع التالي التدريس عن بعد. وعلى مدير المدرسة الثانوية أن يعمد الى تنظيم برنامج التدريس وتوزيع التناوب بين المجموعات الصفية، بما يساهم في تأمين عدد حصص التدريس للملاك وللمتعاقدين، والتنسيق مع منسقي مواد الأساتذة والمدرسين لتأمين التوازن في انجاز برنامج التدريس بين المجموعتين، ويتم تكليف أساتذة ومدرسي الملاك المعنيين بتدريس هذا الصف بأعمال ومهام تكمل نصابهم القانوني الأسبوعي”.
لقد أحدث هذا القرار إرباكاً بين الأساتذ،ة وخصوصاً المتعاقدين مع مدارس خاصة حول كيفية التوفيق بين التعليم الحضوري في مدرستين: التعليم عن بعد في المدرسة الخاصة، والحضوري في المدرسة الرسمية. هذا فضلاً عن إرباك الأساتذة الذين يعلمون في أكثر من مدرسة رسمية. فبعض الأساتذة الموزعة ساعات تدريسهم على مدارس ثلاث رسمية، سيعانون من تضارب المواعيد بين التعليم عن بعد في مدرسة والتعليم الحضوري في مدرسة أخرى.
تخبط إجراءات الإغلاق
أما المادة الرابعة من القرار، فطلبت فيه الوزارة من مدير الثانوية أو المدرسة تنظيم لائحة بأسماء التلامذة وأرقام هواتف ذويهم وتحديد مكان سكنهم تفصيلياً. وفي حال صدرت عن وزارة الداخلية والبلديات قرارات تتعلق بإغلاق بلدات أو قرى أو أحياء ذات معدل الإصابات اليومية القياسية المرتفعة في حينه، يتم إقفال المدارس والثانويات الواقعة ضمن نطاقها طوال الفترة المحددة في قرار وزير الداخلية والبلديات. ويتولى المدير والمرشد الصحي والنظار إبلاغ ذوي التلامذة في الحي المعني، بعدم إرسال أبنائهم الى المدرسة. على أن يتم الحاق هؤلاء التلامذة بالمجموعة التي يتم تدريسها عن بعد خلال فترة الإقفال، ويصار إلى التعويض عليهم لاحقا من قبل المدرسين الأساتذة المعنيين. ويحظر القرار على التلامذة، وأفراد الهيئتين الإدارية والتعليمية والعاملين، القاطنين في نطاق البلدات أو القرى أو الأحياء المشمولة بقرار الإغلاق الصادر عن وزير الداخلية والبلديات، الانتقال إلى مراكز عملهم الواقعة خارج نطاق سكنهم طيلة فترة الإغلاق، ويعود لإدارة المدارس والثانويات التثبت من ذلك بالوسائل المتاحة”.
أحد المدراء أكد أن هذه القرارات عشوائية ودليل تخبط. فكيف لمدير المدرسة أن يؤمن أساتذة للتعويض عن أولئك الذين يشمل مناطقهم الإقفال؟ هل يأتي الطلاب إلى المدرسة بينما أساتذتهم ممنوعين من الحضور؟ وهل يقضي الطلاب هذه الساعات في ملعب المدرسة؟ وقبل هذا كله، هل إفادة السكن التي يقدمها الطلاب تثبت فعلياً مكان سكنهم؟ فالعديد من الطلاب يأتون بإفادة سكن من أي مختار عادة للتسجيل، بينما فعلياً ربما يكون مكان سكنهم في منطقة قد تصف حمراء. فهل يعاقب الطالب في هذه الحالة؟
ويضف المدير: “طلبنا من الأساتذة أن يحضروا أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، لأن الوزارة لم تؤمن الأجهزة. وبمعزل عن عدم امتلاك كل الأساتذة أجهزة، كيف سنؤمن الأنترنت لعشرة أساتذة، بينما شبكة المدرسة بالكاد تكفي لخمسة أجهزة؟”.
ربع عام دراسي
هذا على المستوى اللوجستي. لكن المدراء والأساتذة فندوا قرار التعليم المدمج بأنه خطوة متسرعة لتقطيع الوقت. فالناظر إلى المنهاج من الخارج يظن أن الطلاب سيتعلمون 50 في المئة حضورياً و50 في المئة عن بعد. وقد تم تقليص المناهج إلى النصف للمضي بهذا العام الدراسي المدمج. وعملياً الجزء الحضوري هو نحو 80 بالمئة، والتعليم عن بعد نحو 20 في المئة، بسبب عدم توفر الإمكانات والمستلزمات. وحتى نسبة الـ 20 في المئة عن بعد لن تكون متوفرة، لأن برنامج التعليم الإلكتروني غير مفعل حتى الآن، في انتظار الحصول على الرخص المطلوبة من شركة مايكروسفت، والتي ستطول أقله حتى نهاية العام. لذا فأن توزيع الطلاب وفق مبدأ 50 في المئة حضوري و50 في المئة عن بعد، لا يعني أن الطلاب سيدرسون نصف عام دراسي بمناهج مقلصة للنصف فحسب، بل إن عدم توفر برنامج التعليم عن بعد سيعني تعلم الطلاب أقل من نصف العام الدراسي المقرر. وهذا من دون احتساب العطل غير المتوقعة وإقفال البلاد أو المناطق التي ستصنف حمراء. فمع قدوم فصل الشتاء يرتفع عدد إصابات كورونا والمدراس تشكل بيئة حاضنة للفيروس.
سيحاول الأساتذة والمدراء أن يفعلوا ما بوسعهم لعدم ضياع العام الدراسي على الطلاب، كما أكدوا. وسيتدبرون أمرهم وفق مقتضيات الوقائع التي ستطرأ عليهم. فهم يعتقدون أن خطط الوزارة التي وضعت على الورق أتت بتصورات وسيناريوهات متسرعة. لذا سيكون الأسبوعان الأولان مثابة دروس تثقيفية وإرشادية للطلاب حول كيفية سير الدروس، والاتفاق معهم على كيفية اتباع سبل الوقاية وطرق الحضور إلى المدرسة وكيفية الدخول إلى الصفوف. وذلك في انتظار تطورات واقع وباء كورونا في لبنان، الذي ربما يفرض إقفالاً شاملاً لجميع المدارس.
دعوة للوزير للتراجع
وفي سياق متصل بالاعتراض على فتح المدارس، دعا النائب وائل أبو فاعور وزير التربية إلى العودة عن قرار فتح المدارس. وقال في بيان: “عندما كانت نسبة الإصابات 8 بالمئة اخذت وزارة التربية قرارا باغلاق المدارس، عندما اصبحت النسبة 10 بالمئة قررت الوزارة فتح المدارس. واضح أن القرار تعوزه الفطنة والحكمة. أدعو وزير التربية إلى العودة عن قراره كي لا تتحول المدارس إلى سبب إضافي للأزمة الصحية المتمادية”.