انتصار الدنان
حكاياتُ البحرِ
زرعْنا في البحرِ
حكاياتِنا،
حملَنا بين أكفّه،
هاجرْنا.
وفي كلِّ شاطئٍ رسَت
آهاتُنا.
قفزَتِ الأمواجُ، تعالَتْ، صرخَتْ
وزمْجرَتْ.
ضاعتْ منّا رسائلُ الحبِّ
وحكاياتُنا.
ارتعشَتْ أحلامُنا، ويبسَتْ ياسميناتُنا
سُرِقت توابيتُنا،
وما زالتِ الشّياطينُ تطاردُنا،
قتلونا آلافَ المرّات.
سلبُوا منّا الحياةَ.
صدحَتْ أصواتُ البلابلِ في آذار،
وأعادَ الرّبيعُ الزّغاليلَ
تغرّدُ للحياة،
ونامَتْ بلابلُنا بهدوءٍ.
عيناك
وأنا بيْن ذراعيْكَ،
هبّاتٌ من نسيمٍ
راحت تداعبُ روحي،
هي أنفاسُكَ.
هدْهدَني المطرُ بزخّاتٍ،
راحت تنقرُ بابَ مخدعي
بأناملِها الخفيّة،
فصِرْتُ مرْجًا
من ألوانٍ ربيعيّة.
لم تطلْ ساعاتُ اللّيلِ،
ولم أشعرْ بمعاركهِ الطّبيعيّةِ.
كنْتُ كأنّي سفينةٌ
تطفو على وجهِ الماءِ،
تترنّحُ من سُكْرٍ.
هي عيناكَ
صاغتْ لي من قطراتِها
سياجًا من مطرْ.
همْسٌ
استيقظَ صباحي على أنفاسِكَ،
تأتيني من زمنٍ مزدحمٍ
بالصّراخِ والعويلِ.
كُنْتُ كزهرةٍ برّيّةٍ
ترشّ نداها
فوقَ أمواجِ البحرِ
أترنّم بموسيقاه،
هو قلبك.
في هذا العالمِ المملوءِ باللّاشيءِ
كنْتَ أنتَ.
كانتِ الرّيحُ تبدّدُ أحلامي،
تتساقطُ مرّاتٍ، وتنهزمُ أخرى
وتبدّدُ بقايا روحي.
في هذا العالمِ المملوءِ بالخوفِ،
صرْتَ أنتَ
سكينتي في وحدتي.
كُنْتُ أسيرُ خلْفَ الشّمْسِ
مئاتَ المرّات،
لم أكن أرى النّورَ.
همَسَ قلبُكَ في أُذْني،
صارَ العُمُرُ بيْن يديْك.
ساعةُ مللٍ
في ساعةِ مللٍ،
قالت له
“مللْتُ أحاديثَك عن النّساءِ اللّاتي عرفتَهنّ في حياتكَ،
رائحتَهنّ،
غنجَهُنّ،
ضحكاتِهُنّ،
فساتينَهنّ،
ومللْتُ كلَّ حكياتِكَ”.
إنّ النّساءَ يا عزيزي لا يتشابهْنَ،
كلّ ما في الأمرِ
أنّك لم تختبرْ سرّهنّ،
ولم تستطعْ أن تفهمَ الاختلافَ بينهنّ.
رائحةُ تبغك بدأتْ تطبقُ على صدري،
صارت أنفاسُكَ ملأى بالحنينِ إلى أولئك النّساء.
عيناك تلتمعان فرحًا عندما تقول
“إنّ النّساءَ كالمدنِ”.
إنّ النّساء لا يُشبهْنَ المدنَ،
المُدنُ يغزوها الرّجالُ،
وتتغيّرُ معالمُها.
فهذه أندلسُ،
حضارتُها عظمَت،
عندما فتحها طارق بن زياد،
ودخلها عبد الرّحمن،
وحكمها العربُ ثمانيةَ قرونٍ،
ثمّ ما لبث أن استردها الإسبان،
وأعادُوا تشكيلَها من جديد،
أمّا النّساءُ لا يغزوها إلّا رجالُها،
فهنّ لا يتساقطْن،
ولا يهويْن.
في ساعةِ مللٍ
قالت له:” لم أعدْ أرغبُ سماعَ أخبارِ حبيباتِكَ
وماضيكَ الرّتيب”.
وبعيدًا منّي،
اِبحثْ عن عطرٍ لنساءٍ أخريات،
فمدينتي ليست من حجارةٍ صمّاء،
ولا من أرصفةٍ سوداء،
ولا من أعشابٍ صفراء،
ولا من من مياه البحر والتّراب،
ولا من زرقةِ السّماء.
إنّ مدينتي يا سيّدي،
هي من عشِقتْ فيك
ذاكَ الطّفلَ الّذي وحدَه يمتلكُ الماء.
المصدر: ضفة ثالثة