ندى عبد الرزاق – الديار
تُعَدُّ القنابل الفوسفورية من أخطر المعدات الحربية المستخدمة في النزاعات المسلحة، حيث تُسَبِّبُ دمارا واسع النطاق، ويتعدى تأثيرها الأضرار المباشرة التي تلحق بالكائنات الحية، لتشمل التربة الزراعية والأشياء الجامدة.
كيميائيا، تتكون هذه المتفجرات من الفوسفور الأبيض، وهو عنصر شديد السميّة يتفاعل مع الهواء محدثا حرائق وانبعاث دخان سام. وتؤدي هذه التفاعلات إلى تأثير كارثي في المحاصيل الزراعية، فتسمم النباتات وتلوث التربة بمستويات عالية من السموم، مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري، ويضعف قدرتها على دعم الزراعة في المستقبل. علاوة على ذلك، قد تبقى هذه الارض غير صالحة للغرس لسنوات طويلة، نتيجة لتراكم السموم فيها.
التربة ملوثة… ماذا عن المحاصيل؟
يؤكد دكتور متخصص في مجال الكيمياء من الجامعة اللبنانية أن “استهلاك المحاصيل المزروعة في المناطق المتضررة من القنابل الفوسفورية يشكل تهديدا صحيا خطرا، نظراً للمواد الكيميائية السامة التي قد تتراكم في النباتات وتسبب أمراضا مميتة”. وقال لـ “الديار”: “من الضروري أن تتخذ الجهات المختصة إجراءات عاجلة تشمل تقييم مدى التلوث، وإزالة التربة المنجّسة، وحظر الزراعة في المناطق المتضررة حتى التأكد من إزالة الملوثات وضمان سلامة البيئة”.
وأشار إلى “أن القنابل الفوسفورية تُعتبر من أخطر الأسلحة في الصراعات العسكرية، حيث يتجاوز تأثيرها الدمار المباشر ليشمل البيئة والتربة الزراعية. لذلك ينتج من التفاعل بين الفوسفور الأبيض والهواء حرائق وانبعاثات دخان سام، مما يدنّس النباتات ويجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري”. وشدد على “أن التربة التي تُقصف بالفوسفور الأبيض تصبح ملطخة بمستويات عالية من السموم، مما يضعف قدرتها على دعم الزراعة حتى بعد فترة طويلة من تعرضها”.
الأرقام “مرعبة”
من جانبها، قالت مصادر في وزارة الزراعة لـ “الديار”: “حتى اليوم، لا يمكن حسم الخيارات العلمية المتعلقة بالتربة المستهدفة، إلا من خلال الفحوصات المخبرية، لان عملية الحصول على عينات من المناطق الحدودية تواجه صعوبات جمّة بسبب الضربات المستمرة”.
وأضافت المصادر: “لقد تخطّى عدد الاستهدافات بالفوسفور الـ 1000 استهداف، مما أثر بشكل كبير في البيئة الزراعية، حيث تضررت نحو 60 ألف شجرة زيتون. كما بلغت المساحات التي استُهدفت حتى اليوم حوالى 7,000 دونم، بينما تجاوزت المساحات المحروقة بالكامل الـ 2,800 دونم”. وختمت المصادر “تُعَد الأرقام والنسب المقدمة تقريبية بنسبة تصل إلى 80%”.
الغارات “الإسرائيلية”… افسدت الغلل!
وأوضح مختار منطقة الجبين جعفر عقيل لـ “الديار” ان “الضرر الذي ألحقته الحرب عموما والقنابل الفوسفورية خصوصا، بمحصول الزيتون في المناطق الحدودية الجنوبية كان جسيما، حيث دمرت القنابل الموسم بالكامل”. ولفت الى “أن الغارات الجوية تسببت بإتلاف المساحات المزروعة، مما انعكس سلبا على الإنتاج الزراعي في المنطقة”.
وختم “يبدأ موسم “تحويش” الزيتون في البلدات الجنوبية من شهر أيلول الى شهر تشرين الثاني، لكن قوة الغارات التي استهدفت الحقول المزروعة أدت الى تدمير الأشجار بالكامل، مما اباد ارزاق الناس تماما ولم يترك ما يمكن جنيه “الشجر طار من ارضه”.
الزيتون وزيت الزيتون تراث ثقافي وجودة عالمية
من جهته، قال الخبير الزراعي يحيى لـ “الديار” يُعَرَفُ الزيتون وزيت الزيتون اللبنانيان “بسمعة رفيعة على الصعيد العالمي، حيث يشكلان جزءا جوهريا من التراث الثقافي والاقتصادي للبلد، اذ تسهم الظروف المناخية المثالية والتربة الخصبة في جنوب وشمال لبنان في تحسين جودة الزيتون، مما يميز هاتين المنطقتين بإنتاج زيت زيتون ذي فخامة فائقة”.
وقال: “يتميز الزيتون اللبناني بحجمه الكبير وطعمه الغني المركز، بفضل بعض الأنواع التي تُنتِج زيتا يحتوي على مقادير مرتفعة من المواد المضادة للأكسدة والأحماض الدهنية الصحية، مثل حمض الأوليك، مما يعزز فوائده الصحية. كما ويُعرف بمذاقه الفريد والمتنوع، الذي يتراوح بين نكهات فاكهية خفيفة إلى نكهات قوية، اعتمادا على نوعية الزيتون ومنطقة زراعته. ويُستخدم هذا الزيت في العديد من الوصفات التقليدية ويُعتبر عنصرا أساسيا في المطبخ اللبناني”.
وتطرق الى الصناعات اللبنانية القائمة على الزيتون، والتي تشمل:
1- إنتاج زيت الزيتون: تشكل هذه الصناعة حجر الزاوية للعديد من المناطق الريفية في لبنان، حيث يتم استخراج الزيت بوسائل حديثة لضمان أعلى جودة، كما يتفرد بسمعته العالمية، مما يسهم في تصديره إلى الأسواق الدولية.
2- الصابون التقليدي: يُستغل ايضا في تصنيع الصابون البلدي، وهو منتج طبيعي يتميز بفعاليته الكبيرة في العناية بالبشرة ويُعرف بنقائه وجودته العالية.
3- المنتجات الثانوية: من بين النواتج التي تبقى بعد استخراج الزيت، مكون يسمّى “زيبار الزيتون” أو “الجفت”، الذي يستعمل تقليديا كوقود للتدفئة خلال فصل الشتاء. ويتميز باحتوائه على كميات كبيرة من الزيت، مما يجعله آمنا ويحترق ببطء ويولد حرارة كبيرة، ليصبح بذلك مصدرا فعالًا للطاقة في المناطق الريفية.
4.- الحرف اليدوية: يُوظّف خشب الزيتون، الذي يتم الحصول عليه من الأشجار القديمة، في تصنيع الحرف اليدوية والأثاث الفريد، ويتفوق بصلابته ونقوشه الجمالية، كما يدخل في صناعة الملاعق والأواني والتحف الفنية.
وختم: “تعد الصناعات التي تعتمد على على الزيتون جزءا مهما من التراث الثقافي اللبناني، حيث تساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل للأسر الريفية، مما يعزز الهوية الثقافية المحلية. لكن الحرب الحالية دمرت الحجر والبشر والخسائر جسيمة لذلك ندعو الله ان يعوض على أهلنا الصامدين في الجنوب