المماطلة هي سيدة الموقف، فلا نتائج إيجابية من المفاوضات التي مددها الأميركي من الدوحة الى القاهرة لإعطاء إسرائيل مزيدا من الفرص في غزة علها تستطيع تحقيق أي إنجاز، وللحؤول دون قيام إيران وحزب الله بالرد المنتظر على إغتيال الشهيدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، والذي دخل كعامل جديد ضاغط على خط الحرب.
لو كانت أميركا تريد جديا وقف إطلاق النار في غزة لفعلت وأوقفت دعمها لإسرائيل وأجبرتها على ذلك، لكنها ما تزال تعتمد مبدأ النصيحة لإسرائيل مقدمة مصالحها على كل ما عداها، علما أن من يريد وقف إطلاق النار لا يرسل البوارج وحاملات الطائرات ويعقد صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة عشرين مليار دولار، ويقدم لها الصواريخ المدمرة.
وفي الوقت نفسه تخوض أميركا إنتخاباتها الرئاسية على دماء الفلسطينيين، ويستثمر كل فريق فيها إرضاء للوبي الصهيوني، وهي أي أميركا لا تختلف في أهدافها عن إسرائيل لجهة الحفاظ على الكيان والحفاظ على ماء وجهه وإنهاء حركة المقاومة في المنطقة لإراحة إسرائيل تمهيدا لتحويلها الى دولة طبيعية في المنطقة مطبّعة مع من حولها من الدول.
لذلك، تبدو هذه المفاوضات حتى الآن عبارة عن “طبخة بحص” لا طائل منها، ولن تؤدي الى أية حلول، خصوصا أن إسرائيل ما تزال تفتش عن صورة إنتصار تلافيا لوقف إطلاق نار يعلن هزيمتها التاريخية ويضاعف من الأزمات الداخلية المتشعبة والانقسامات السياسية فيها.
ولا شك في أن إسرائيل التي تسارع الى إحباط أي محاولة لإنضاج صفقة التبادل، بارتكاب المجازر والانقلاب على الطروحات والاقتراحات، وبتوسيع دائرة الحرب على محور المقاومة، تسعى لإستدراج أميركا الى حرب في المنطقة تتهيبها أولا بسبب الاستحقاق الرئاسي الأميركي الداهم، وثانيا خوفا على مصالحها وقواعدها العسكرية، وثالثا للحفاظ على أرواح الأسرى الاسرائيليين.
تتمسك حركة المقاومة الإسلامية حماس بورقة الأسرى بكل ما أوتيت من قوة، كونها تشكل الخرطوشة الأخيرة لديها والتي لن تطلقها الا مع ضمان تنفيذ شروطها التي تتناسب مع الورقة التي وافقت عليها في الثاني من تموز الفائت والتي أهملها الاسرائيلي بالرغم من تأكيد الوسطاء موافقته عليها وسارع بعدها الى إستهداف بيروت ودمشق والعراق والحديدة في اليمن، وإرتكب المجازر في غزة ونفذ إقتحامات في الضفة وكل ذلك تحت أعين أميركا ورئيسها جو بايدن الذي ذهب خطابه آنذاك أدراج الرياح.
اليوم، وبالرغم من تصريحات بايدن ذات الطابع الايجابي، لا يبدو أن وقف إطلاق النار المنشود سيبصر النور، لأن العبرة هي في التنفيذ وليس في التصريح، ولأن القرار يحتاج الى ضغط حقيقي وليس الى محاباة ونصائح لنتنياهو الذي يريد كسب الوقت للبقاء في الحكم.
في غضون ذلك، تبدو المقاومة بكل فصائلها وجبهاتها مدركة لكل ما يحصل من حولها، وتخوض معركة عقول وأدمغة وبذكاء مطلق، وتتعاطى بكثير من الحكمة والتعقل، فهي لا تريد إعطاء نتنياهو ما يريد لجهة إندلاع الحرب المفتوحة التي تعزز وضعه في داخل الكيان، وتريد في الوقت نفسه الحفاظ على ورقة الأسرى، وإستمرار عملياتها العسكرية التي تستنزف العدو خصوصا أنه لم يعد لديها ما تخسره في قطاع غزة، فضلا عن التمسك بالرد المنتظر من إيران وحزب الله والذي تخشاه إسرائيل وأميركا معا..
إذا، هي مرحلة عضّ أصابع للعدو الاسرائيلي، الذي يواجه شتى أنواع الأزمات، ويطالبه مجتمعه بإستعادة الأسرى بصفقة تبادل تنهي الحرب، ويضغط مسؤولوه على نتنياهو لوقف اللعب بمصير إسرائيل، فيما الانهيارات في داخل الكيان تتوالى إجتماعيا وإقتصاديا وسياحيا، الأمر الذي يجعل تسليم نتنياهو بالأمر الواقع والرضوخ لصفقة التبادل مسألة وقت، وإلا فإن مخاوف قيادة الجيش الاسرائيلي التي وصلت الى الحكومة عبر كتب رسمية ستتحقق وهي الانهيار أمام حرب الاستنزاف..
غسان ريفي – سفير الشمال