جاء في الجمهورية
ما هو أقبح من إجراءات السلطة الفاشلة والبلا اي معنى التي اتخذتها لاحتواء فيروس “كورونا” منذ بدء تفشيه، هو تحذيراتها من انّ لبنان يوشك ان يقترب من النموذج الايطالي أو الاسباني او أي نموذج لأيّ دولة هزمها الفيروس، متجاهلة النموذج اللبناني، الذي اعطى مثالاً لكل العالم بأنّه الأسوأ بكل المعايير، والاكثر تخلّفاً على وجه الكرة الارضية، إن من حيث اجراءات السلطة القاصرة على اللحاق بالوباء، او من حيث استهتار المواطنين.
لم يعدْ السكوت جائزاً على الإطلاق، على هذا التخبّط المفجع الذي يحكم السلطة، وظيفتها فقط أن تنذر بالشؤم والقول انّ لبنان يوشك على بلوغ الخط الاحمر، فيما الحقيقة انّ هذا اللبنان تجاوز الخط الاحمر فعلاً، وامكانية احتواء الفيروس صارت مستحيلة في ظلّ ما هو متبع من اجراءات عشوائية، لا بل اجراءات إسميّة لا اكثر.
إجراءات ملزمة!
الإجراء البديهي في ظلّ هذا الخطر، هو ان تبادر السلطة الى التعاطي معه بحجمه، والمسارعة الى اجراءات باتت اكثر من ملحّة، حتى ولو كانت موجعة وارغامية لكلّ مواطن، او بمعنى ادق، لكل مستهتر شريك في تفشي هذا الوباء. فهل تدرك السلطة، انّ في الدول التي تحترم نفسها لا يجرؤ المواطن على مخالفة اجراءات الوقاية، واولها الزامية ارتداء الكمامة؟
الارقام غير صحيحة
الفيروس يوشك أن يجتاح كل بيت، وصار على السلطة أن تدرك أنّ تحويل البلد الى حقل تجارب لإجراءات متسرّعة او بالاحرى سطحية او ارتجالية، لم ينتج منها سوى مفاقمة الانتشار، وتسريع وتيرة العدادات التي لن يمضي وقت طويل، مع استمرار هذا المنوال، لتسجّل يومياً آلاف الاصابات، والكل يعلم انّ الارقام التي تعلنها وزارة الصحة يومياً ليست هي الارقام الصحيحة، بل انّ الارقام اليومية مخيفة لا بل مريعة.
الإجراء البديهي، هو المسارعة الى قرار جريء بالإقفال التام، على رغم من كلفته، إن كان هذا هو السبيل الوحيد لرد الخطر، وليس عبر اقفال جزئي او استنسابي لشارع هنا أو حيّ هناك او بلدة هنالك، فيما الشارع المجاور او الحي او البلدة الاخرى مستثناة من هذا الاقفال، وكأنّ هناك شارعاً نظيفاً وشارعاً موبوءاً، وهو ما دلّت عليه بصورة فاضحة اجراءات الاقفال الاخيرة!
والأهم من كل ذلك، هو التشدّد الى الحدّ الاقصى على المعابر الحدودية، وإن اقتضى الامر اقفالها، وكذلك الامر بالنسبة الى المطار، وشموله إن اقتضى الامر ايضاً بالاقفال، على جاري ما تقوم به دول العالم الحريصة على اهلها. فبشهادة كثيرين قادمين عبر المطار، فإنّ ما يُقال عن تشدّد ما هو الاّ كلام اعلامي، وكثير من القادمين لا يخضعون للفحوصات المطلوبة، رغم أنّ بعضهم قد يكون حاملاً الفيروس وينقله الى مخالطيه!
”النفخة الفارغة”
وكما انّه لم يعد السكوت جائزاً على السلطة واجراءاتها الوهمية، كذلك لا يمكن السكوت على الاطلاق على تلك ”النفخة الفارغة” لدى اكثرية اللبنانيين، وهي مرض أسوأ من الوباء نفسه، اخطر عوارضه الغباء والتعالي على ”كورونا”، والاصرار على ارتكاب الجريمة بحق نفسه ومجتمعه، دون اي تقدير لخطر ما يقترفه الذي لا يتأتى منه سوى الوجع ولا ينفع معه الندم، ودون ان ينتبه الى أنّ الخطر الاكبر صار على الابواب؛ الامن الصحي يوشك ان ينهار، الدواء شبه مفقود، ولصوص التخزين بدأت بسحبه من الصيدليات، ويُقاد البلد الى حالة افلاس دوائي، والى بازار المتاجرة بالدواء وارتفاع اسعاره الى مستويات خيالية لن يكون في مقدور المواطن، اي مواطن، ان يلحق بها.
تبقى كلمة أخيرة برسم كل مواطن: إن لم يرد المواطن المستهتر ان يرحم نفسه فليرحم غيره على الاقل! اما آن الاوان بعد لكي يعي اصحاب العقول المهترئة أي جريمة يرتكبون؟ أما آن لهم ان يعوا أنّ ابسط سبل المواجهة والحماية هي اعتماد الإجراءات الوقائية البديهية وابسطها واكثرها فعالية في آن معاً، هي الالتزام بالكمامة والتباعد وعدم الاختلاط؟
اسبوع الاستحقاقين
سياسياً، لعلّها من المرّات القليلة التي يطلّ فيها على استحقاقين خلال يومين متتالييَن؛ انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبريّة مع العدو الاسرائيلي غداً الاربعاء، والإستشارات النيابيّة الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة بعد غد الخميس. وعلى هذين الاستحقاقين تترتّب آثار مباشرة على مجمل المشهد اللبناني حاضراً ومستقبلاً، لارتباط ترسيم الحدود باستقرار اقتصادي موعود ولو مستقبلاً، واستفادة لبنان من ثرواته الغازية والنفطية، ولارتباط استشارات التكليف بالاستقرار السياسي الآني، واعادة ضبط الواقع الداخلي على حكومة جديدة ممنوحة سلفاً فرصة انقاذية محصّنة بالمبادرة الفرنسيّة ومن خلفها المجتمع الدولي.
مما لا شك فيه، أنّ كلا الاستحقاقين حاجة ملحّة للبنان، الذي لا يملك خياراً في مواجهتهما، سوى أن يتجاوزهما بما تقتضيه مصلحة هذا البلد، وفوق كل الاعتبارات والحسابات والحساسيات.
اربعاء الترسيم
وتبعاً لذلك، فإنّ لبنان أمام اسبوع حاسم، خصوصاً وأنّه صار مربوطاً فيه بعدّادين تنازليّين:
العدّ الأول، لدخول السلطة السياسية الى الإختبار الصّعب في “أربعاء الترسيم”، بالحدّ الاعلى من الجهوزية، لخوض معركة تثبيت الحدود البحرية والبرية مع العدو الاسرائيلي، ولعلّ سلاحها الفعّال، ليس فقط التأكيد على حق لبنان بكامل مياهه وترابه، بل أن تحصّن نفسها بكلّ أدوات تفكيك المكائد والكمائن والألغام والعبوات التي قد يزرعها العدو في طريق المفاوض اللبناني، ومحاولة صدّ اي محاولة تحايل، يُقدم عليها العدو، لحرف اتفاق اطار مفاوضات ترسيم الحدود عن مساره المحدّد، وتوجيه الامور في اتجاهات اخرى، تتجاوز هذا الاتفاق، الى ما يمكن ان يخدم مصلحة العدو على حساب الحق اللبناني.
في المعلومات حول هذا الموضوع، فإنّ التحضيرات قد أُنجزت لإقامة احتفاليّة في مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة، لانطلاق مفاوضات الترسيم بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي برعاية الامم المتحدة وحضور مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد شينكر، والسفير جون ديروشر، الذي سيكون الوسيط الاميركي لهذه المفاوضات.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الاميركية، انّ “شينكر سيشارك في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات حول الحدود البحرية بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية التي يستضيفها منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان يان كوبيتش”. وكشفت الوزارة، أنّ “السفير جون ديروشر سينضمّ إلى شينكر وهو سيكون الوسيط الأميركي في هذه المفاوضات”.
وذكّرت الوزارة بما كانت أعلنته سابقاً “من أنّ الاتفاقية الإطارية لبدء المناقشات حول الحدود البحرية تُعتبر خطوة حيوية للمضي قدماً، وتوفّر إمكانية تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن والازدهار للمواطنين اللبنانيين والإسرائيليين على حدّ سواء”.
وفي هذا الاطار، اعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية تشكيل الوفد اللبناني الى التفاوض التقني لترسيم الحدود الجنوبية. وتألف من العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط، الخبير نجيب مسيحي، اعضاء. وعلمت “الجمهورية”، انّ عون سيجتمع مع اعضاء الوفد المفاوض اليوم.
واللافت في هذا السياق، الكتاب الذي وجّهه الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة حول تشكيل الوفد اللبناني الى التفاوض التقني لترسيم الحدود، اشار فيه الى “انّ التفاوض والتكليف بالتفاوض بشأن ترسيم الحدود يكون باتفاق مشترك بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، مشيراً الى انّ اي منحى مغايراً يشكّل مخالفة واضحة وصريحة لنص الدستور”.
بعبدا ترفض التعليق
وفي الوقت الذي رفضت فيه دوائر القصر الجمهوري التعليق على مضمون كتاب مكية، لفتت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”، “انّ ما لفت اليه الكتاب لم تصل اليه الامور بعد. فعملية تشكيل الوفد العسكري والتقني لا تتصل بعد بمضمون المادة 52 من الدستور التي استند اليها الكتاب، للانتقال الى مرحلة الاتفاق الذي يجب ان يقوم مع رئيس الحكومة.
فالمادة المذكورة يبدأ تطبيقها عند الوصول الى تفاهم ليُصار الى التنسيق بشأنها مع رئيس الحكومة، وان مهمة تشكيل الوفد لا تتصل بمضمونها”.
ويأتي تشكيل الوفد اللبناني المفاوض، بعد أيام من اعلان إسرائيل عن تشكيل وفدها الذي دمجت فيه سياسيين وعسكريين، حيث يضم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش الاسرائيلي.
وكان الوفد اللبناني قد زُوِّد بتوجيهات أساسيّة لانطلاق عملية التفاوض، لعلّ اهمها رفض الدخول في أي موضوع سياسي، وحصر التفاوض بالجانب التقني لا غير، وعلى أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة أقصى الجنوب برّاً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خطّ الوسط، دونَ احتسابِ أيّ تأثيرٍ للجزرِ الفلسطينية.
وخلافاً لما اعلنه وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتز، بأنّ المفاوضات ستكون مباشرة، اكّد الجانب اللبناني انّه لن تحصل اي مفاوضات مباشرة، وان كان الجميع سيجلسون في غرفة واحدة، بل انّ التفاوض سيتمّ عبر ممثل الامم المتحدة.
ومعلوم هنا، انّ النزاع بين لبنان واسرائيل يدور حول المنطقة البحرية البالغة مساحتها 860 كيلومتراً، والمعروفة بالبلوك رقم 9 الغني بالنفط والغاز.
خميس الاستشارات
واما العدّ الثاني، فهو لحسن مقاربة الطاقم السياسي للملف الحكومي، والتأسيس في “خميس الاستشارات” لخواتيم مريحة تحسم تكليف رئيس الحكومة الجديدة، وتخرج استحقاق تأليفها من دائرة التعقيدات والتجاذبات والموانع التي تحول دون اتمامه.
واذا كانت طريق هذا الاستحقاق تبدو مزروعة بالنيات الحسنة، تبعاً للمواقف العلنيّة التي يبديها السياسيون، والتي تركّز في مجملها على الحاجة الملحّة الى حكومة تشرع فوراً في الخطوات الاصلاحيّة والإنقاذيّة للبلد، إلّا أنّ مصادر معنية بالملف الحكومي أكّدت لـ”الجمهورية”، أنّ “النيات تبدو حسنة، الّا أنّ التجارب السابقة مع الطاقم السياسي نفسه، لا تشجّع على المجازفة في اعتبار تلك النيات حسنة بالفعل، بل أنّها توجب إبقاء الحذر منها قائماً حتى يثبت ذلك بالملموس، وخصوصاً أنّ الاستحقاقات المشابهة كانت تبدأ بنيات حسنة، إلّا انّها سرعان ما كانت تتعثّر بأوراق مستورة، وبدخول الشياطين في كلّ التفاصيل، وتعيد الأمور الى مربّع التجاذب والإشتباك السياسي”.
وبحسب هذه المصادر، فإنّ “إثبات حسن النية هذا، المقرون بالرغبة في تشكيل حكومة في غضون ايام قليلة، يفترض أن يتبدّى في المشاورات التي شرع فيها الرئيس سعد الحريري، في اجرائها مع القوى السياسيّة من موقعه كمرشّح وحيد لرئاسة الحكومة، للوقوف على موقفها النهائي من المبادرة الفرنسية ومدى التزامها ببرنامجها الاصلاحي، وبالتالي يُترجم في استشارات التكليف بعد غد الخميس”.
غيوم مائلة للبياض
الواضح في هذا المستجد، هو أنّ مشاورات الحريري عكست تحوّلاً من اجواء رمادية سبقتها، الى “غيوم مائلة الى البياض” بعدها، وخصوصاً انّ أجواء الاطراف التي شاورها الحريري في الساعات الماضية لم تعكس سلبيّات، بل تحدثت عن نقاش منفتح ومسؤول واستعداد للتعاون والتسهيل.
وقال مطلعون على اجواء المشاورات لـ”الجمهورية”، “لقد اتسم النقاش بالهدوء والصراحة والقراءة المشتركة للواقع الرديء الذي بلغه حال البلد، ولم يخرج عن سياق المتوقع، ولاسيما لناحية الإصلاحات” التي يفترض أن تطبّقها الحكومة الجديدة.
وبحسب هؤلاء المطلعين، فإنّ الحريري لم يسمع ممن التقاهم اي موقف اعتراضي على ترؤسه للحكومة، بل على العكس، كان تأكيد على الحاجة الى علاجات فورية توقف النزف القائم وتكبح اندفاعته المتسارعة نحو الانهيار، والطريق الى ذلك يتمّ عبر تشكيل حكومة في وقت سريع جداً، وعدم تكرار مراحل تضييع الوقت الذي يُسرق من عمر البلد ويطيل أمد الازمة، مع التشديد على تقديم كل التسهيلات بما يفضي الى الولادة الحكومية السريعة.
ويشير هؤلاء، الى أنّ هذا المسار، اذا ما استمر على الخط الايجابي الذي يسلكه، فنتيجة ذلك ستتبدّى اولاً في الاستشارات الملزمة الخميس، بتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، على أن يليها تشكيل الحكومة ضمن مهلة لا تتعدّى اياماً قليلة، الّا اذا برزت في الطريق ما يخشى منها معنيون بالملف الحكومي، من عمليات تشاطر من بعض الاطراف، تُدخل هذا الملف في بازار التسميات وتقاسم الوزارات، على غرار ما كان يجري في تشكيل الحكومات السابقة.
في بعبدا
وكان الرئيس الحريري زار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري قبل ظهر أمس. وبحسب المعلومات الرسمية، فإنّ عون اكّد للحريري “وجوب تشكيل حكومة جديدة بالسرعة الممكنة، لانّ الأوضاع لم تعد تحتمل مزيداً من التردّي، وشدّد على ضرورة التمسّك بالمبادرة الفرنسية”.
اما الحريري، فقد أكّد بعد لقائه عون أنّه “مقتنع بأنّ مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هي الفرصة الوحيدة والأخيرة الباقية لبلدنا لوقف الإنهيار وإعادة إعمار بيروت”، لافتاً الى انّ “الجميع يُدرك هذا الأمر ويعرف أنّ لا وقت لدينا لإضاعته على المهاترات السياسية”.
وقال الحريري، انّه ابلغ رئيس الجمهورية بأنّه سيرسل وفداً للتواصل مع جميع الكتل السياسية، للتأكّد بأنّها ملتزمة بكل بنود المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس ماكرون.
واشار، الى انّه “يعتمد على وعي الأفرقاء السياسيين، ومواقفي تتطابق مع مواقف الرئيس عون، وهذا يشجعني على المضي قدماً بهذه المبادرة”، وقال: “هذه المبادرة الفرنسية قائمة على تشكيل حكومة اختصاصيين لا ينتمون للأحزاب، تقوم بإصلاحات محدّدة بجدول زمني محدّد، لا يتعدّى أشهراً معدودة”.
واضاف: “من المهم أن نكرّر، أنّ عدم وجود أحزاب في الحكومة هو لأشهر معدودة فقط، أي أننا كأحزاب لن نموت، ولتنفيذ اصلاحات اقتصادية مالية وادارية فقط لا غير، والجميع يعرفون السبب، وهو أنّ جميع الحكومات التي شُكّلت على الاسس التقليدية لتمثيل الاحزاب، فشلت بالإصلاحات، وأوصلتنا وأوصلت البلد الى الانهيار الكبير الذي نعيشه اليوم”.
واوضح، أنّ “الاصلاحات وجدولها الزمني محدّدة ومفصّلة بورقة قصر الصنوبر، التي هي بمثابة بيان وزاري للحكومة الجديدة. تشكيل مثل هذه الحكومة والقيام بهذه الاصلاحات يسمحان للرئيس ماكرون، حسبما تعهّد امامنا جميعاً، بتجييش المجتمع الدولي للاستثمار في لبنان، وتوفير التمويل الخارجي للبنان، وهي الطريقة الوحيدة لوقف الانهيار الرهيب الذي نعاني منه جميعنا، كبلد وكدولة وكمواطنين”.
ماذا في اللقاء؟
وقالت مصادر واكبت لقاء عون والحريري لـ”الجمهورية”، انّ “الحريري شرح الدوافع التي قادته الى هذه المبادرة من اجل تشكيل الحكومة، مشدّداً على حكومة اختصاصيين خارج الانتماء الحزبي، تجري اصلاحات بنيوية وادارية ونقدية ومالية”. وقال: “انّ المبادرة الفرنسية هي المبادرة الدولية الاهم، والتي قد لا تليها اي مبادرة اخرى بهذا الحجم، وتحظى بالدعم الذي لن يتوفر لمثلها من قبل ولا في المستقبل القريب ان بقي الوضع متردياً على ما هو عليه”.
وأضافت المصادر، انّ الرئيس عون اكّد خلال اللقاء انّه على تمسّكه بالمبادرة الفرنسية، وخصوصاً تلك التي تحدثت بعد الاستحقاق الحكومي عن الاصلاحات المطلوبة في مختلف القطاعات، ولا سيما لجهة مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي وما هو مطلوب القيام به في قطاعات الكهرباء والانماء.
وبحسب المصادر، فقد ظهر اجماع بين عون والحريري على هذا الملف، بالإضافة الى الحاجة الماسة للإسراع في تشكيل الحكومة. فكل يوم تتقدّم فيه الاستعدادات لهذه الغاية سيسجّل يوماً من الربح للوطن من اجل استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها. وعلمت “الجمهورية”، انّ البحث لم يتناول ابداً لا شكل الحكومة ولا حجمها ولا اي تفصيل يتصل بتوزيعة الحقائب او اي جانب من جوانب التشكيلة الحكومية.
واشارت المصادر، الى انّ عون والحريري تناولا مختلف التطورات، ولا سيما تلك المتصلة بالتحقيقات حول انفجار المرفأ والوضع النقدي والاقتصادي والتداعيات التي تركتها جائحة كورونا وضرورة مواجهتها وتوفير مقوماتها الطبية والاستشفائية الضرورية، للحدّ من انتشارها وتطويقها. كما تناول البحث ما شهدته عملية استئناف العام الدراسي والبلبلة التي احدثتها عمليات الاغلاق التي اعاقت وصول الطلاب والاساتذة والاداريين الى البعض منها، وصولاً الى الموسم الدراسي.
على صعيد آخر، تمّ الاتفاق على ان تقوم الوفود التي كلّفها الرئيس الحريري بجولتها على رؤساء الكتل النيابية الاساسية التي شاركت في لقاء قصر الصنوبر، على ان يعود الرئيس الحريري بالنتائج الى قصر بعبدا للتشاور ورئيس الجمهورية. (يشار الى انّ الوفد برئاسة النائبة بهية الحريري وعضوية النائبين سمير الجسر وهادي حبيش، وسيلتقي نهاراً رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وبعده حزب الطاشناق، ومساء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع).
وقد عبّرت مصادر بعبدا عن ارتياحها للاجواء التي اوحى بها الحريري، ولا سيما لجهة ادراكه لحجم الاستحقاق وخطورة الاوضاع القائمة وكيفية التخفيف من نتائجها السلبية على اكثر من صعيد، والتي لا تتناسب وترف الانتظار والتمهل، في ما يمكن اتخاذه من خطوات واجبة للحصول الى صيغة ترضي الجميع. وما يزيد من الاطمئنان، انّ الحريري اوحى بالتعاطي بسلاسة تامة مع مختلف الأطراف.
في عين التينة
وفي السادسة مساء امس، زار الحريري رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر رئاسة المجلس في عين التينة.
استمر اللقاء ساعة، اعلن على إثرها الحريري: “ناقشت والرئيس بري ورقة الاصلاحات الواردة ضمن المبادرة الفرنسية، والرئيس بري كان واضحاً بموافقة وايجابيات تجاهها وهذا أمر مطمئن”.
وأضاف: “وفد من قبلي سيقوم غداً (اليوم) بجولة استشارات للاطلاع على مواقف الكتل، لا سيما تلك التي كانت في لقاء قصر الصنوبر، وعليه يُبنى على الشيء مقتضاه”.
اما الرئيس بري فقال: “أبلغنا الرئيس الحريري اننا ايجابيون ازاء المبادرة الفرنسية، كما كنا ولا نزال”.
رؤساء الحكومات
وكان رؤساء الحكومات السابقون الحريري، ونجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة قد اجتمعوا ليل امس الاول في بيت الوسط.
وبحسب اجواء المجتمعين، فإنّ الجو كان ايجابياً جداً، ورؤساء الحكومات يقفون خلف الحريري في ما هو بصدده، وتمّ ابلاغه بأنّهم ذاهبون الخميس الى الاستشارات الملزمة لتسميته رئيساً للحكومة. وتشير الاجواء الى لقاء آخر سيعقده رؤساء الحكومات قبل خميس الاستشارات.
مقاربات جديدة
الى ذلك، قال مرجع سياسي لـ”الجمهورية”: “نحن امام ظرف مستجد، وامام مقاربات جديدة، والحريري جدّي في توجّهه لترؤس حكومة انقاذية، ولا اعتقد انّ في خلفية اي طرف التوجّه الى مشاحنات او تجاذبات”.
واوضح المرجع، انه “حتى الآن يمكن القول إنّ الاجواء الاولية ايجابية، لكن الجميع يدركون انّ الامور في خواتيمها. ودعونا لا نقول فول قبل ان يصير بالمكيول”.
ولفت المرجع، الى “انّ امامنا فرصة ثمينة للخروج من الازمة، لا يجب تفويتها، فخروجنا من هذه الفرصة معناه الدخول الى جهنم”.
ورداً على سؤال قال المرجع: “اعتقد انّه لا توجد ايّ عراقيل تمنع حصول التكليف يوم الخميس. لكن ما يبعث على الخشية، هي تلك الحملات الهجومية التي تبدو المنظمة، والتي عكفت عليها بعض المنصّات الاعلامية في التصويب على المناخ الجديد السائد في البلد منذ ما بعد المقابلة التلفزيونية للرئيس الحريري”.
ورداً على سؤال آخر قال: “النقاش الجاري حالياً يدور حول المبادئ والاساسيات، وبالتالي لا حديث بالتأليف قبل اتمام التكليف. علماً انّ كل الامور قابلة للبحث بعد انتهاء استشارات الخميس، وهو ما يستدعي لقاءات ومشاورات يجريها الرئيس المكلّف”.
ولفت المرجع الانتباه الى انّ “لا شروط او موانع حول شكل الحكومة وعددها ونوعها، ولا خلاف على مهمتها، خصوصاً وانّ هذا الامر قد جرى بتّه في مشاورات التأليف السابقة، لجهة حسم حكومة اختصاصيّين لا سياسيين”.