قدم لبنان الرسمي كل ما يستطيع أن يقدمه في جولة المفاوضات التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لوقف العدوان الاسرائيلي عليه، حيث تشير المعلومات الى أن ليل الثلاثاء ـ الأربعاء شهد الكثير من النقاش على “النقطة والفاصلة” في مسودة المقترحات من أجل معالجة أكثرية البنود، بما في ذلك بند لجنة المراقبة، وصولا الى اللقاء الذي عقده هوكشتاين عصر أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضع اللمسات الأخيرة، حيث أعلن المبعوث الأميركي تحقيق تقدم كبير.
وقد ترافق ذلك، مع خطاب لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، شكل دعما للموقف اللبناني الرسمي، وزاد من منسوب التفاؤل، خصوصا أن الشيخ قاسم وضع إسرائيل وأميركا أمام خيارين، أولهما جهوزية المقاومة التي تخولها الاستمرار في القتال على محاور الجبهة الجنوبية وعلى صعيد الصليات الصاروخية التي بلغت تل أبيب (في إعادة لرسم معادلة بيروت مقابل تل أبيب)، والتأكيد على إلحاق المزيد من الخسائر بإسرائيل على صعيد المستوطنات والقواعد العسكرية والجيش والآليات، فضلا عن نهائية صمود المقاومة في الميدان وعدم إستسلامها مهما بلغت التضحيات والصعوبات.. وثانيهما، خارطة طريق من أربعة بنود بدءا من “العمل على إعادة الإعمار، مرورا بتقديم المساهمة الفعالة لانتخاب رئيس للجمهورية وصولا الى أن تكون خطوات الحزب السياسية تحت سقف الطائف، وكذلك أن يكون الحزب حاضرا بشكل وازن في الميدان السياسي بقوّته التمثيليّة والشعبيّة لمصلحة الوطن لنبني ونحمي في آن معًا”.
إذا، فقد إنتقل هوكشتاين الى فلسطين المحتلة بموقف لبناني موحد، يتناغم مع المقترحات الأميركية، ويشترط وقف العدوان والحفاظ على السيادة اللبنانية، في وقت يتسابق فيه وزراء حكومة نتنياهو على رفع السقوف، لا سيما لجهة إعلان عدم القبول بأي إتفاق إذا “لم يكن يسمح للجيش الصهيوني بحرية التحرك ضد أي هدف يمكن أن يشكل خطرا على إسرائيل”، وذلك في محاولة إسرائيلية لأن تحقق في السياسة ما فشلت في تحقيقه بالميدان وهذا أمر ممنوع من الصرف لبنانيا..
لا شك في أن الثقة التي تحدث فيها هوكشتاين والتفاؤل الذي أبداه خلال زيارته الى فرع “ستار باكس” في فردان، يشير الى نجاحه في إدارة ملف التفاوض والى إرتياحه للموقف اللبناني بعد كلمة الشيخ نعيم قاسم، علما أن الاسرائيلي لم يكن بعيدا عن هذا الملف خصوصا عندما كان وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر في أميركا.
لكن حتى الآن، تتناقض أجواء هوكشتاين التفاؤلية مع المواقف الاسرائيلية السلبية، إلا إذا كانت تهدف الى رسم صورة إنتصار وهمي أمام المجتمع الاسرائيلي، خصوصا أن العدو بات يدرك أن هدف الحرب على لبنان كان إعادة المستوطنين الى منطقة شمال فلسطين وإبعاد المقاومة الى ما بعد شمال الليطاني، وما أنجزه هوكشتاين في لبنان يحقق له ذلك بالكامل، في حين أن إستمرار الحرب ولو لسنوات مقبلة لن تمكنه من تحقيق هدفه، لا بل ستضاعف من أعداد النازحين وستلحق المزيد من الاستنزاف بالجيش، علما أن العدو تراجع عن كثير من الشروط التي كانت تحاكي تطلعات بعض التيارات المعارضة في لبنان، بفعل صمود المقاومة ونجاحها في رسم معادلات جديدة في الميدان.
يمكن القول، إن الكرة الآن في الملعب الاسرائيلي، فإما أن يتجاوب نتنياهو مع هوكشتاين المدعوم من الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب، ويبدأ تنفيذ الاتفاق بوقف إطلاق النار، أو أن يضرب كل الجهود الأميركية بعرض الحائط، ويستدرج المنطقة الى مزيد من التصعيد والقتل والتدمير.
ساعات حاسمة تفصل المنطقة عن إستمرار الحرب أو أن تضع أوزارها، فإذا عاد هوكشتاين الى لبنان أو الى فرنسا الشريكة في هذا الاتفاق وفي لجنة المراقبة، فهذا يعني أن الأمور تسير نحو الايجابية وأن هناك بعض الاستفسارات حول البنود، أما إذا عاد هوكشتاين الى أميركا، فذلك يعني إستمرار الحرب الى نيسان المقبل.
غسان ريفي – سفير الشمال