بدت الأيّام التي تلت 28 تشرين الثاني الماضي، عندما حدّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي موعداً لجلسة إنتخاب رئيس للجمهورية، رتيبة وبطيئة للغاية، وتعامل معها بعض القوى السّياسية ببرودة لافتة، بشكل بدا بعضهم وكأنّهم غير معنيين بها، ما طرح أسئلة عدّة حول أسباب هذه اللامبالاة التي أظهروها، برغم أنّهم كانوا منذ آخر جلسة عُقدت لهذه الغاية، قبل 18 شهراً، لا يكفّون عن دعوة برّي لعقد جلسة إنتخابية، وصولاً إلى حدّ اتهامهم له بتعطيل الدستور وإقفال أبواب المجلس في وجههم.
لم يأخذ نوّاب المعارضة دعوة برّي على محمل الجدّ، كما أنّهم لم يقابلوها بارتياح، لأسباب مختلفة، من أبرزها أنّه ليس لديهم مرشّح محدّد يحظى بالتوافق بينهم، مقابل مرشّح السّلطة رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، عدا عن أنّ موعدها جاء للتّو في أعقاب ساعات من التوصّل لاتفاق وقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل، ما جعل الدعوة تشتت إهتمامهم بين التفرّغ لجلسة الإنتخابات المرتقبة، والبحث عن مرشّح يجمع بينهم ولو بالحدّ الأدنى، أو استغلال نتائج الحرب لمصلحتهم من خلال إستمرار تصويب سهامهم على حزب الله، بما يمكّنهم الحصول على مكاسب سياسية يمكنهم صرفها في أيّ إستحقاق سياسي مقبل، أبرزه الإستحقاق الرئاسي.
هذه البرودة في التعامل مع الإستحقاق الرئاسي من مختلف القوى السّياسية فرضتها لاحقاً تطوّرات الأحداث الأخيرة في سوريا، التي اندلعت في التوقيت نفسه الذي جرى فيه التوصّل لإيقاف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل. فقد شهدت الأيّام الـ11 التالية وصولاً إلى 8 كانون الثاني الجاري، الذي أسقطت فيه المعارضة في سوريا نظام الرئيس السّابق بشّار الأسد، صمت أغلب القوى السّياسية حيال الإستحقاق الرئاسي، بعدما فرض الحدث السوري نفسه إهتماماً أولاً على كلّ الصّعد.
غير أنّه بمجرد أن استقر المشهد السّوري على آخر فصوله، جرى تفعيل الإتصالات الدّاخلية لتحريك الإستحقاق الرئاسي وإخراجه من ركوده، إذ لم يعد برأي أغلب القوى السّياسية ما يمنع تزخيم اللقاءات والإجتماعات، المعلنة منها وغير المعلنة، إنّما من غير أن يعني ذلك تقارباً في وجهات النّظر من شأنه أن ينتج مرشّحاً توافقياً، أو أن يخرج الدّخان الأبيض من جلسة 9 كانون الثاني ولا يتم تطييرها، أو أن يستطيع أحد الطرفين، سلطة أو معارضة، ترجيح كفّة مرشّحه وضمان فوزه.
لكنّ اللافت ليس أنّ استقرار المشهد في سوريا على ما هو عليه هو الذي أسهم بتفعيل الإتصالات واللقاءات حيال الإستحقاق الرئاسي، بل مسعى فرقاء المعارضة إستغلال تطوّرات الوضع السّوري وتجييره لمصلحتهم، معتبرين وفق حساباتهم السّياسية بأنّ فرنجية، الذي ربطته علاقات سياسية وشخصية عميقة بالأسد ونظامه، لم تعد طريق قصر بعبدا معبّدة أمامه بسلاسة.
إلّا أنّ حسابات المعارضة لا تبدو واقعية، ومن شأنها إدخال لبنان في أتون صراعات داخلية بالغة الخطورة، ما دفع كثيرين بينهم وسطاء إلى تحذير المعارضة من الرّهان على التطوّرات السّورية ومحاولتهم صرفها داخلياً لمصلحتهم، بعيداً عن التوافق، وأن يبقى الإستحقاق الرئاسي لبنانياً، لأنّ هكذا محاولات سابقة أدخلت لبنان في المجهول ودفع ثمنها غالياً طيلة سنوات لاحقة.
عبدالكافي الصمد – سفير اشمال