بعد تكليف محمد البشير برئاسة الحكومة السورية الانتقالية بشكل رسمي، بدأت العملية السياسية تسلك طريقها ضمن مرحلة إنتقالية لمدة ثلاثة أشهر من المفترض أن تساهم في إعادة تكوين السلطة من خلال تهيئة الأرضية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية العربية السورية وتشكيل حكومة فاعلة تضم مختلف مكونات الشعب السوري وإجراء الانتخابات النيابية بشكل ديمقراطي، ومن ثم إعادة بناء أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والإدارية وصولا إلى سوريا الجديدة.
لا شك في أن سوريا اليوم أمام فرصة تاريخية لاعادة بنائها على أسس ديمقراطية وترجمة التضحيات التي بذلها الشعب السوري على مدار سنوات طويلة ولا سيما السنوات ال١٣ الأخيرة، وهذا يعود بشكل مباشر إلى فصائل تحرير الشام التي يفترض بها أن تتجنب الصراعات أو تحويل سوريا إلى ساحة نفوذ دولي – إقليمي لأن ذلك من شأنه أن يبقيها على فوهة بركان قد ينفجر في أي وقت وينعكس على دول الجوار لا سيما لبنان الذي شهدت حدوده أمس توترا بين الجيش اللبناني والفصائل السورية على خلفية دخولها إلى الأراضي اللبنانية لمنع السوريين من المغادرة.
وفي الوقت الذي تهتم فيه الفصائل في ترتيب البيت الداخلي، تبرز تحديات العدوان الاسرائيلي على الأراضي السورية، حيث أقدم العدو على شن ٤٥٠ غارة على مدار ٤٨ ساعة على كل المقدرات العسكرية والأمنية والمطارات ومخازن الأسلحة والمرافئ والمراكز البحثية والعلمية، فضلا عن إحتلالها ما يقارب العشرين بالمئة من الأراضي حتى وصلت القوات الاسرائيلية على بعد ٢٥ كيلومترا عن العاصمة دمشق.
وصول القوات الاسرائيلية بهذه السهولة إلى مشارف دمشق، يشير إلى أهمية ما قامت به المقاومة الإسلامية في لبنان التي منعت إسرائيل التي دفعت بثمانين ألف من جنودها من بينهم قوات النخبة لاجتياح جنوب لبنان من تحقيق مبتغاها على مدار ٦٦ يوما، وإقتصر ذلك على خمسة كيلومترات بفعل التكتيكات العسكرية التي إعتمدها المقاومون، حيث حال هذا التصدي دون وصول الصهاينة إلى جسر الأولي الذي كانوا يضعونه ضمن مخططهم قبل الوصول إلى تفاهم وقف إطلاق النار.
ويضع العدوان الاسرائيلي السافر على سوريا فصائل تحرير الشام أمام مسؤولية كبرى، لجهة التصدي لها ومنعها من تحقيق أهدافها، خصوصا أن السلوك الصهيوني يشير إلى نية مبيتة لديه لجعل سوريا بلدا منزوع السلاح الثقيل الذي يهدد الكيان، ولتقسيمها إلى دويلات طائفية متنازعة الأمر الذي يريحها ويطمئنها، في حين أن تشكيل الحكومة الانتقالية يؤكد توجه الفصائل للحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومشاركة كل المكونات السياسية والطائفية في الحكم الأمر الذي يتعارض مع المخطط الصهيوني.
ولعل العداء لإسرائيل ومواجهتها في سوريا من شأنه أن يزيل الكثير من الخلافات بين الفصائل السورية وبين دول الجوار لمصلحة التعاون على تحقيق الهدف الوطني الأسمى وهو الالتزام بالثوابت العربية وبقضية فلسطين والتصدي للكيان الغاصب، وهذا ما يشكل قواسم مشتركة بين الجميع، فضلا عن ضرورة النأي بسوريا عن التدخلات الاقليمية والعودة بها إلى الحضن العربي الكفيل بمساعدتها إقتصاديا وإعادة إعمارها.
غسان ريفي