خطاب زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لم يفاجئ أحداً، سواءٌ بمواقفه الواضحة، أو في إسلوبه المباشر، وإستعداده سحب ترشيحه من السباق الرئاسي، على خلفية التطورات المتسارعة في المنطقة، و«التي قلبت المعادلات رأساً على عقب».
لم يجد إبن البيت السياسي العريق حرجاً بالإعتراف بنتائج المتغيرات المتوالية، التي حصلت في لبنان بعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله، الذي أصيب بضربات كبيرة وموجعة، وما أعقبها من إنهيار نظام صديقه ورفيق طفولته بشار الأسد في دمشق، بشكل متسارع ودراماتيكي، وخارج سياق كل التوقعات.
لقد خسر فرنجية خلال أقل من شهرين عناصر القوة الأساسية التي كان يستند عليها في ترشحه لرئاسة الجمهورية. إغتيال السيد حسن نصرالله في ٢٧ أيلول الماضي، وفرار الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق في ليل ٨ كانون الأول.
كان الأمين العام لحزب الله قد وعد فرنجية عام ٢٠١٦، بأنه سيكون مرشح الحزب في الإستحقاق الرئاسي علم ٢٠٢٢، مقابل إنسحابه يومذاك من المواجهة الإنتخابية مع العماد ميشال عون، الذي كان الحزب قد إلتزم تأييده لرئاسة الجمهورية، وقام بتعطيل الإنتخابات الرئاسية وإبقاء الشغور في رئاسة الجمهورية أكثر من سنتين، إلى أن تسنّى له إيصاله إلى بعبدا على إيقاع إتفاق معراب بين التيار الوطني والقوات اللبنانية.
وكان فرنجية يعتبر أن علاقته الشخصية المباشرة والمميّزة مع «صديقه» بشار الأسد، مصدر قوة ودعم له في خوضه المعركة الرئاسية، إستناداً للقدرة على معالجة القضايا العالقة بين لبنان وسوريا، وفي مقدمتها عودة النازحين السوريين من لبنان، وتحسين العلاقات الإقتصادية والأمنية بين البلدين.
كان الزعيم الزغرتاوي يُصنّف في السياسة المحلية بأنه حليف محور الممانعة، عبر حزب لله في لبنان، وإمتداداً إلى صداقته مع الأسد، وصولاً إلى طهران. لذلك لم يكن من السهل أن يحيّد نفسه وموقعه من ارتدادات الزلزال التي ضرب قواعد هذا المحور، في مقدمتها حزب الله والنظام السوري، وكان لا بد أن يتصرف على ضوء الخسائر الفادحة التي لحقت بأطراف الخط السياسي الذي ينتهجه.
تفرد فرنجية بمزايا شخصية وصفات مبدئية بالمقارنة مع كثير من السياسيين. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يصفه بـ «الخصم الشهم»، لأن خصومته لا تنال من شهامة التعامل السياسي والشخصي مع الآخر، ويملك الشجاعة للجهر بمواقفه المختلفة، والدفاع عن خطه السياسي، بعيداً عن الحسابات الشخصية في الربح والخسارة.
كلام رئيس المردة أمس، وما تميّز به من واقعية سياسية، فتح الطريق لأطراف وأحزاب أخرى للنزول عن الشجرة الرئاسية، والتعاطي مع التطورات المتصادمة بشيء من الواقعية والحكمة، لإخراج البلد من أنفاق الأزمات المسدودة، إلى آفاق الإنقاذ المنشودة.
صلاح سلام – اللواء