في لبنان صوت الثروات ورنين المال يعلو على صوت «غضب العمال». وخطابات وتصريحات عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد من «حيتان الاحتكارات الكبرى» في السياسة والاقتصاد أكثر فاعلية من صيحات مئات آلاف العمال في مناطق البؤس والفقر والحرمان.
والسبب أنه بعدما تفرّقت صفوف العمال الى فدراليات «اتحادات ونقابات» في زمن «الوصايا السورية» لم تخرج الى الوحدة العمالية الكافية، كما كان الحال في الدول المتقدمة التي بعد أن عاشت اتحاداتها ونقاباتها العمالية حالات مماثلة للتضعضع الذي نشهده في لبنان، تمكنت من التوحد سياسيا في أحزاب عمالية على غرار حزب العمال في بريطانيا، والاشتراكي الديموقراطي في ألمانيا، والأحزاب العمالية والاشتراكية الحاكمة في اسكندينافيا. واستطاعت هذه الأحزاب الخروج من الدائرة النقابية المحدودة الى المدى الشعبي الأوسع، حيث العمال بمفهوم المنتجين من ذوي الدخل المحدود، ليسوا فقط العاملين براتب أو بأجر، وإنما أيضاً أصحاب المؤسسات الصغيرة والحرف والدكاكين والحوانيت وصغار المنتجين في الصناعة والزراعة والسياحة وفي الفكر والأدب والفن. وحتى العاطلون عن العمل – ممن لا تشملهم عضوية الاتحادات والنقابات – هم عمال، بانتظار أن ينضووا الى منظومة الرواتب والأجور. فالأغلبية الساحقة من قوة العمل الانتاجي المحدود الدخل أو الربح في لبنان ليست منضوية في اتحادات أو نقابات عمالية. وهذه أزمة أساسية ومشكلة رئيسية في التركيبة النقابية العمالية في لبنان، عاشتها لسنوات طويلة القوى العمالية في بريطانيا، حتى تمكن عامل منجم بمفرده هو KEIR HARDIE قبل أكثر من ١٢٥ عاما من توليف لائحة عمالية للانتخابات النيابية عام ١٨٩٣، استطاعت في العام ١٩٠٦ ادخال ٢٩ نائبا عماليا الى مجلس العموم، انضم اليهم نواب مناصرون شكلوا في مجموعهم كتلة برلمانية عمالية تطورت على مر السنين وكان من أهم مقترحاتها زمن المحنة الاقتصادية، ما يعرف الآن في لبنان بـ»الـHair Cut» وذلك باقتطاع ٢٠% من كل ثروة فردية تزيد عن الـ٥٠ ألف جنيه استرليني، لاستخدامها في تسديد الدين العام المتصاعد بعد الحرب العالمية الأولى.
حتى أن هذه الكتلة تمكنت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من اسقاط حكومة ونستون تشرشل المحافظة برغم دوره المركزي في حماية بريطانيا من الهجمة النازية، واستلام الحكم بوزارة «حزب العمال» التي أنجزت للشعب ٤ أهم قوانين اصلاحية ما زالت سارية حتى الآن ١- دولة رعاية صحية مجانية شاملة لكل فئات الشعب. ٢- ضرائب عالية على الثروات العقارية والمالية. ٣- تعزيز دور الدولة في التخطيط الاقتصادي. ٤- ووضع خطط انمائية وفرت العديد من فرص العمل.
وكان من ثمار هذا النصر العمالي السياسي ان حتى حكومات حزب المحافظين المعارضة لبرامج حزب العمال والتي تضم أصحاب النفوذ الاقتصادي المصرفي والمالية أصابتها «العدوى» الاصلاحية العمالية واضطرت الى انجاز برامج شعبية منافسة طمعا بالوصول الى أصوات مختلف فئات وطبقات الشعب.