فادي عبود – الجمهورية
«ضربونا على راسنا ودوخونا»، وبدلاً من ان نطالب المسؤول الحقيقي عن مصائبنا، اصبحنا نواجه بعضنا لبعض، وجميعنا ضحايا لمنظومة فاسدة على مدى سنوات عدة اوصلتنا الى انهيار تام.
تظاهرة من هنا او اعتصام من هناك، ضدّ جامعة أو مدرسة خاصة، ضدّ المستشفيات الخاصة، التجار او اصحاب المحال، او كاراج السيارات الخ… بسبب انهيار العملة وحجز المصارف للأموال والتضييق الحاصل وغيرها من الاسباب، او انتقادات للصرافين الجدد (وهؤلاء لا نعرف من وراءهم، ووجودهم هو نتيجة مباشرة للوضع الراهن الذي تسبّب به المسؤولون عن الازمة)…
المؤسسات الخاصة ليست سبب المشكلة، وليست مسؤولة عن التردّي الحاصل، كلها احتُجزت اموالها كما احتُجزت اموالك، وانّ المسؤولين المباشرين هم من هدروا وسرقوا اموال الجميع على مدى سنوات متعددة.
انّ المسؤولين في هذه الفترة اظهروا مهارة في تحويل الغضب الذي نتج من اعمالهم الى مكان آخر، فأصبحوا بارعين في خلق صدامات بين الناس، فمثلاً بعد ان سبّبوا الأزمات في قطاع التعليم، يشجعون الناس على التظاهر والشكوى ضدّ الجامعات والمدارس الخاصة، ويُصدرون قوانين ضدّ هذه المؤسسات لإرضاء الشعب، ويظهرون كأنّهم يحافظون على الحقوق التي هدروها، بمعنى آخر «بيقتلوا القتيل وبيمشوا بجنازته».
اي اصلاح مالي اليوم يبدأ بكشف تقارير شركتي التدقيق «ديلويت اند توش» و«ارنست اند يوغ» اللتين كانتا مسؤولتين عن تدقيق حسابات مصرف لبنان المركزي، وبعد درس هذه التقارير يتمّ استجواب المسؤولين لتوضيح ما جاء فيها، هذا اذا كانت موجودة، وطبعاً اذا كانت في مستوى هذه الشركات. واذا تبين أنّ هذه التقارير ملغومة وغير جدّية، يجب التحقيق في هذه الحال ومحاكمة المسؤولين عن ذلك.
طبعاً اكرّر ما قلته سابقاً وما قاله كثيرون، انّه يجب فرض الشفافية المطلقة على مصرف لبنان، فقانون السرّية المصرفية يُطبّق على المودعين وليس على حسابات المصرف المركزي الذي هو مال عام يملكه الجميع، يحق، وبل يجب على المواطنين الإطلاع عليه ودراسته.
واذكر هنا بعض الحقوق الأساسية التي من واجب الدولة تأمينها لمواطنيها مثل التعليم والاستشفاء وغيرهما:
مثلاً، حقك في العلم تطلبه من الدولة لا من الجامعات والمدارس الخاصة، حقك من الدولة أن تؤمّن لك تعليماً في مستوى متقدّم، فإذا كان المستوى الذي تقدّمه لك غير مقبول، فمعركتك تكون مع الدولة لتأمين ذلك وليس مع المؤسات الخاصة، واذا عجزت الدولة، وهذا يحصل في غالب الاحيان، فهناك حلول عدة، أذكر أحدها في اختصار، ان تتعاقد مع مؤسسات تعليمية مشهود لها على كل المستويات وتدفع لها الاقساط المناسبة، خصوصاً انّ الهدر في مؤسسات الدولة كبير جداً ولا يؤدي النتائج المطلوبة. (ولتوضيح الفكرة، تتعاقد الدولة مع مؤسسات تعليمية متطورة لتتسلّم الجامعات والمدارس الرسمية، وتدفع لها الدولة كلفة تعليم التلاميذ، ويصبح دور الدولة رقابياً، ومعرفتنا بالهدر الكبير الحاصل، اذا وظفت هذه المبالغ المهدورة في مكانها الصحيح ستكفي الجميع وتؤمّن لجميع الطلاب تعليماً متطوراً).
وإذا احتجت الى استشفاء ولم تحصل عليه من مؤسسات الدولة، او لم تقبل في المستوى الذي تقدّمه، ولا ألومك على ذلك، تطالبها بحلول لتأمين استشفاء محترم، وهو حقك الاساسي. ايضاً أحد الحلول، في اختصار، هو التعاقد مع مؤسسات خاصة وتركيب نظام لرقابة جدّية لتفادي الاستغلال.
أما إذا اردت شراء سلعة واعتبرت انّ البائع يضخّم الارباح، فعليك ان تتأكّد من أنّه لا يتمتع بحصرية، إذ أنّه لن يتمكن من فرض سعر غير مقبول اذا كان في سوق تنافسي مفتوح، وهنا عليك أن تطالب الدولة ان لا تسمح بالحصريات.
وهذه الحلول في حاجة الى شرح طويل لا يسع شرحها في هذا المقال.
في اختصار، لا تطالب مؤسسات خاصة بحقوقك الاساسية، وتتغاضى عن واجبات الحكومة الحالية والحكومات السابقة، في تأمين هذه الحقوق الاساسية.
فليكن التحرّك اليوم في اتجاه المسؤولين الاساسيين عن الأزمة ولمن في سدّة المسؤولية، لإيجاد حلول سريعة وواضحة، وعدم تضييع القضية في أمور جانبية، والبدء بمطالبة المصرف المركزي بكشف اوراقه كاملة ونشر تقاريره كاملة، لتعرف الناس مصير اموالها المحجوزة او المنهوبة.
يجب ان يكون الهدف الرئيسي اليوم معرفة الحقيقة الكاملة غير المجتزأة، كما مطالبة السلطة الحاكمة من رئاسة ومجلس وزراء ومجلس نواب بتحمّل مسؤولياتهم ومصارحة الشعب في خططهم لمواجهة الأزمة، اذا كان هناك من خطة.
والأهم، طالبوا بقانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، لا تدعوهم يقومون بالهائكم بمطالب هي اصلاً حق لكم. انتقلوا الى مرحلة المحاسبة ووضع القطار على السكة الحقيقية، وافرضوا الشفافية المطلقة على اي سلطة سياسية باقية، آتية او ذاهبة.