الجمعة, نوفمبر 22
Banner

النهار: كفى تشويها للميثاقية… ليست مفهوما على قياس الأفراد والأقضية!

جاء في صحيفة النهار : منذ بداية الأزمة الأخيرة، كثرت الطروحات الإنقاذية التي تدّعي إقامة البلد من محنته، وكان أولها تحويل الدولة إلى دولة مدنية حقّة، باعتبار أن النظام الطائفي هو من الأسباب الرئيسة التي أدّت إلى هذا الانهيار الكبير، وتسابق الزعماء السياسيون على هذا الطرح، حيث شكل إجماعاً في الخطابات الجماهيرية والشعبوية.

لكن على أرض الواقع تختلف الأمور؛ يتوقف البلد والحكومة والمؤسسات أمام التقسيم الطائفي وسط مسميات عديدة تدور جميعها في فلك واحد، تارة المناصفة وتارة الميثاقية، وتارة حقوق الطوائف والمساواة.

وكان بارزاً ما حصل مع حركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومبادرته، حيث تمسك الثنائي الشيعي بتسمية وزراء الطائفة تحت مسميات حقوق الطائفة وصحة التمثيل، وتم ربط العمل السياسي بالطائفي، ما دفع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب إلى الاعتذار، وهذا ما يحدث مع المبادرة الإنقاذية الأخيرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، وما تلاها من حركة سياسية لإنقاذ المبادرة الفرنسية، لكن تحت المسمى نفسه تم تأجيل الاستشارات النيابية، في مسعى جديد لضرب المبادرة، وهذه المرة تحت عنوان الميثاقية المسيحية، ورغم أن أكثر من ثلث النواب المسيحيين هم خارج الحزبين الرئيسيين ويتجه جزء كبير منهم لتسمية الحريري، والجزء الآخر مستقيل معترضاً على تعاطي العهد نفسه، أبرزت الرئاسة نظرية جديدة تاريخية، تضاف إلى النظريات الهمايونية التي تطرحها الأحزاب السياسية لحماية نفسها، وهي الميثاقية المناطقية، وأصبحنا نتحدث عن نواب أقضية ومحافظات وربما غداً تتوسع إلى البلديات والمخاتير التي يجب على جميعها أن تتفق على تسمية رئيس حكومة يرضي “التيار” ورئيسه.

يختلف الحزبان المسيحيان الرئيسيان على كل شيء في السياسة والاقتصاد وإدارة الدولة، لكنهما في مكان ما ولحسابات مختلفة عن بعضها البعض تتعلق بأبعاد إقليمية وبرئاسة الجمهورية، اتفقا على عدم تسمية الحريري لترؤس الحكومة، فاتخذت رئاسة الجمهورية مدعومة بحزب العهد هذا التقاطع الظرفي الذي يخدم رئيس #التيار الوطني الحر جبران باسيل، فاتُخذ ذريعة لتأجيل الاستشارات النيابية في محاولة للضغط على الحريري وإلزامه باتفاق مع “التيار” كما في حكومة العهد الأولى، أو دفعه إلى الاستقالة وحرمان البلد من الفرصة الأخيرة قبل الانهيار الشامل.

وفي هذا السياق، يلفت الوزير السابق سجعان قزي إلى أن الميثاقية أصبحت في أيامنا الحالية تستعمل كقميص عثمان ترفع كلما دعت الحاجة، كما أصبحت أقرب إلى الترف السياسي منها إلى المشاركة في القرار الوطني.

ويرى في حديث لـ”النهار” أن الحياة السياسية في لبنان يقودها جوادان هما الدستور والميثاق يتكاملان مع بعضهما البعض للمحافظة على الصيغة الوطنية والاستقرار والتوازن، مشيراً إلى أن “الميثاق هو حالة وطنية جامعة وليس مفهوماً يتوزع على الأقضية والمحافظات، بل مفهوم الميثاق الأساسي يكون في المناصفة، والمناصفة تكون دينية وليست سياسية كما يحاول البعض تصويرها”.

ويعتبر قزي أنه في الفترة الأخيرة توظَّف “الميثاقية” في خدمة الأحزاب، ويتم تقديمها على الدستور، ومن أراد الميثاق عليه احترام الدستور، فهذا الميثاق يطبق عند احترام الدستور أولاً، مشدداً على أن “ما يدعيه البعض بأنه ميثاقية هو تعدٍّ على الدستور، ولم يبقَ أحد “ما بل إيدو بالدستور” خصوصاً ممن يدّعون حمايته والحفاظ على الميثاق”.

ويؤكد قزي أنه “بإمكاننا الاختلاف على هذه الأمور ومناقشتها لنحاول الحصول على مكتسبات إضافية فيما لو كانت حال البلد طبيعية، لكن ليس بالأوضاع التي يشهدها لبنان حالياً، فخطورة ما يجري اليوم أكبر بكثير من هذه المماحكات وخصوصاً أن البلد سيتدمر من دون حكومة إنقاذ، وأصبحنا بلداً ضمن العالم الرابع وهم مستمرون باختراع مصطلحات وحجج لن توصل إلا لزيادة الأمور تعقيداً، ولبنان في لحظاته لا يحتمل التأجيل بتاتاً وإرجاء الاستشارات كارثة بغض النظر عن المرشح لرئاسة الحكومة”.

مرة جديدة وبعد سنة من الانهيارات والانفجارات والكوارث والثورات والجوع والفقر لم تحِد الطبقة السياسية قيد أنملة عن سياستها التقاسمية وكأنّ شيئاَ لم يحصل، وعادت المصطلحات القديمة للظهور تحت ستار الطوائف والمذاهب التي لم تؤدِّ إلاّ إلى حصر التمثيل الميثاقي الطائفي ضمن نخبة ضيقة تقرر مسار الوطن ومصيره، وتضرب الديموقراطية وأي أمل للتقدم.

Comments are closed.