غسان ريفي – سفير الشمال
يُرخي فيروس كورونا بثقله على اللبنانيين الذين تجاوب معظمهم مع قرارات الاقفال العام ومنع التجول والتي دخلت أمس حيز التنفيذ.
هذا التجاوب لم يكن إلتزاما بتوجهات الدولة التي فقدت هيبتها وإنقطع حبل التواصل والثقة بينها وبين مواطنيها، وإنما درءا لمخاطر حقيقية يستشعرها المواطنون، ويضاعف منها إهتراء هذه الدولة التي تتخبط وتعجز عن تحصين قطاعها الطبي الذي يكاد ينهار، وما تزال قاصرة عن إيجاد الآلية الفضلى لتأمين اللقاحات التي ما تزال في علم الغيب، في وقت بدأت فيه دول الجوار بتلقيح مواطنيها ومنها كيان العدو الاسرائيلي الغاصب الذي عمل على تلقيح أكثر من مليون ونصف المليون شخص.
يأتي الاقفال العام في ظل ظروف معيشية مأساوية تسيطر على السواد الأعظم من اللبنانيين الذين لم تبادر الدولة الى تأمين مقومات صمودهم من خلال المساعدات المالية التي ما تزال في علم الغيب.
كما يأتي هذا الاقفال في ظل إنسداد الأفق السياسي وإنقطاع التواصل بين المعنيين بتشكيل الحكومة، ما ينعكس مزيدا من الضغط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وإرتفاعا جنونيا في سعر الدولار، ويضاعف في الوقت نفسه من غضب اللبنانيين الذين باتت تفصلهم هوة سحيقة عن دولتهم التي سقطت بنظرهم وتحولت الى مصدر للأزمات.
لم يكن ينقص الواقع السياسي المأزوم سوى ما صدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون في الفيديو المسرب للاعلام بحق الرئيس سعد الحريري سواء كان ذلك صدفة أو عن قصد، وبما أن الصدف في العالم السياسي شبه معدومة، فإن الفيديو الذي جاء بعد المؤتمر الصحافي الناري لجبران باسيل، كان بمثابة رسالة واضحة من عون الى الحريري بأنك “شخص غير مرغوب فيه، ونرفض التعاون معك”.
لا يختلف إثنان على أن الرئيس عون يعمل على رد الاعتبار لباسيل بعد العقوبات الأميركية عليه، وهو يصر على تثبيت حضوره في المعادلة السياسية من خلال إعطائه الثلث المعطل والوزارات الأمنية والعدلية بهدف الامساك بمفاصل الحكومة والتحكم بها، بما يسهل الوصول الى الهدف الأكبر وهو تعبيد طريق قصر قصر بعبدا أمامه وإيصاله الى رئاسة الجمهورية.
هذان الهدفان يشكلان أولوية للعهد، وبلوغهما يحتاج الى حكومة بنكهة برتقالية، والى الاطاحة بسعد الحريري الذي يتمسك بورقة التكليف الى أجل غير مسمى من دون أن يمتلك القدرة على التأليف كونه يحتاج الى إجماع يفتقده الحريري المُحتضن من الثنائي الشيعي، والمرفوض من التيار الوطني الحر، والمقاطع من القوات اللبنانية، والمطالب بالاعتذار من الحزب التقدمي الاشتراكي، والمتراجع شعبيا في الشارع السني الذي تعاطى مع الفيديو المسرب لرئيس الجمهورية بعدم إكتراث، في حين كانت الدنيا تقوم ولا تقعد في السابق، ما يشير الى حجم الأزمة التي يواجهها زعيم المستقبل في شارعه ومع سائر التيارات السياسية، يضاف الى ذلك الغضب العربي والدولي على الحريري نتيجة التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون الى قصر بعبدا، ومسيرته “المشبوهة” مع جبران باسيل على مدار ثلاث سنوات، ومن بعد ذلك افشاله المبادرة الفرنسية وطرح نفسه كمرشح طبيعي الى رئاسة الحكومة.
أمام إنسداد الأفق السياسي وإنعدام إمكانية الوصول الى حلول سريعة، والاحتقان الشعبي الذي بات نارا تحت الرماد، تلجأ السلطة الى بيع الأوهام لحرف إنتباه اللبنانيين عن الأزمة الحقيقية والتخفيف من حالتي اليأس والاحتقان، من إنتظار دخول جو بايدن الى البيت الأبيض لاعطاء الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة، الى زيارة الحريري الى تركيا وإنعكاسها الايجابي على الواقع اللبناني، الى الرعاية الدولية التي تحيط بلبنان الذي ما يزال بلدا غير قابل للانفجار، وغير ذلك من إختلاق المشاكل اليومية من رفع الدعم الى شح المحروقات وفقدان الأدوية، وإنتظار الارتطام الكبير الذي سيحدد المرحلة المقبلة للبلد.
في حين بات معلوما أن لبنان ليس أولوية أميركية وليس على جدول أعمال الرئيس بايدن، كما أنه لا يحتل مركزا متقدما لدى المجتمع الدولي الذي قدم 256 مليون دولار لتوزيعها على الفقراء، شأنه في ذلك شأن كثير من البلدان التي حصلت على هذه المساعدة وربما أكثر.
كل ذلك، يضع الوطن في الأسر، ويحوّل اللبنانيين الى متمردين على دولتهم وعلى قراراتها ليس لشيء، بل لفقدان ثقتهم بها، فالثورة التي إنطلقت في 17 تشرين الأول 2019، أخرجت سعد الحريري من الباب فعاد من الشباك، وعملت على إسقاط رئيس الجمهورية الذي يحاول تمديد عهده بإيصال صهره الذي كاد أن يدخل موسوعة “غينيس” بالاتهامات والشتائم التي طالته، ومن ثم نتج عنها حكومة سياسية مقنعة بالتكنوقراط، سجلت فشلا غير مسبوق في إدارة البلاد كما في تصريف الأعمال، ويبدو أن الحبل على الجرار في محاصصة وزارية جديدة تقدم المكاسب السياسية على مصالح الشعب الذي قال عنه البطريرك بشارة الراعي أنه “يمهل ولا يهمل”.