الجمعة, نوفمبر 22
Banner

النهار : أسبوع تكليف الحريري أم الأزمة إلى المجهول؟

جاء في  صحيفة ” النهار ” : ‎اذا كان الخميس الماضي مر كأمر واقع مانع لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف ‏رئيس الحكومة الجديدة ومعروفة الأسباب ومكشوفة تماما، فان الأسبوع الحالي يفتح على ‏سؤال جسيم الخطورة هو، هل يلتزم العهد اجراء الاستشارات في الموعد الثاني الذي حدده ‏لها الخميس المقبل، ام يقدم على مغامرة شديدة الخطورة في إرجائها مرة ثانية ؟ السؤال ‏لا ينطلق من أي تهويل سياسي او غير سياسي بدليل التحذيرات اللافتة جدا من استرهان ‏تشكيل الحكومة والامعان في تأخيرها للكنيستين المارونية والأرثوذكسية اللتين عبر عنهما ‏امس كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وميتروبوليت بيروت ‏وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة. ولكن واقع البلاد المنذر بأسوأ تداعيات ‏الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، كما بالانفجار المخيف لتفشي الانتشار الوبائي ‏لفيروس كورونا وسط اشتداد المخاوف من انهيار النظام الصحي والاستشفائي، بات في ‏درجة متقدمة من الخطورة بحيث يستحيل تصور اخضاع الاستحقاق الحكومي وقتا أطول ‏للمماحكات والحسابات الضيقة والسياسية والشخصية على النحو الفاقع السائد منذ القرار ‏الأول بإرجاء الاستشارات.
والاهم من ذلك ان البلاد دخلت البارحة السنة الثانية من عمر ‏انتفاضة 17 تشرين الأول الشعبية العارمة التي يمكن إخضاعها لتقويمات سلبية وإيجابية ‏بطبيعة الحال، ولكن أحدا لا يمكنه تجاهل الأثر الكبير الذي تركته وتتركه تباعا في تعميم ‏صورة اللبنانيين المنتفضين على الفساد والاهتراء السياسي الذي كان في أساس الانهيارات ‏المخيفة التي شهدها لبنان وهو الامر الذي جعل المجتمع الدولي لا يستمع الا لكلمة ‏الانتفاضة ويمنحها الصدقية والثقة ويضغط باسمها على الطبقة السياسية الحاكمة ويضع ‏الشروط الصارمة للإصلاحات مدخلا وحيدا لتقديم الدعم الى لبنان. هذه الدلالات برزت بقوة ‏السبت الماضي في احياء ذكرى مرور سنة على الانتفاضة التي تلقت تحيات دولية بارزة ‏اكثر من اللفتات الرسمية للدولة اللبنانية وكان ابرزها من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ‏وفرنسا. اما الأبرز في احياء الذكرى التي اعادت مجموعات الانتفاضة والثورة الى الشارع ‏وساحات بيروت والمناطق فتمثل في اضاءة شعلة الانتفاضة في مجسم أقيم قرب مكان ‏الانفجار في مرفأ بيروت الذي اضحى الساحة الرمزية للانتفاضة وتضحيات بيروت ولبنان ‏واللبنانيين حيث سقط لهم الشهداء وسالت دماء الضحايا والجرحى على مذبح الفساد ‏الرسمي والسياسي والإداري الذي كان السبب الأول في الانفجار المدمر في 4 آب الماضي‎.‎
وسط هذه المناخات الضاغطة بكل ثقلها وتداعياتها، تكشف المعطيات المتجمعة حتى ‏مساء امس ان رئاسة الجمهورية باتت تواجه مأزقا بالغ الحرج بعد تصاعد التداعيات ‏الداخلية والخارجية في وجهها عقب ارجاء الاستشارات الأسبوع الماضي. فعلى الصعيد ‏الدولي بات في حكم المؤكد ان الضغط الفرنسي والأميركي المزدوج تصاعد بقوة من اجل ‏الإفساح امام الاستشارات بما وفرته من أكثرية لتكليف الرئيس سعد الحريري وقد سمع ‏الذين قابلوا مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر قبل أيام ‏تأييدا واضحا لديه لتكليف الحريري بما ينسجم مع تأييده للمبادرة الفرنسية نفسها. اما في ‏البعد الداخلي فان مجمل الازمات وتداعياتها تملي ترجيح كفة التزام الموعد الجديد ‏للاستشارات وعدم الارجاء ثانية لان الثمن الذي سيتحمله العهد ان اقدم على تأخير ‏الاستشارات للحؤول دون تكليف الحريري سيكون فادحا. فالأكثرية التي توافرت للحريري ‏لن تتبدل حتى في حال ارجاء الاستشارات مجددا ثم ان العهد سيتحمل تبعات بالغة ‏الخطورة للارجاء الثاني من شأنها فتح الازمة نحو تداعيات سياسية واقتصادية ومالية ‏واجتماعية قد تكون الأسوأ اطلاقا منذ بدايات الانهيار في لبنان‎.‎
في موعدها… ولكن
وأكدت مصادر مطلعة في هذا السياق مساء امس ان الاستشارات النيابية الملزمة ستجرى ‏في موعدها الخميس المقبل، ولن تؤجل ، الا ان المشكلة التي حاول رئيس الجمهورية ‏تفاديها قبل التكليف ستنتقل الى عملية التأليف. فالحريري سيكلف الخميس وبأصوات ‏تراوح بين 68 و70 صوتاً بما فيها نحو ثلث النواب المسيحيين في المجلس من كتل “المردة” ‏والقومي والطاشناق الذي قد يتمايز عن “تكتل لبنان القوي” ، اضافة الى النواب المنتمين ‏لكتلتي “المستقبل” “والتنمية والتحرير‎”.
وتشير المصادر المتابعة الى ان تكليف الحريري ينطلق من هذه النسبة من الاصوات ‏ليدخل ازمة تأليف في معضلة الوقوف على رأي الكتل بتسمية ممثليها في الحكومة لا ‏سيما اذا وافق مسبقاً على مطلب “أمل” و”حزب الله” بالحصول على وزارة المال وبتسمية ‏وزرائهما، فضلاً عن مطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالتمثيل الدرزي‎.
ووفق المصادر ان هذا التفاهم المسبق قد يقيد الحريري بمطلب الكتل الاخرى بحقها في ‏التسمية‎.‎
‎ وتراهن هذه المصادر على دور فرنسا باعادة تحريك اتصالاتها مع القوى السياسية اللبنانية ‏ومع الدول الخارجية المعنية بالملف اللبناني. فواشنطن وكما نقل عنها انها غير مهتمة الا ‏بالاسراع بتأليف حكومة لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وكذلك هو موقف الرياض المبتعد عن ‏الواجهة الحكومية‎.‎
‎ ‎وتشير المصادر الى ان اللواء عباس ابرهيم وفِي طريق عودته من واشنطن سيمر بباريس ‏حيث ستكون له اتصالات او لقاءات ستشمل رئيس الاستخبارات الخارجية السفير برنار ‏ايمييه، واذا احتاج الامر السفير ايمانويل بون مستشار الرئيس الفرنسي رئيس خلية الازمة ‏المعنية بالملف اللبناني. مع العلم ان الادارة الفرنسية كانت أطفأت محركاتها في الشأن ‏اللبناتي على خلفية استيائها من القوى السياسية وعدم التزامها ما تعهدت به بشأن تأليف ‏حكومة انقاذية تفتح الباب على الاصلاحات المطلوبة وعلى عقد باريس لمؤتمر دعم للبنان‎.‎
‎ ‎وفيما يلتزم الحريري الصمت بانتظار يوم التكليف، تؤكد مصادر “المستقبل” ان الحكومة ‏التي سيؤلفها هي حكومة قادرة على تنفيذ المبادرة الفرنسية، واذا اصرت القوى السياسية ‏على تسمية ممثليها في الحكومة ففي هذه الحالة لن تشكل الحكومة‎.‎
‎ ‎وفي أي حال بدت أوساط بارزة في قوى 8 آذار نفسها متخوفة مساء امس من احتمال ‏ارجاء الاستشارات مرة أخرى الخميس المقبل. وإذ لفتت هذه الأوساط الى ان الاتصالات ‏السياسية كانت معدومة في الأيام الأخيرة لم تخف اعتقادها بان الإرجاء المحتمل ‏للاستشارات ومجريات الأمور قد تؤثر سلبا على حظوظ تكليف الحريري‎ .‎
‎ ‎الراعي وعودة
وفي اطار المواقف من الازمة ابرز البطريرك الراعي أهمية انطلاقة الانتفاضة الشعبية في ‏ذكرى انطلاقتها “من اجل التغيير في ذهنية السياسيين ودور المجتمع وأداء مؤسسات ‏الدولة”. وإذ انتقد بشدة أداء المنظومة السياسية سأل “من منكم أيها المسؤولون ‏والسياسيون يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة ؟ ارفعوا ‏ايديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل ‏الكامل إضافة الى ما يفعله وباء كورونا‎”.‎
‎ كما ان المطران عودة سأل بدوره “لماذا كل هذا التردد والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ ‏الوطن الجريح والشعب الكسيح ؟ ولم كل تلك الإجراءات الخانقة والعراقيل الواهية؟‎”.‎

Comments are closed.