الأحد, نوفمبر 24
Banner

قوننة الـ 1515… هفوة أم مؤامرة؟

كتب خالد ابوشقرا في نداء الوطن : الفرحة بصدور قانون “الدولار الطالبي”، قابلتها غصّة دستورية كفيلة بـ “خنق” النظام الاقتصادي الحر وتشريع كل ما هو مخالف لقانون النقد والتسليف. وبدلاً من ان “يجبّر” المشرّعون تجاوزات السياسة النقدية القائمة على التعاميم “كسروها”، وشرعوا الباب واسعاً لتجاوزات “نقدية” سيدفع ثمنها المواطن وقطاع الاعمال.

بعد طول انتظار وقّع رئيس الجمهورية يوم الجمعة الفائت بتاريخ 16 تشرين الأول 2020 القانون رقم 193 الصادر عن مجلس النواب، الذي أصبح معروفاً بـ “الدولار الطالبي”. بيد ان القانون الذي أتاح تحويل 10 آلاف دولار من حسابات الطلاب أو حسابات أولياء أمورهم، أو ممن لم يكن لديهم حسابات في المصارف بالعملة الأجنبية أو الوطنية… وَقَع، عن قصد أو عن غير قصد، في مطب تحديد سعر الصرف الرسمي، وشرّعه بقانون نافذ. حيث أشارت مقدمة القانون ومادته الاولى بوضوح لا لبس فيه، إلى ان “المصارف العاملة في لبنان ملزمة بصرف مبلغ 10 آلاف دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي للدولار 1515 ل.ل”.

تكريس سعر صرف رسمي

المفارقة ان الـ 1515 والذي لم يعتبر قانونياً سعراً رسمياً في يوم من الأيام، لأن المادة الثانية من قانون النقد والتسليف تنص على ان قيمة الليرة اللبنانية يحددها القانون بالذهب الخالص. وبما ان تلك المادة لم تطبق، وفي ظل غياب النص فإن “ما يجب ان يحدد سعر العملة هي البورصة او حجم العرض والطلب على الليرة اللبنانية في السوق”، يقول المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن. الأمور ظلت مستمرة على هذا النحو لغاية الأمس القريب حيث كرس إقرار قانون الدولار الطالبي الـ 1515 كسعر صرف رسمي لليرة مقابل الدولار بحيث نص القانون 193/2020 على ان الـ 1515 هو “سعر الصرف الرسمي للدولار”. وبحسب الخازن فان “هذا القانون أعطى القضاة المعيار المفقود والحاسم لتحديد سعر الدولار مقابل الليرة. وسيتحول سريعاً إلى مرتكز للفصل في دعاوى إثبات العرض والايداع بين الدائنين والمدينين بالدولار، والتي تهطل مثل المطر على المحاكم”.

وفي هذه الحالة فان من شأن أي مدين بالدولار، سواء كان فرداً أم شركة، مستأجراً أم تاجراً، مشترياً لاي عقار او موقعاً لعقد بالدولار الاميركي… يتعرض لرفض الدائن تسديد الدين على سعر 1515 ان “يجري معاملة عرض وإيداع لدى كاتب العدل ويرفقها خلال مهلة 10 أيام بدعوى إثبات العرض والطلب” يقول الخازن. “ومع تحديد القانون سعر الصرف الرسمي أصبح لزاماً على القضاة الاحتكام اليه وتطبيقه. وبالتالي الحكم لصالح المدين، وإبراء ذمته. وهذا الامر، وان كان غير عادل، فانه اصبح قانونياً”.

التجاوزات في هذا القانون لا تقف عند حدود تشريع سعر رسمي للصرف، ومناقضة مقدمة الدستور اللبناني التي تقول في الفقرة (و) ان “النظام الاقتصادي حر یكفل المبادرة الفردیة والملكیة الخاصة”، انما تتخطاها إلى التمييز بين المواطنين. فهو يميز أولاً بين الطلاب انفسهم لجهة الطلاب القدامى والطلاب الجدد. ويميز ثانياً بين الطلاب وبقية شرائح المجتمع. وعلى هذا الأساس يمكننا التساؤل عن حيثيات تشريع دولار مدعوم للطلاب وحرمان المرضى من الدولار الطبي مثلاً، أو المستاجرين في الخارج من دولار مدعوم لتسديد بدلات ايجارهم او ضرائبهم، أو غيرها الكثير من الحالات. وعلى الرغم من مخالفته الدستور فان الخازن يشكك في ان “يجتمع 10 نواب لتقديم طعن فيه أمام المجلس الدستوري لان هذه الخطوة غير شعبوية، ومن شأنها تأليب الرأي العام ضدهم. وعلى هذا الاساس سيصبح القانون نافذاً فور نشره في الجريدة الرسمية. ولن يتم الطعن به”.

التجاوزات القانونية، الاستنسابية المصرفية وسَوق الاقتصاد بالتعاميم تارة، وبقوانين غب الطلب تارة أخرى، ستستفحل كل يوم اكثر من الآخر. وطالما لم يقر بعد قانون واضح، صريح وشفاف لتقييد الرساميل “الكابيتال كونترول”، فان “باب المخالفات سيبقى مشرعاً” برأي الباحثة الاقتصادية د. ليال منصور. “وستحرم الطبقات الأضعف من المودعين والمتعاملين مع المصارف من العدالة. في الوقت الذي تُحمى فيه الرساميل الكبيرة التي تمثل ما نسبته 1 في المئة من حجم الودائع المصرفية”. وبرأي منصور فان “الاستمرار في التمييز بين شرائح المودعين يخالف مبدأ “تكلفة الفرصة البديلة”. حيث تحمل كل وديعة قصة تضحية ما، وتمثل أهمية خاصة بالنسبة إلى صاحبها. وعليه لا يجوز بأي شكل من الاشكال إعطاء الافضلية لوديعة على حساب أخرى. لكن مع الأسف فان هذا الواقع يُضرب بعرض الحائط، ومن الصعب التوصل قريباً برأي منصور إلى قانون لـ”الكابيتال كونترول”، “لانه ببساطة سينصف 99 في المئة من المودعين. وعندها لا يكون استثناءً”.

في الوقت الذي لا ينكر فيه احد أو يتنكر لحق الطلاب بفرصة عادلة لاكمال علمهم في الخارج، يُؤخذ على القوانين استنسابيتها وعدم عدالتها. وكما يحق للطلاب الحصول على فرصة، يحق لبقية شرائح المجتمع بفرص مماثلة. وهذا ما لن يتحقق إلا بعودة الاستقرار النقدي المبني على الإصلاحات وعلى تدفقات نقدية بالعملات الاجنبية من صندوق النقد الدولي، تعيد الثبات إلى سعر الصرف وتعطي الجميع فرصاً متساوية.

Comments are closed.