السبت, نوفمبر 23
Banner

فلسطينُ بينَ الحبرِ والدَّم!! … بقلم جهاد الشوفي

فلسطينُ في ذاكرتِنا الثقافيّةِ والعشْقيَّةِ، حالةٌ مرضيّةٌ ( حميدَةٌ ) غيرُ قابِلَةٍ للشِّفاءِ. هيَ رفيقتُنا التي تتمشّى في أزقّةِ الفقراءِ، وطفلُنا المدلَّلُ الّذي نصلِّي لهُ بِلغاتِ الأؤضِ وجهاتِها كي لا يموت… هيَ حبُّنا (السورياليُّ) الّذي تهافَتَ شُّعراءُ الكلام عليه، وأسْرَفوا في استِغلال الحبْرِ النّاشِفِ والسَّائلِ، وسالَ على ألْسِنَتِنا جميعاً، أكثرَ من المدائحِ النبويَّةِ وتراتيلِ الميلاد.

ماذا جَنَتْ فِلَسطينُ من هذا الشِّعرِ وهذا الكلام؟

اجْترَحَ الشُّعراءُ لِهذِه الأرْضِ حبّاً خرافيّاً نالوا عليه جوائزَ ” شغف الإبداع” .

كانت فلسطينُ تنْحَبُ ، في حين كان الشَّاعرُ يكسَبُ رضا الآخرينَ ويُمَرْمِغُ يَدَهُ على لحى عَفِنَةٍ، ولمْ يستَطِعْ واحِدٌ منهم مهْما تطاوَل في البلاغةِ ، أنْ يعْبُرَ حاجِزا معادِياً، أو أنْ يردِيَ جُنْدِيّاً يهودِيّاً حتَّى في نومِهِ .

كان شِعْرُنا عن فلسطين ، تماما ، كالزّيتونِ المتَساقِطِ على الأرْضِ ، يسْتَقِرُّ مِن عامٍ إلى عام، لا الفلّاحُ يستَفيدُ منْهُ، ولا تحْتاجُهُ الأرْض.

مُعظمُ حكّامِنا يصَفِّقون لِشُعَرائنا بِخُبْثٍ، وشُعراؤنا يصَفِّقونَ لخطاباتِهِم بِمَكْر، وكثيراً ما كانوا يلْتَقون حولَ خَصْرِ عاهِرَةٍ في نادي الزِّيف العربيّ، الخزْيِ العربيّ والعهْر العربيّ … فإذا كان الحاكِمُ ” مسْتزْلِماً ” ورخيصاً ، فهذا لا يمْنَحُ الشَّاعرُ صَكَّ البراءةِ لِيكونَ مِثْلَهُ… وشُعراءُ ” الموائِدِ ” كثيراً ما اقْتاتوا منْ لَحْمِنا ، وشَرِبوا مِنْ دَمِنا !

وحْدَهُ كانَ صاروخُ ” الكاتيوشا” مهضوماً بحيْثُ تفَوَّقَ على عشراتِ آلافِ القصائِدِ الموضَّبَةِ في الدَّواوينِ الأنيقةِ، وبصْقَةُ طِفْلٍ فلسْطينيٍّ في وجْهِ يهودِيٍّ قَذِر، سَحَقَتْ تراثَنا الشِّعريّ والخطابيّ… وحدَّدَت وجْهَةَ الاستِعمال الصَّحيحة لمفهوم الكرامةِ!

وحدُهُم المقاومونَ الّذين باحوا بالحبِّ وبالشَّوقِ، ومع كلِّ نقطَةِ دمٍ حمْراءَ مضيئةٍ ، تسلَّلَتْ من مناضِلٍ، أو مُقاتِلٍ ( جريحٍ أو شهيدٍ) ، كنَّا نسجِّلُ قصائدَنا الحقيقيَّةَ ، محصوداً راقصاً ، بديعَ الحضورِ، في مناسِكِ العزِّ.

المقاومون… انتزَعوا شرَفَ الرِّيادةِ، وستروا عنَّا وإلى وقتٍ طويل، رداءة الموت مع ديدانِ الثّْرثرة…

المقاومةُ وحدَها، دعتْ قوْسَ قُزَحٍ إلى المرْقصِ…وأشعلَتْ في هذهِ الأرضِ زيتاً مقدَّساً ، يتباركُ بهِ ممَّنْ لا أعرِفُ أسماءهُم، ورسَمَتْ لَنا صورةً للإِله الطيِّبِ بأسمائه الحُسْنى مكتمِلة.

المقاومةُ ، عن سابِقِ تصوُّرٍ وتصْميم، أسماءً ناصِعَةً في ديوان الشّرَف، فترنَّحَ الحِبْرُ ونَبَرَ الدَّمُ ، فتنَدَّى جفافُ هذهِ الأرْضِ في ارتِواءٍ لا حدودَ لَهُ . وذلك في وقتٍ يترنَّحُ فيه ” حُثالَةٌ كُثُرٌ ” وتتأرْجَحُ الخيانَةُ أمامَ جباهِهِم ، لأنّهم يدافعون َ عن ذُلِّهِم وعارِهِم، والمقاومةُ تُدافِعُ عن فخْرِنا وعِزِّنا … وبلادِنا.

فِلَسْطين هي كَلِمَتُنا الغاضِبَة في لحظةِ العشْقِ، وسنَلْكُمُ في القلْبِ مَنْ يَمُدُّ يدَهُ إليْهَا.

سَقطَ الحِبْرُ ، وأضاءَ الدَّمُ.

Leave A Reply