السبت, نوفمبر 23
Banner

مركز الأبحاث في العلوم الاجتماعية يقارب الأبعاد السوسيولوجية للمجتمعات التعدّدية في مناهضة التطبيع

بحضور رئيس مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية البروفسور حسين أبو رضا، افتتح مختبر علم اجتماع المعرفة والثقافة باكورة نشاطاته العلمية برئاسة منسق المختبر البروفسور غسّان طه بندوة علمية حول “المجتمعات التعدّدية ومناهضة التطبيع – قراءة سوسيولوجية” نظّمت عبر منصة CRSS-UL – MS Teams، بمشاركة نخبة من الباحثين من لبنان والعالم العربي، وبحضور ما يزيد عن خمسمائة من أساتذة وباحثين وطلاّب من مختلف الاختصاصات الأكاديمية والبحثية.

قدّم الندوة وأدارها منسّق المختبر بروفسور طه، واستهلها بالترحيب بالمشاركين والحضور ومن ثمّ بالتقديم لكل من الأساتذة المتحدثين.

البروفسور غسّان طه

أكّد منسّق المختبر أنّ قضية الصراع مع العدو الصهيوني هي قضية قيميّة بامتياز، معتبراً أنّ ثمّة رهانات على هذا الصراع في المجتمعات ذات التعدديّة الدينية، مشيراً إلى أنّ المشروع الصهيوني مال للانحدار منذ كامب ديفيد وحتى اتفاقيّات التطبيع في وقتنا الرّاهن، ولكنّه كان ولا يزال يحظى برفض لمحاولات الاستسلام والتطبيع على مستوى الشعوب العربية. كما وضّح بروفسور طه أنّ ما يكتب من دراسات حول المقاومة والسلام والتطبيع يكشف عن أن ثمّة طغيانا في الدراسات التي لا تتحدّث إلا عن استمرار الضعف والتخلّف وإشاعة ثقافة انعدام وضعف الثقة بالنفس، لافتاً أنّ هذا الرفض على مستوى الشعوب كان ولا يزال يبرز من خلال الوجدان الشعبي من شعورٍ معادٍ للكيان الصهيوني في مصر وفي الأردن وفي كل العالم العربي.

وأضاف طه “هل هذا الشعور هو نتاج مشاريع التطبيع الراهنة؟ وهل بات يختزن الكثير من الشعور باليأس والإحباط والمرارة جراء الانحدار إلى مشروعات التطبيع حالياً، ودون أن يسمح بالماضي أيضاً، دون أن يسمح لهذا الوجدان الشعبي أن يقدّم تجربته كما قدمته المقاومة في لبنان”، فالصراع بحسب رأيه “قادته الأنظمة التي وجدت مساندة من شعوبها، ولكن لم يترك لها خيار المبادرة لخوض هذا الصراع”.

وفي هذا الإطار طرح منسّق مختبر علم اجتماع المعرفة والثقافة على المتداخلين عدداً من الأسئلة تمحورت حول الكيفية التي يمكن لقوى المقاومة تقديم خطاب وحدوي النزوع، يشمل الخصوصيات الثقافية والدينية والقومية دون إلغاء هذه الخصوصيات؟ كما طالت الهويات والتعدديات التي تعيش حال من الانكفاء جراء الحفاظ على الخصوصيات، مستفسراً عن الممكنات التي تمكّنها من مواجهة التطبيع؟ وترك لضيوفه الإجابة عن “كيفية العمل للانتقال من ثقافة العجز والضعف المترّسخة في وعي البعض من مثقفي الاستسلام، إلى ثقافة الاعتداد بالذات والشعور بالمنعة والقوّة التي تمكّن شعوبنا من المواجهة والتحدّي؟ متسائلاً عن أولويات المثقّف عندما يكون جزءاً من هذه التحدّيات وفي صلبها على صعيد المواجهة، وليس منعزلا عنها في برج عاجي موضّحاً أهمية ارتباط هذه الفكرة بحياة الناس وإلاّ تغدو بلا قيمة”.

البروفسور حسين أبو رضا

أشار رئيس مركز الأبحاث في المعهد أنّ مختبر علم اجتماع المعرفة والثقافة، يناقش اليوم موضوعاً قد يثير التساؤلات حول تسمية المجتمعات المتعدّدة او المتنوّعة بحيث يحتمل عنوان هذه الندوة الاتجاهين، آملاً بأن تكون المجتمعات متنوّعة بالفعل، ولكنها أيضاً يمكن ان تكون متعدّدة، من خلال البعد الثقافي والمعرفي، ولا سيّما وأنّ مفهوم التطبيع يأخذه حيزّه الراهن في إطار الحراك الثقافي داخل مجتمعاتنا العربية واللبنانية.

واعتبر أبو رضا أنّ المقاربات السوسيولوجية لهذا الموضوع، يتطلّب من الباحث تفكيك المفهوم إلى قضايا فرعية من خلال متغيراته الخاصة وبالطبع من خلال مناهج العلوم الاجتماعية. والعمل بربط هذه القضايا بالبنى الاجتماعية الخاصة في مجتمعنا اللبناني أولاً والمجتمعات العربية ثانياً. فهذا المفهوم قد غزى مجتمعاتنا العربية من خلال الضغط الإعلامي المسيّس والموجه من جهة، ومن خلال سطوة الأنظمة السياسية التي تروج له من جهة ثانية، ويبدو أنها تمهد لمفاهيم لا تقل خطورة عنه.

ورأى رئيس مركز الأبحاث “أنّ المقاربة الثقافية لا تستبعد بالضرورة، وتحت حجة الحيادية العلمية، أن يتخلّى الباحث عن أيديولوجيته الخاصّة في ظل تداخل السياسي بالثقافي، وهيمنة أيدولوجية السلطة عليه” معتبراً أنّ مفهوم التطبيع كما هو مطروح حالياً من قبل مثقفي السلطة، يمارس من خلاله عنف الفكر وصولاً إلى الاستلاب الثقافي والانكسار المعرفي، لاعتقادهم بأنّ الشعوب داخل هذه المجتمعات تعيش غيبوبة فكرية وهزيمة ثقافية.

وتساءل أبو رضا عن “نظرة العدو الإسرائيلي لمفهوم التطبيع؟ وعن تقبّل البنية الاجتماعية داخل هذا الكيان لهذا المفهوم؟” نافياً برأيه هذا التقبّل، معتبراً أن مفهومهم للتطبيع مختلف كلياً. لذلك يجد رئيس مركز الأبحاث أن هذا المفهوم قد يبدو للبعض سياسي أكثر منه ثقافي، لذلك لا بدّ من مقاربته من خلال علمية تخصيب وتفكيك وتنضيد من خلال المناهج والتقنيات العلمية لا السياسية.

البروفسور نايف جراد

تناول مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي في مداخلته “الدلالات والأبعاد الجيوسياسية الاستراتيجية للتطبيع مع الكيان الصهيوني “انطلاقاً من اتفاقيات التطبيع الأخيرة، التي وقعتها الامارات العربية والبحرين والسودان والمغرب مع دولة الاحتلال الصهيونية برعاية وشراكة أميركية”. مبيّناً تطوّر مفهوم التطبيع حديثاً، كتعامل دولة الكيان الصهيوني بشكل طبيعي، كما لو كانت دولة طبيعية في الوطن العربي تشترك مع العرب في التاريخ والجغرافيا والثقافة والحضارة واللغة وغيرها!

واعتبر جراد “أنّ هذه الاتفاقات الجديدة جاءت بعد أن أفصح الكيان الصهيوني عن مخطّطه بضم بقية الراضي الفلسطينية لسيادته ورفضة حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني على أرضه وبعد الحصول على الاعتراف بالقدس عاصمة له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد شرعنة الاستيطان وضم هضبة الجولان وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين”.

وبحسب البروفسور جراد، فإنّ اتفاقيات التطبيع في مرحلتها الثالثة تظهر قطعاً مع مسيرة دعم الشعب الفلسطيني وسوريا ولبنان لاستعادة أراضيها المحتلة، وتحصر حقوق الفلسطينيين في حقوق مدنية ودينية في إطار السيادة الإسرائيلية. كما فنّد التطبيع بوصفه مطلب تاريخي وهدف سياسي استراتيجي إسرائيلي، توّج بعقد تحالفات استراتيجية وتشكيل نظام إقليمي سياسي وأمني جديد، بوهم الاستثمار والاستقواء بإسرائيل لحماية امنها من عدو مفترض، ألا وهو إيران. وهو ما يُعتبر بمثابة تهديد وجودي للمشروع الوطني الفلسطيني من خلال استبدال الرواية الفلسطينية والعربية الإسلامية بالرواية الصهيونية الزائفة وتكريس ثقافة الهزيمة في مواجهة ثقافة المقاومة. أمر يطرح بحسب جراد أسئلة حول إمكانية وكيفية النجاح في مواجهة هذا المشروع؟

في هذا الإطار، يرى مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي أنّ الإجابة على هذه الأسئلة تتطلّب عملاً تراكمياً، يحتاج بناؤه الى روافع وفتح مسارات جديدة والى تشكيل حراكات اجتماعية، كما إلى اجادة استثمار آليات الاتصال الفعّالة، والسوشيال ميديا والدبلوماسية العامّة والشعبية والرقمية. مسألة تحتاج نقل فكر وثقافة المقاومة من النظرية الى الممارسة العملية عبر رفع مستوى وعي الجماهير وتسليحها بالأمل، ويرى البروفسور جراد أنّ مراكز الأبحاث والدراسات والمنابر الإعلامية الجادة تستطيع أن تلعب دوراً مهماً على هذا الصعيد.

البروفسور حسين رحّال

تناول رحّال فكرة الهوية في المجتمعات المعاصرة، والتي من الممكن أن تحمل أبعاداً متعدّدة. بحيث يُمكن للإنسان، أو القومية، أو الجماعة أو لأي فئة طائفية أو عرقية أو غير ذلك أن يكون لديها مجموعة من الانتماءات في الوقت نفسه. فالهوية تُبنى كما ذكر بروفسور رحّال، جزء منها قار مستقر، مستمر، مستدام، ومنها ما هو قابل للبناء. وبرأيه إنّ “أي مشروع ناجح يكون بمقدار ما يضفي إلى الأبعاد المتعدّدة للجماعات المنضوية تحته، بعداً ومجالا مشتركاً”.

وأشار بروفسور رحّال إلى أنّه “لدينا تنوّعات فريدة في هذه المنطقة، ولدينا مجال ثقافي وحضاري مشترك بُني على مدى مئات السنين، ولدينا خصوصيات ثقافية، طائفية وعرقية، وأيضا لدينا مجالات مشتركة”. معتبراً أنّه “عندما نتحدّث في منطق الإثنيات والاقليات، نخطئ باستخدام البراديغم، أي النموذج الإرشادي أو الإطار المرجعي الغربي. وبالتالي، نتغاضى عن وجود هذه المشتركات العديدة في مجتمعاتنا المشرقية”.

كما اعتبر رحّال، أنّ لدينا اكثريات، أكثرية عربية وفيها المسيحيون، وطوائف أخرى غير إسلامية، ولدينا أكثرية إسلامية. وبرأيه، حصلت المشكلة عند تدخّل الغرب، ومنذ عهد المسألة الشرقية تفاقمت المشكلة لدينا كثيراً”. ولم يُغفل أنّه “لدينا مشكلة داخلية هي الاستبداد السلطاني باسم الدين وغيره”.

ورأى البروفسور رحّال أنّنا “نعيش ما يسميه نيون كارل براون الذي أخذ عنه حسن النقيب في كتبه المعاصرة، فكرة مهمّة هي الاختراق الغربي في العالم العربي وبلدان المشرق والعالم الثالث ككل، يمكن أن تعطينا نموذجاً نقيس فيه العلاقات الداخلية، حتى الاستراتيجيات والقرارات الداخلية لا تستطيع الدولة الثالثة أن تقوم بها إلا برعاية الأجنبي، وإن كانت مستقلّة شكلياً”.

وخلص أنّنا اليوم أمام تشريع للهويات المغلقة التي قد تؤدّي أن نصبح هويات متقاتلة تدمّر بعضها البعض في حرب انتحارية دائمة مئة سنة، أو أن يكون لدينا مشروع نهضة. معتبراً أنّ “الحفاظ على الهويات في مجال ثقافي وسياسي في مشروع واحد، أمر مرهون بمشروع مقاومة حقيقية للكيان الإسرائيلي. خارج هذا المشروع سنصبح أحزابا تتقاتل داخل طوائفها، ونصبح هويات مغلقة في حرب تناحرية دائمة. لا خيار لنا سوى رفض التطبيع، والمقاومة، وفرض نموذج حقيقي في النمو الاقتصادي، والتنمية، والاستقلال الثقافي والتفاهم، وبناء توافقات محلية على حساب التدخّل الخارجي، ومن دون ذلك نحن ذاهبون إلى تقاتل دائم، وإلى احتكام لصراع يقضي على كل الهويات باسم الحفاظ على الهويات”.

البروفسور غسّان الخالد

يختلف برأي الخالد الحديث عن مقاومة التطبيع، بين شريحة اجتماعية وأخرى، وتلعب عوامل عديدة في الوجدان الشعبي دورها في هذا المجال، ومنها: الدين، والإعلام، وطبيعة نمط الحياة السائد، إضافة إلى دور السلطة السياسية، مع عامل أساس ومهم يتعلّق بوعي الضرر الناتج عن التطبيع، والمرتبط بشكل أو بآخر بالأيديولوجيا باختلاف أبعادها، دينية كانت أم سياسية.

ورأى الخالد ضرورة التمييز بين الثقافة المقاومة وثقافة المقاومة، مع أنَّ الفرق بينهما قد يكون محصوراً في نقطة واحدة ربما، ألا وهي مأسسة المقاومة، بهذا المعنى تصبح ثقافة المقاومة الأكثر جدوى من الثقافة المقاومة. كما لخّص العوامل المؤثرة في الوجدان الشعبي بثلاث قوى: القوة الصلبة أو العسكرية، القوة الاقتصادية، والقوة الناعمة. مشيراُ إلى وجود شبه إجماع على أنَّ تأثير القوة الصلبة بات أقل جدوى من القوة الاقتصادية والتي تُمارَس من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، وما نسميه تجويع الشعوب كعامل مؤثر في تفكيك بنيتها، مترافقة مع القوة الناعمة والمقصود بها الإعلام طبعاً بمختلف وسائله، حتى ولو كانت مُفبركة في الغرف السوداء.

أمر بحسب الخالد يترافق مع زرع نخب سلطة فاسدة بغية دوام الإمساك بالقرار السياسي، ورأى أنّ منسوب الخطر يرتفع في ظل الصراع الهوياتي المصطنع، حيث يعمل العدو على تبديل القيم السياسية وتحويل الصراع معه، بإيجاد عدوّ بديل وفي أغلب الاحيان عدوٌّ وهمي، لافتاً إلى محاولة العدو أثناء تعميم ثقافة مقاومة التطبيع الدخول إلى هذه الذاكرة بغية فكفكتها أو تفكيكها. ما يتطلَّب زيادة في الحرص والاحتياط لمنع هذا التغلغل. وللتأثير على ما يريده من تطبيع مع الناس من خلال تفكيك الوجدان الشعبي، وهنا تبرز أهمية الذاكرة التاريخية في إبقاء الوجدان الشعبي متحفزاً ضد التطبيع.

من هذا المُنطلق اعتبر البروفسور غسّان الخالد أنّ الوجدان الشعبي تراكمي، خاضع لتبدُّل الأولويات، خصوصاً في الحقل السياسي، ما يجعل مقاومة التطبيع شأناً غير ذي أولوية أحياناً، لكنَّه سُرعان ما يتم استحضاره ليصبح أولوية. لذلك يرتبط هذا الأمر ارتباطاً وثيقاً بطبيعة البُنيَة الاجتماعية وتنوُّعها في الدولة، وهنا بالذات تكمن أهمية تعميم الثقافة المقاومة، وتهيئة الشروط الموضوعية للتعميم ونجاحه، وهو ما لا يحصل إلاَّ في الدولة المقاوِمَة وهو ما نفتقده.

الدكتور منير مهنا

قارب مهنا تأثير الهويات الدينية على مجريات الصراع مع العدو الصهيوني، معتبراُ إنّ المشكلة التي نراها لا تتعلق بحقيقة الدين بل بواقع تلك الحقيقة عندما تدخل حيّز الممارسة والتطبيق، حيث تخضع النصوص والمعاني الدينية الى تأويلات وانزياحات واجتهادات تصل الى حدّ الإعماء عن الحقيقة الأصلية، ويُعاد إنتاج الحقيقة على غير معناها ومغزاها ليظهر التنافر والاختلاف بدلاً من التجانس والتكامل.

واعتبر مهنا أنّ التعدّدية الدينية ثروة يغتني بها أي مجتمع، ولحفظها يجب أن نبعدها عن رهان السياسات وصراعات قوى المصالح كي لا تنقلب من نعمة الى نقمة كما هي الحال اليوم حيث أفرط قادة الجماعات الدينية في استثمار الدين لخدمة السياسة وتوظيفه في سياقات وتناقضات أبعدته عن روحه ومعناه. لافتاً إلى أنّ حركية الصراع تحتاج الى نموذج مرجعي يحدّد رؤيتها وأهدافها وأساليب وأدوات عملها والأهّم هو ما ستؤول اليه نتائجها. وهو ما يراه مهنا في اعتماد النموذج المرجعي الذي يُعيد للإنسان معنى هويته وانتماءه الى مواطنية لا تمزقها الصراعات الدينية ولا العصبيات الأثنية والمذهبية.

الدكتور سماح ادريس

رأى رئيس تحرير مجلة الآداب أنّ التطبيع متعدّد ومتشعّب الارتباطات، ومنها ارتباطه بالإعلام الرسميّ العربيّ، فذرائعُ التطبيع منتشرةٌ على الفضائيّات تحت ستار “الرأي الآخر” و “حريّة التعبير. وبالتالي فإنّ محاربة التطبيع تكون بمحاربة هذا النهج الإعلاميّ الذي يسوِّق التطبيعَ على أنّه محضُ حوارٍ مع “آخر،” لا مع محتلٍّ ومستعمِرٍ ومهجِّر. معتبراً أنّ واجبُ المثقّف الذي نطمح إليه، هو أن يرسِّخ مقاومةَ دولة الاحتلال في المجالات كافةً، وعلى رأسها المجالُ الإيديولوجيّ، كي لا ينتشرَ الزعمُ أنْ لا عداءَ إيديولوجيًّا معها وأنّ “مشاكلَنا” معها تُحلّ بالتزامها المبادرةَ العربيّة في قمّة بيروت.

كما أكّد ادريس، على ضرورة فضحُ الشعارات التطبيعيّة الرائجة إعلاميًّا، وربّما ينبغي برأيه تكريس مراصد ثقافيّة-إعلاميّة للردّ على تلك الشعارات. لافتاً إلى ارتباط التطبيع بفكرٍ ليبراليٍّ ماكرٍ يَعْزل الأكاديميّين الإسرائيليّين عن المؤسّسات التي يعملون فيها، وهي في الوقت ذاته ضالعةٌ في قمعنا عبر وسائلَ متعدّدة، أشرسُها الإسهامُ المباشرُ في دعم الجيش الإسرائيليّ. لذلك رأى ادريس أنّه يقع على عاتق المثقف المنشود مسؤوليّةُ وضع الأكاديميا الإسرائيليّة، عمومًا، في سياق الاحتلال والاستعمار، وفي سياق تبريرِهما.

وبيّن رئيس تحرير مجلّة الآداب ارتباط التطبيع بقطاع التربية، واعتبر أنهّ يجب على العاملين في الحقل التربويّ، وهو حقلٌ ثقافيٌّ بامتياز، تدريسُ تاريخ الصراع مع العدوّ بشكلٍ واسع، بعيدًا عن فزّاعة “تسييس التعليم.” لافتاً أنّ للتطبيع حواملُ سياسيّةٌ وحزبيّة وأنجيأوزيّة. لذا تكون وسائل محاربته بانخراط المثقّفين الوطنيّين في حملات المقاطعة ومناهضةِ التطبيع، والعملِ على نشرِ مبادئها وترشيد أدائها إذا اقتضى الأمر.

واعتبر أنّه ينبغي على مثقفنا، عدمُ الإسهام في تطييف التطبيع ومذهبتِه، ولا في تطييف مقاومة التطبيع ومذهبتِها، لذلك رأى أنّ تديينَ الصراع مع العدوّ يَفتح المجالَ أمام التطبيع من بوّاباتٍ مزيّفةٍ، عنوانُها “حوارُ الاديان” و “وحدةُ الديانات الإبراهيميّة”، لافتاً أنّ أولويّةَ محاربةِ “إسرائيل” وعزلِها ينبغي أن تعلو فوق أيّ تكتيكٍ أو تحالف.

ورسم سماح ادريس سقفًا أعلى بكثيرٍ من سقف المبادرات البائسة التي تنشد مقاومة التطبيع، وتلك التي تدعو إلى مقاومةَ المشروع الصهيونيّ ككلّ، وهي المبادرات المرتبطةٌ في أذهان كثيرين بـ”تأجيل” معركة التغيير الداخليّ، أيْ تأجيل القضاء على الفساد والطائفيّة والقمع والاستغلال الاقتصاديّ-الاجتماعيّ. لذلك رأى من واجب المثقف المنشود، أن يَربط دومًا بين المعركتيْن؛ علمًا أنّ “ترابُطَ التحرير والتحرّر” شعارٌ جذّابٌ لكلّ مَن يرفض أن تكون “الديمقراطيّة” بديلًا من التحرير القوميّ، أو أن تكون “مقاومةُ إسرائيل والاستعمار” شمّاعةً للمزيد من القمع والترهّل الداخليّيْن. ودعا ادريس إلى ضرورة تجديد أساليب مواجهة التطبيع باستخدام الإنفو غرافيكس والفيديو وغيرها من الأساليب أكثرُ جذبًا للجيل الشابّ.

خلصت الندوة بمشاركة الأساتذة والحضور من خلال أسئلة قيّمة للمحاضرين، توجّه بعدها منسّق المختبر البروفسور غسان طه بكلمة شكر لجميع المشاركين والمنظمين من الأساتذة وفرق العمل الإعلامية والتقنية التي جهدت لإنجاح هذا اللقاء الذي اختُتِم أيضاً بكلمة شكر من رئيس مركز الأبحاث البروفسور أبو رضا لجميع المشاركين والمنظّمين والحاضرين من طلاب وأساتذة جامعيين، معتبراً أن الإقبال الكثيف على التسجيل بهذه الندوة ـــــــــ فاق الـ 650 شخصاً ـــــــــ هو دليل على أنّ هناك متعطشين لهذه الحوارات والتفاعل المولّدة حكماً للمعرفة وإن كان هناك اختلافاً في الطروحات.

Leave A Reply