راجح الخوري – النهار
يعرف الرئيس سعد الحريري ان تشكيل الحكومة وسط التعقيدات والخلافات السياسية في لبنان، أشبه بسباق قفز الحواجز، وليس خافياً ان عملية التكليف هي أهون الحواجز، على رغم ما أحاطها من شروط وتعقيدات وتشكيك حتى من الرئيس ميشال عون، فما بالك غداً بالحواجز الأخرى التي عرقلت مصطفى أديب، وخصوصاً ان الحريري سبق له ان قال انه إذا لم يتمكن من تشكيل حكومة اختصاصيين فسيستقيل؟
وبالنسبة الى الإجتهاد حول أحكام الدستور من مسألة التكليف والتأليف، ودائماً عبر محاولة القول ان الإستشارات التي يريد عون ان يجريها قبل التكليف هدفها تسهيل التشكيل، وكي لا يضع الرئيس الذي تسميه الأكثرية النيابية التكليف في جيبه ويذهب في سياحة، فيستطيع عون دستورياً ان لا يوقّع على صيغة الحكومة التي يؤلفها الرئيس المكلّف، إذا لم يكن مقتنعاً بأن “من وقع عليه وزر التكليف والتأليف سيقوم بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح”، وسبق له ان كان شريكاً في التأليف ولم تلتزم حكومة الإختصاصيين الأخيرة لا بالإصلاح ولا بمعالجة الفساد، فماذا جرى؟ طبعاً لا شيء.
لكن عندما يعترف عون بأن السياسيين هم حماة الفساد، فكيف يقول لهم اليوم هذه مسؤوليتكم أيها النواب عن الرقابة والمحاسبة باسم الشعب الذي تمثّلون، وهو الذي يملك اكبر كتلة نيابية، وكيف يقول كلمته ويمشي، والى أين سيمشي عندما يعد بأنه سيقف في وجه مَن يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة؟
هذا تفصيل بعد ما سمعه اللبنانيون من صهره جبران باسيل عن الدستور والميثاق، ولكن ما هو أهم، ان الرئيس عون الذي هو حامي الدستور الذي أقسم اليمين عليه، أذهل اللبنانيين عندما أمطرهم بسلسلة من الأسئلة الساخنة، لكنها من حق المواطن والجواب عنها من واجب المسؤول، وهو المسؤول الأول!
كيف تسأل أين الإقتصاد الذي أكل مدخرات اللبنانيين وجنى أعمارهم؟ إنه عند الدولة التي ترأسها. وأين الخطة الاقتصادية ومَن أفشل تطبيقها، وأين برنامج الإستثمار العام ومَن أبقاه حبراً على ورق، وأين خطط “سيدر” ومَن تقاعس عن تنفيذها؟
الدولة وقطاعها العام وشعبويات سلسلة الرتب والرواتب وزواريب الإهدار وفنون النهب. ألم تقل فخامتك قبل أربعة اعوام ان الدولة منهوبة وانك ستستعيد الأموال المنهوبة؟ أوَلم تعد بعملية محاسبة ” accounting “، أين أصبحت ولماذا لم تخبرنا مَن يعطلها؟
أوَلم تسمع بيار دوكين يقول بعد لقائه المسؤولين السياسيين “ان لبنان غير قابل للإصلاح”؟ فماذا فعلت؟ أوَلم تقرأ ما كتبه ادوار غابرييل رئيس “تاسك فورس فور ليبانون” من أنه “لا يمكن تنظيف البيت بالممسحة الوسخة”، فماذا فعلت، وكيف تسأل عن رفع الدعم، والدعم من أموال الناس، لكن الدولة لا تضبط إستفادة الشعب دون سواه؟ أوَلم تقرأ عن تهريب الدواء والغذاء والمازوت والبنزين، فماذا فعلت؟
وتسأل أين خطة الكهرباء التي تنام في الأدراج من عشرة أعوام، وهي كانت دائماً من حصة “التيار الوطني الحر”، وأنه لم يحدد لها أي اعتماد أو اطار تنفيذي، رغم ما يقال انها كبدت الدولة نصف الدَّين العام، أي ما يصل تقريباً الى 50 ملياراً من الدولارات، ومَن الذي عطلها وكيف صُرفت كل هذه المليارات؟
وتسأل عن السدود، فلماذا لا تذهب الى سد المسيلحة مثلاً، وتسأل أين مشاريع الإصلاح التي عُرضت في قصر بعبدا ولم ينفّذ منها شيء، وتسأل وتسأل الناس الذين ينتظرون منك أجوبة عن هذه الإسئلة، وهي من حقهم لا من حق المسؤول، الذي إنْ لم يحاسِب، يستطيع على الأقل ان يدلنا الى الذين جعلونا، كما قلت، نصل الى خط النهاية؟
لا داعي لكل هذه الأسئلة، نحن نعرفها، على الأقل قدِّم لنا فخامتك إسماً واحداً أو لائحة بأسماء الذين يعطلون الإصلاح، كي لا يظل الشعب يصرخ : “كلن يعني كلن”، فيلاقيك في قولك إن السياسيين هم حماة الفساد!