السبت, نوفمبر 23
Banner

أرقام التضخم والغلاء مقابل كذب السياسة: لا شيء لنأكله

خضر حسان – المدن

لم تفلح اللقاءات المتكررة بين رئيس الجمهورية، ميشال عون، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، في إيجاد أرضية مشتركة للانطلاق منها لحل الخلافات التي تعرقل تشكيل الحكومة، التي تمثّل مقدمة لحلحلة الأزمة اللبنانية المتعاظمة منذ نحو عام.

وإذ تعكس الخلافات السياسية عدم وجود قرار محلي ودولي في إنقاذ لبنان، يبقى أن المؤكّد رغم المواقف الداخلية والعالمية، أن حجم الضرر الذي يصيب الاقتصاد اللبناني، لا يصطلح بتشكيل حكومة لا تملك برنامجاً مختلفاً تدير به البلاد. وهذا الموقف بادٍ بوضوح من خلال الاستمرار باعتماد أسلوب عشوائي في إدارة ما تبقّى من دولارات في خزانة المصرف المركزي.

غلاء وتضخّم

عمدت المنظومة الحاكمة إلى ابتداع أساليب لدعم السلع وتوفير الدولار بشروط معيّنة، بغية التخفيف من نتائج تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، إلاّ أن الفوضى أدّت إلى إفادة كبار التجّار وكبار الصرّافين من تلك الأساليب، على حساب المحتاجين الفعليين للدعم. فكانت النتيجة إخفاء أغلب السلع الغذائية والأدوية والمعدات الطبية، بغية رفع أسعارها بعد خلق معادلة زائفة بين انخفاض العرض وارتفاع الطلب.

تكامَلَت أدوار التجار مع السياسيين، بقصدٍ حيناً وبغيره حيناً آخر، لكن في الحالتين، ارتفعت الأسعار بما يفوق الـ400 بالمئة بين العامين 2019 و2020. أما بقاء معدّلات الأجور على حالها، ولجوء مصرف لبنان إلى طباعة كميات من الليرة بلا غطاء من العملات الأجنبية، ففاقَمَ نسبة التضخّم من 2.90 بالمئة في العام 2019 وصولاً إلى مستوى 84.9 بالمئة. وليس مستبعداً استمرار زيادة نسبة التضخّم مع عدم وجود مؤشرات على توفير الدولارات في السوق وإعادة مستوى العرض والطلب على السلع وعلى العملة الخضراء إلى سابق عهده.

ومما يزيد الوضع سوءاً، هو تلويح أرباب القطاعات الاقتصادية برفع الأسعار بصورة أعلى في المستقبل القريب، بدءاً من أسعار المحروقات والفروج واللحوم، وصولاً إلى الدواء. وما يفاقم القلق، هو التلويح بالتعتيم الكهربائي مع توقّف عملية تشغيل وصيانة معملي ديرعمار والزهراني، أو تخفيض نسبتها إلى معدلات دنيا، بفعل عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على القيام بهذا العمل بعد انتهاء العقد مع الشركة المشغّلة ورفضها التمديد من دون تلقّيها مستحقاتها البالغة 45 مليون دولار، والمطالبة بقيمة 60 مليون دولار لقاء التمديد لسنة واحدة.

وانقطاع الكهرباء يؤثر مباشرة على القطاعات الاقتصادية ولا يقتصر على حرمان المنازل من الإضاءة. فانقطاع التيار الكهربائي ذي الكلفة المتدنية مقارنة مع كلفة الكهرباء المنتجة من المولّدات الخاصة، يساهم في خفض أسعار السلع. وانقطاع الكهرباء يفسح المجال أمام المنتجين لرفع الأسعار بعد ارتفاع كلفة الانتاج. ما يُنذر بمزيد من الغلاء والتضخّم.

التحضير لوقف الدعم

طالت فترة دعم استيراد القمح والأدوية والمحروقات، واعتمدَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مهلة ثلاثة أشهر كمهلة زمنية لخلوِّ خزنته من الدولارات المخصصة للدعم. وبرغم إطالة المدة الزمنية، إلا أن الاعلان المسبق عن قرب انتهاء المخزون ووجوب رفع الدعم، سرَّعَ عملية رفع الأسعار، التي لم تجد من يلجمها، بفعل غياب الوزارات المعنية والأجهزة الرقابية.

على أن وقف الدعم أمر لا مفرَّ منه. لكن التساؤل الأبرز لم يعد يتمحور حول لحظة الصفر، بل عمّا بعد تلك اللحظة وعن مستوى الأسعار حينها. فمع وجود الدعم ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 402.3 بالمئة، فيما ارتفعت أسعار المشروبات الكحولية والتبغ بنسبة 392.5 بالمئة. أما الملابس والأحذية فبلغت نسبة ارتفاعها 559.8 بالمئة. وبالتوازي، ارتفعت أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 609 بالمئة، فيما أسعار الأثاث والمعدات المنزلية والصيانة الروتينية ارتفعت بنسبة 655.1 بالمئة. ويأتي الخوف المتزايد من انفلاش مروحة ارتفاع الأسعار، في ظل بلوغ سعر صرف الدولار في السوق السوداء حدود الـ9000 ليرة. ومن غير المستبعد ارتفاع سعر الصرف أكثر، إذ وصل في وقت سابق إلى 10 آلاف ليرة.

مواجهة سياسية عقيمة

تشير الأرقام والاحصاءات إلى المرحلة المقبلة التي ينتظرها اللبنانيون، وهي أصدق أنباءً من الوعود السياسية التي تسقط عند أول خطاب لأركان المنظومة. واللافت أن الخطابات السياسية الرنّانة غير قادرة على الصمود في وجه التحرك القضائي الداخلي والخارجي، والذي يُفترض أن يشكّل ضغطاً يكشف حقيقة اختفاء الأموال من البنوك، وإخراج ما يخص السياسيين وكبار المودعين منها.

وعلى خط آخر، تعجز محاولات رأب الصدع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المرتقب، عن تحويل نتائج إعادة هيكلة القطاع العام، من السلبية إلى الإيجابية. وهذه السلبية تعود إلى عدم وضوح الرؤية والمنهجية المعتمدة لاجراء إعادة الهيكلة، وهذا ما يؤثر على ما تبقّى من أموال للمودعين. وهذا الخوف لا يبدده الكلام المعسول والمطمئن لحاكم المصرف المركزي، فهو طمأنَ مراراً إلى أن الودائع بخير كما الليرة، فيما المودعون كانوا وما زالوا يخوضون معركة مع جمعية المصارف، من أجل الحصول على أموالهم.

يُقال بأن اللبنانيين لن يجدوا ما يأكلونه قريباً. هي حقيقة بالنسبة إلى بعض اللبنانيين، ومن زاوية أخرى ربما تكون عبارة مجازية لآخرين، لكن فيها شيئاً من الحقيقة، إذ أن إجبار المواطن على المفاضلة بين السلع وأسعارها لتحديد ما سيأكله وما لا يستطيع أكله، هو نوع من الحرمان. فكيف إذا حُرِم المواطن من أمواله ومن أهم السلع الضرورية لحياته اليومية؟

Leave A Reply