تحقيق غادة دايخ وكوثر عيسى
تصوير محمد قعفراني
حاريص “عروس الجنوب” هي بقعة من أرض لبنان الجنوبي الذي لم ينحنِ يوماً، وبعنوان آخر هي “بلد الغريب” لأنها حضنت كلّ غريب عنها في ظروفٍ قست على أبناء الوطن.
يقال قديماً كان “حرصتا” أيام الإحتلال وثبت اسمها على مرّ السنين حتّى اليوم بـ”حاريص” التي تحرص على الصديق والعلاقات الإجتماعية، وتعدّ هذه البلدة من البلدات الإسلامية عن عهد قديم جداً، فللبلدة مسجد يقارب عمره المئة والثلاثين سنة، ومن آوائل القرى التي بنَت حسينية يعود بناؤها لعام 1960 م.
رواية تثبت صحة تاريخ البلدة الإسلاميّ، إذ يوجد قطعة أرض في البلدة تُعرف بإسم “تين السبيل” وكانت سابقاً الطبابة ضئيلة والأمهات تنجب أطفالها في الحقول والأطفال يموتون من الجوع والفقر، وكانت احدى النساء في ذلك الزمن عندما تنجب طفلاً يموت لذلك نذرت نذراً بأنها في حال أنجبت وكبر طفلها ستترك أشجار التين “سبيلاً” لكل من يمرّ من الفقراء والأغنياء.
وتحقق النذر وسافرت المرأة، ومع مرور الزمن اعتاد الأهالي على تسمية هذه الأرض “تين السبيل”، وعند عودة أصحاب الأرض من السفر بعد أربعين سنة قرروا جعل الأرض مدفناً للأموات، وفي يوم من الأيام وأثناء حفر حفرة تبيّن وجود عدة قبور منفردة قديمة بداخلها جثث أموات دفنوا على الطريقة الإسلامية إلى جهة القبلة، الأمر الذي دلّ على أنّ القرية إسلامية أباً عن جدّ.
هي بلد العلماء والإجتهاد منذ زمن بعيد، عام 1958 كان للبلدة قاضي القضاة المرحوم المقدّس الشيخ يوسف الفقيه وكان المرجع وزعيم الحوزة ويملك كرامات كبيرة على مستوى لبنان والعراق وإيران والشرق الأوسط مترأساً القضاء الجعفري في لبنان، اعتمدت البلدة على المقام الديني الذي ظهر من خلال كبار العلماء المجتهدين أمثال المقدّس الشيخ محمد تقي الفقيه والمقدّس الشيّخ علي الفقيه.
واليوم من أشهر العلماء الشيخ مفيد الفقيه الذي نال رتبة الإجتهاد كما سالف آباءه وأجداده وجددّ بناء الحوزة العلمية الذي شاع ذكرها منذ قدومه من العراق إلى لبنان، وسميّت بحوزة النجف الأشرف حيث جمعت الكثير من النخب العلمائية وخاصّة أنها تشتمل على درس البحث الخارجي الذي يلقيه سماحته واستقطبت الكثير من منطقة جبل عامل، وهي تقدّم للمجتمع العاملي نخبة من العلماء المتقدّمين في مجال العلم الديني.
حاريص قرية من قضاء بنت جبيل محافظة النبطيّة، تبعد عن بيروت 100 كم وعن حدود فلسطين المحتلّة 15 كم فقط، ترتفع عن سطح البحر 700م، ويصل عدد سكّانها إلى 15 ألف نسمة.
تُعرف البلدة بإغتراب أبنائها العاملين في كافة المجالات، التجارة والصناعة والبناء، وهذا ما يعوّلون عليه لتأمين لقمة العيش ومتطلبات البلدة.
وفيها من العائلات: أحمد، فقيه، ناصر، حجازي، جواد، خليل، رجب، موسى، زهر، سعد، حسن، عسيلي، دمشق، مروّة، مالك، رزق، الرز، زلغوط، خواجة، صالح، رباعي، العلي، يحيى، نصور، دقيق، محسن.
تختلف حاريص عن غيرها بإمكانياتها الخاصة مع غياب الدولة فسياسة بلدية حاريص برئيسها السيّد أحمد تقوم على الإستعانة بالمقتدرين لإعانة الفقير والمحتاج.
أنجزت بلدية حاريص العديد بل الكثير مما يحتاجه أهل البلدة من شبكة مياه وبنى تحتية، طرقات، بيئة، رياضة، مساعدات عينية وطبيّة وغيرها، شرح تفاصيلها رئيس البلدية وأثنى عليها أهل البلدة.
قام أشخاص من آل احمد الخيّرين أمثال (الحاج سعيد علي أحمد – الحاج ناظم سعيد أحمد – الحاج علي علي أحمد -المرحوم الحاج أبو حسين علي أحمد – محمد علي أحم وأخوته – المرحوم أبو النور علي قاسم أحمد وأخوته) بإنجاز مشروع ضخم وهو بناء أكثر من ثلاثين وحدة سكنيّة شبه (فلل)، تصل مساحة البيت إلى 160 متراً تكمن طريقة البناء بإستطاعة المالكين بناء مساكن أخرى فوق البناء لأبنائهم في المستقبل، نظراً للوضع الإقتصادي الصعب، وكان النصيب الأكبر من المشروع لأهل حاريص المستقرين في مدينة بيروت بنسبة 65%، فكان هدف البلدية تشجيعهم للعودة الى القرية والإستقرار فيها، وقد قدّرت قيمة المشروع بحوالي أربعة ملايين دولار.
الخدمات في البلدية متوفرة 24/ 24 مؤكدين على أن “كبير القوم خادمه”، أمّ أهم إنجازات البلدية :
ـ فقد أنشأت البلدية شبكة كهرباء واسعة وشاملة تطال البلدة كلّها وتعدّ من أفضل الشبكات في منطقة الجنوب، وهي سبعة عشر محطة كهرباء تنتشر بإنارة كاملة.
شبكة الطرقات مفتوحة على كل البلد وتوسيع الطرقات الفرعية بأكملها، حيث تخطط البلدية لتزفيت الطرقات، معتمدة على مبدأ كلما وسّعت الطرقات كلّما قلّلت من الخسائر، يصل أقل عرض الطرقات إلى سبعة أمتار.
ـ زرع الشجر على الطرقات العامّة والفرعية، إذ يتم اعتماد زرع الشجر المثمر لإفادة المواطنين وليشعر المواطن أنه شريك في هذه الشجرة ليحافظ عليها، و تقوم البلدية بتوزيع دبس الخرّوب على الأهالي من جَني الشجر.
ـ أنجزت البلدية ملعب فوتبول دولي وقدّمته للجيش اللبناني تأثراً بالقضية العامّة واليوم تعيد تأهيله بمواصفات دولية رفيعة.
ـ إنشاء ثلاث حدائق عامّة مؤهلة مرتيّن وحديقة قيدَ الإنجاز، وبناء مدرسة للبلدة.
ـ تقديم المعونات الطبية ومعالجة المواطنين، أكثر من 1500 عملية للمحتاجين على صعيد المنطقة وجوارها على نفقة آل أحمد وبإشراف رئيس البلدية.
ـ مساعدات البعض من المتزوجين الجدد بتكملة بيوتهم وشقّ الطرقات الفرعية لهم.
بلدية حاريص هي البلدية الوحيدة التي لا تملك مركزاً لها بشكل رسمي معتبرين أن المركز يكلّف مبلغاً بحدود ثلاثمئة ألف دولار مما يقلّص من الصندوق، مفضّلين إنجاز مشاريع إنمائية تستفيد البلدة منها لذلك قدّم رئيس البلدية منزله لاستخدامه كمركز للبلدية.
قامت البلدية سابقاً بمشروع التعاونية الإستهلاكية الزراعية لصناعة المنتوجات المحليّة (العماد) حيث جمع المركز أكثر من ستّين فتاة مع إقامة دورات وزيارة معارض داخل لبنان وخارجه، مشجعاً الناس على الأكل من أرضنا الزراعية.
رئيس البلدية السيد عماد سليمان أحمد
بعد أن وجهنا رئيس البلدية بدورته الثالثة السيّد أحمد على إنجازات البلدية التي تحاول قدر المستطاع تأمين الراحة للمواطن جاء في كلامه أيضاً:” جربنّا عبر الدولة لكن لم نحصل على شيء فكان الإنجاز مجهود من البلدية (وبعض الخيّرين من عائلته الكريمة)، على مستوى المصالح الخاصّة يبقى من الصعب في مجتمعنا النمو والتطور، النفط والغاز موجودين ولم يقدروا على التخطيط لصيغة لإظهار هذه الثروة وإنعاش البلد وتقليل مستوى الدّين العام المتراكم، كلنا يعرف حجم الدولة ونحن كبلدية نشعر بأننا أنفع بكثير من دولتنا”.
من خمسة وعشرين سنة كان المشوار من حاريص إلى صور يأخذ أربعين دقيقة بسبب ضيق الطرقات بمساحة 4 أمتار والجوّر الكثيرة، واليوم أقصى حدّه 20 دقيقة نكون بهذا كسبنا الوقت لأن عامل الوقت هو تأمين المال.
وكلما تزفّتت طريق اليوم يعاد فتحها من جديد لمد شبكات وغيرها وهذه فيها خسارة وهدر وإستلشاء والذي لا يحافظ على المال العام يكون بذلك يقوم بهدر مال المواطن بعدم الإستفادة منه.
على الصعيد المحلّي نتمنّى أن يكون الناس على مستوى الوعي والتطور والإبتعاد عن الأنانيّة وليركز المواطن على مصلحة الجميع وليس على مصلحته الشخصية فقط.
“أتمنى وهذا أمر صعب بهكذا دولة وهو وجود أهم وزارة وهي وزارة التصميم والتخطيط التي يجب أن تعمل على مسح عام وشامل وكامل للطرقات قبل تنفيذ أي مشروع، والرجوع لهذه الوزارة دائماً قبل أيّ تخطيط”.
مختار حاريص علي ناصر من عام 2004 لدورتين (دورة انتخاب ودورة بالتذكية)
قال أن حاريص تمتاز بالإغتراب بنصف المجتمع، فيها نسبة غنى وفقر والأقلية للوسط، يتعاون أهل حاريص في الكثير من الأمور التي تحيي المحبة والإلفة وروح التعاون بينهم، لدينا أناس خيّرون من آل أحمد الكرام من وجهاء البلدة يقيمون المشاريع المهمّة منها مشروع سكني ضخم ويساعدون المتزوجين مادياً.
صوت الفرح إسمٌ على مسمّى ببرامجها وإجتماعيّاتها ولها جمهورها المثقّف، ونتمني أن تبلّغ عنا امنيتنا كلبنانيين بإبتعاد الإسرائيلي والظلم عن وطننا وأن تُحفظ حقوق اليتيم والمرأة أكثر.
السيّد نعيم أحمد
كل الجنوب فيه اغتراب وهو الذي يساعد أهالي المنطقة ففرص العمل متيسّرة في الخارج وأهل الجنوب أسسّوا عملهم خارج الوطن، بلدتنا جميلة بموقعها وكبيرة بأهلها وعظيمة بعلمائها لكن المشكلة أنه لا يوجد لدينا اهتمام من الدولة وابسط الأمور هي حقوقنا منها، ولكن أهل البلدة أمنّوا المياه والكهرباء برعاية رئيس البلدية وجهود المغتربين، لكن الأمن في وطننا بعيد لأن فيه زُمر حاكمة وتعمل لمصالحها الشخصية.
“لبنان أجمل بلد في العالم وأحب بلدي ولكن أأسف أن بلدي ودولتي لا تحضنني كمغترب، ولو أن بلدتنا فيها الأمن والامان والإستقرار لم نكن من المغتربين”.
وأكد بعض الشبّان في البلدة على حبّهم لقريتهم وتعلّقهم بها مفضلين العيش فيها كشباب وكمعيشة أفضل وجوهّا المتميز وقلة زحمة السّكان رغم عدم إلتفاتة الدولة لها.
تكرار لا يملّ منه لأن الحاجة تبقى ولا تتبدل، ويبقى المواطن يسعى لحياة أفضل طامحاً إليها من وطن صغير اسمه الدولة الذي لا حضن ولا دفئ لشعب مؤمن إلّا بالحياة الكريمة.