كتب خضرحسان – المدن : تغييرات كثيرة يشهدها القطاع المصرفي، الذي اهتزَّ عرشه منذ بداية انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، انعكست قرارات تعسّفية تُطلَق يُمنى ويُسرى ويدفَع ثمنها المودعون، سواء أصحاب الودائع الدولارية أو الليرة. وبما أنّ القاعدتين الأهم في المصارف، هما عدم تقديم أي خدمة مجّانية والسعي لتحصيل أكبر قدر من الأرباح، تلجأ المصارف اليوم إلى تقليص حجم خدماتها للمودعين، غير آبهة بالنتائج السلبية التي تنقلب عليهم. وآخر القرارات، هي التوقّف عن دفع فواتير الخطوط الخليوية الثابتة، إن كان المودع لا يملك حساباً دولارياً.
تقليص المصاريف
أصدَرَ بنك عودة تذكيراً أخيراً لمودعيه الذين يدفعون فواتير الخطوط الخليوية الثابتة عبر البنك، بضرورة “التواصل مع شركة الخلوي لتبديل عملة تسديد فواتير الخطوط الثابتة من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية بأسرع وقت ممكن”. فاعتباراً “مِن الشهر المقبل، ولمواصلة خدمة تسديد الفاتورة، سيتم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتسديد الفواتير بعملة الفاتورة نفسها حصراً، وسيتم إرجاع الفواتير غير المطابقة لعملة التسديد”. أي أنّ مَن يملك حساباً بالدولار، سيتم تحويل قيمة الفاتورة من حسابه، بالدولار. ومَن يملك حساباً بالليرة، سيتوقّف البنك عن تحويل قيمة الفاتورة.
يشرح أحد موظّفي البنك في حديث لـ”المدن”، أن هذا القرار مرتبط بشركتيّ الخليوي ألفا وتاتش، فهما تُصدران الفواتير بالدولار، والمصرف سيلتزم بالتسعير ويحوِّل قيمة الفواتير استناداً إلى العملة المعتمدة في الفاتورة. أمّا سبب القرار فهو “عدم رغبة المصرف بالاستمرار في تبديل العملات للدفع للشركتين وفق سعر الصرف الرسمي. فالبنك كان يحوِّل قيمة الفاتورة من حسابات الليرة إلى دولار ويتحمَّل هو مصاريف التحويل، ولم يعد يريد تحمُّلها”. وعليه، صاحب الحساب بالليرة سيخرج مِن المعادلة ويضطر للبحث عن سبل أخرى لدفع الفاتورة.
ويُذكَر أن القرار غير محصور ببنك عودة، إذ أنَّ كل المصارف في لبنان تتبنّاه، لكن عودة أعاد تذكير مودعيه كي يتفادى ردود الفِعل عند البدء بالتنفيذ.
تلاعب جديد
تتذرَّع المصارف بأنها تدفع لشركتيّ الخليوي بالدولار وفقاً للعملة المعتمدة في الفاتورة. وهذا غير صحيح، لأن شركتيّ الخليوي تقبلان المبالغ المحوَّلة “بكِلتا العملتين، الليرة والدولار، وفق السعر الرسمي”، حسب ما تقوله مصادر في شركة “تاتش”. وهذا الإجراء يسري على “شركات تحويل الأموال مثل شركة OMT. فإذا كانت الفاتورة على سبيل المثال 50 دولاراً، يمكن للمواطن دفع 75 ألف ليرة، والشركة أو المصرف يحوِّل المبلغ بالليرة إلى الشركتين”.
وتلفت المصادر النظر إلى أن الشركتين “تقبلان التحويل بالدولار، وتحتسبانه وفق السعر الرسمي. ما يعني أن الـ50 دولاراً بالنسبة للشركتين، تساوي 75 ألف ليرة، ولا علاقة لهما بسعر السوق السوداء أو السعر المعتمد لدى المصارف، أي 3900 ليرة للدولار”.
قبول شركتيّ الخليوي بالمبالغ المحوَّلة كما هي، ينفي حجّة “مصاريف التحويل”، ويضع قرار المصارف ضمن دائرة التساؤل والشبهة. فلِمَن تذهب مصاريف التحويل إذا لم تكن لشركتيّ الخليوي؟ هي قيمة تبقى داخل خزائن المصارف، وتَظهَر للمودع على شكل أكلاف “تتكبَّدها” المصارف لإجراء توازنٍ بين عملة الحساب وعملة الفاتورة.
وحتّى اللحظة، لم توضح المصارف، رغم الاتصالات والاستفسارات، سبب اتّخاذها القرار في هذا التوقيت، فيما كانت تقوم بالتحويل من ليرة إلى دولار، حسب ادّعائها، طيلة سنوات. ومع ذلك، لا داعي للتحويل طالما أن شركتيّ الخليوي تقبلان الدفع بالليرة.
حلول ملتوية
تطرح شركتا الخليوي والمصارف حلولاً ملتوية للمسألة. فالشركتان مستعدّتان “لإعطاء الزبون إفادة تقرّ بقبول الشركة استلام قيمة الفاتورة بالليرة. وما على الزبون سوى إبراز الإفادة للمصرف، فيوافق على تحويل قيمة الفاتورة إلى الشركة بالليرة”، هذا حسب مصادر شركة تاتش. أما موَظَّف بنك عودة، فيؤكّد أن “على الزبون التوجّه إلى شركة الخليوي ويطلب مِن شركته إصدار فاتورة له بالليرة، ويمكن للمصرف في هذه الحالة تحويل قيمة الفاتورة من حساب الليرة”. وفي هذه الحالة، على الشركتين إصدار فواتير مُعَدَّلة لكل مشترك على حِدة أو تعديل إصدار الفواتير بشكل عام.
أمّا عدم حصول صاحب الفاتورة على إصدار بالليرة، فيعني تحويل قيمة الفاتورة من حسابه بالدولار، فيصبِح المودع أمام خسارة جديدة تضاف إلى خسارته الأساسية وهي عدم قدرته على سحب دولاراته من المصارف إلاّ بسعر 3900 ليرة، فيما قيمة الدولار في السوق أكثر بكثير. فصاحب الإيداع بالدولار، سيدفع 50 دولاراً على سبيل المثال، وكأنها تساوي 75 ألف ليرة، أي أنه سيخسر على الأقل 120 ألف ليرة اعتماداً على تسعيرة المصارف، وسيخسر نحو 260 ألف ليرة مقارنةً مع سعر صرف السوق السوداء حالياً، وسيخسر أكثر كلّما ارتفع سعر الصرف.
هذه المسرحية تعيد تسليط الضوء على مخالفة شركتيّ الخلوي للقرار القضائي الصادر عن القاضية زلفا الحسن والذي ألزمهما في العام الماضي بتسعير الفواتير وبطاقات التشريج المسبقة الدفع بالليرة اللبنانية حصراً، انطلاقاً من وجوب الالتزام بالمادتين 1 و192 من قانون النقد والتسليف والمادتين 5 و25 من قانون حماية المستهلك، وابتداءً من تاريخ 21/11/2019.
وعدم التزام شركتيّ الخليوي بالقانون يُفتَرَض أن يعرّضهما للملاحقة القانونية ولغرامة إكراهية قيمتها 100 مليون ليرة عن كل يوم تأخير. وعدم دفع الغرامة، يحرم الخزينة من إيرادات إضافية، فضلاً عن إدراج ذلك في خانة التمرّد على الدولة وقرارات قضائها.
لا تغيير في الفاتورة
تتحضَّر شركتا ألفا وتاتش إلى تسليم إدارة قطاع الخليوي إلى الدولة اللبنانية، وهي تالياً، غير مهتمّة بتعديل تسعير الإصدار. ليبقى المودعون ضحايا الإهمال والتعسّف، سواء من جانب المصارف أو شركتيّ الخليوي.
أمّا في حصّة الدولة من المسؤولية، فترى وزارة الاقتصاد أنّها خارج المسؤولية كَونَها ليست شريكة في إبرام العقد بين الشركتين والدولة اللبنانية، وبالتالي لا صلاحية لمديرية حماية المستهلك لإلزام الشركتين بتغيير عملة تسعير الفاتورة، وإنما يمكنها طَلَب التعديل من باب التمنّي لتأمين مصلحة المستهلك.
إذاً، لا وزارة الاقتصاد قادرة، ولا الحكومة تريد ولا الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات. أمّا وزارة الاتصالات، فتقف دائماً في صفّ الشركتين، باحثةً عن سُبل تأمين مصالحهما من دون الإلتفات لمصالح اللبنانيين وخزينة الدولة.
مِن المفترض بالشركتين تسليم القطاع كليّاً إلى الدولة، إلاّ إذا وَجَدَ المستفيدون مِن الجانبين، وسيلة ملتوية لإبقاء الوضع على ما هو عليه. فيصبح التسعير بالليرة أمراً مستحيلاً، فيما تستمر المصارف بالضغط على المودعين من خلال تقليص “خدماتها” تحضيراً لتقليص عدد مودعيها، وتحديداً “صغار” المودعين، ارتقاباً للتغيير الذي ستشهده هيكلية القطاع المصرفي في المستقبل القريب.