خالد ابوشقرا – نداء الوطن
بعد تجاوز المهلة التي أعطاها “المركزي” لرفع الدعم، الشهر وأربعة أيام، فُتح باب استنزاف ما تبقى من احتياطي على مصراعيه. فعلى قاعدة “من بعدي الطوفان” تستمر الحكومة بالضغط على “صاعق” أموال المودعين في مصرف لبنان، كي لا “تنفجر” الأزمة في وجهها.
يشكل الاحتياطي الإلزامي، الذي من المفترض أن يكون 16.6 مليار دولار، على اعتبار ان حجم الودائع بالدولار يبلغ 111 ملياراً، آخر معاقل العملة الصعبة، واستهلاكه لا يشكل خطراً على ارتفاع نسب “الهيركات” على الودائع، التي قد تصل إلى 100 في المئة، فحسب، إنما على أمن لبنان القومي. وكما “لا يوجد مصرف مركزي في العالم يفلس دولته”، على حد قول الحاكم، كتبرير لاستمرار تمويل فشل المنظومة الحاكمة على مدى سنوات، كذلك لا يوجد مصرف مركزي يغرق شعبه بالظلمة 24/24. وتفادياً للوقوع عن “خيط” المعادلة الرفيع، طلب “المجلس المركزي” من مؤسسة كهرباء لبنان، ومن خلفها وزارة الطاقة ترشيد الإنفاق، والدقة في تقديم الفواتير، والتأكد من عدم وجود وسائل بديلة لتخفيض التكاليف، لأن “العين بصيرة واليد قصيرة”. وللغاية شدد “المركزي” في كتابه على ان “تكون هناك موافقة خطية على كل الفواتير المعروضة للدفع من شركة كهرباء لبنان وكافة الوزارات المعنية والمستوردين المعتمدين، من قبل مركزية واحدة تقررها الحكومة”.
“الطاقة” لا ترد
لغاية الساعة لم يتلق “المركزي” أي جواب أو رد مباشر من المعنيين في ملف الطاقة. وعلى الرغم من محاولة نواب الحاكم، الذين أصبحوا يشكلون إلى جانبه “المجلس المركزي”، العمل بطريقة مختلفة منذ تعيينهم في حزيران الفائت، بقي موقف “الطاقة” نفسه. فلا التحذير من الوصول قريباً إلى حدود التوظيفات الإلزامية، ولا الطلب بعقلنة المصروف، بغية تأمينه “بضمير مرتاح”، حركا ساكنها. وبحسب المعلومات فانه “من الممكن في ظل هذه الظروف الحرجة أن يتخذ مصرف لبنان قراراً باستعمال جزء أو نسبة من الاحتياطي الالزامي، لضمان استمرار المؤسسات بالحد الأدنى، وعدم سقوط البلد في الظلمة. فالكهرباء والإنترنت يعتبران خطاً أحمر للكثير من الأسباب، خصوصاً في ظل جائحة كورونا. ولكن النزول تحت سقف 15 في المئة يتطلب تبريراً إنسانياً وأخلاقياً يسمح في حال المساءلة في ما بعد عن الأسباب والأهداف لهدر أموال المودعين، أن تكون الحجة هي المصلحة العمومية وليس الاستفادة الشخصية”، يقول احد المعنيين في متابعة الملف.
أسباب الخلاف بين “المركزي” و”الطاقة”
من الممكن تلخيص السجال الحاصل بين “المركزي” والطاقة بالشكل التالي: المركزي يطلب تخفيض الأرقام بعد التدقيق بها والتأكد من صحتها. فيما الطاقة تطلب تمويل كامل النفقات التي تبلغ 1.3 مليار دولار. وبحسب المصادر فان “المركزي لا يستطيع الإفصاح عن الأرقام المتبقية، أو التي من الممكن ان يتدخل بها للاستمرار بالدعم. وذلك سواء كانت هذه المبالغ من الاحتياطات التي تفوق 15 في المئة أو تتدنى عنها. فالافصاح عن الأرقام سيفتح شهية المستفيدين على رفع السقوف وطلب دعم قد يكون أكثر من حاجتهم. الأمر الذي يفسح المجال للهدر مما لا أحد يملك الحق باهداره”. هذا بالاضافة إلى ان وزارة الطاقة هي الجهة الوحيدة التي لم تباشر بعد بوضع خطة لترشيد الدعم، على الرغم من انها الأكثر استهلاكاً للدعم. فعدا عن المبلغ الكبير المطلوب للكهرباء، فان كلفة دعم استيراد المحروقات بلغت في العام الماضي نحو 1.4 مليار دولار، (من المقدر أن يكون قد ذهب بين 30 و40 في المئة منها تهريباً إلى سوريا). وعليه فاذا لم يتوقف أو يترشد الدعم على السلع، سيبلغ ما تستنزفه “الطاقة” من أموال المودعين لغاية نهاية هذا العام 2.7 مليار دولار، أو ما يشكل 16.2 في المئة من قيمة الاحتياطي الإلزامي. في حين تلفت المصادر إلى ان “ضبط الاستيراد بشكل يؤمن حاجات السوق المحلية، لجم التهريب، ترشيد الدعم على المحروقات، وتخفيض نسبته من 85 إلى 60 في المئة، وإعطاء السائقين العموميين والطبقات الفقيرة قسائم تعبئة مدعومة… إجراءات كان من شأنها تحقيق وفورات يمكن استخدامها في سد عجز الكهرباء”.
تخفيض نفقات الكهرباء
الضالعون في ملف الكهرباء يتفقون على ان “المؤسسة” كان بامكانها تخفيض النفقات منذ سنوات طوال إلى أقل من النصف. حتى إنه كان بامكانها تأمين التوازن المالي في المؤسسة، في ما لو كانت هناك إدارة رشيدة. وذلك لأن تكاليف الفيول تدفع من الموازنة العامة، أما عوائد المؤسسة من الجباية فيذهب الجزء الاكبر منها هدراً فنياً وغير فني، والقسم الآخر يضيع في دهاليز المؤسسة. وبحسب تصاريح المدير العام السابق لمؤسسة الكهرباء جورج معوض فان “المطلوب إعادة بناء المؤسسة وعدم شرذمتها، ووقف التدخل السياسي بها”. وبرأيه فان “المؤسسة بامكانها تحقيق الأرباح، كما في العام 1999 عندما وصل فائض العوائد إلى 195 مليون دولار”. وهذا لن يتم بحسب معوض “إلا من خلال تطبيق القانون 462، لجهة تعيين الهيئة الناظمة للقطاع”. وإذا كان هذا الأمر متعذراً بسبب الخلافات السياسية، فالمفروض برأيه “خصخصة إدارتها، ووقف التعامل مع الشركات الأجنبية التي تدير المعامل بعقود مقومة بالدولار. فمعملا دير عمار والزهراني اللذان تناوب على إدارتهما لغاية اليوم 5 شركات أجنبية، ابتداء بـ “انسالدو” ومروراً بالكورية والماليزية، وصولاً اليوم إلى “ساوث برايم”، يمكن إدارتهما ذاتياً. فهما لا ينقصهما الجهاز الفني ولا البشري، ليتم وضع “طربوش” شركة أجنبية تديرهما فوقهما بتكاليف باهظة بالعملة الاجنبية”. هذه الحلول إذا أضيفت على اقتراح مؤسسة كهرباء فرنسا بضرورة الإنتقال بالانتاج إلى الطاقة المتجددة بنسبة 40 في المئة، فان التكاليف تنخفض بنسبة كبيرة جداً. وعندها يتوقف اعتماد مؤسسة الكهرباء على موازنة الدولة لتأمين سعر الفيول من جهة، وعلى مصرف لبنان لتحويل هذه المبالغ من الليرة إلى الدولار من جهة الثانية.
في الوقت الذي لم يتبق فيه إلا 0.14 سنت من كل دولار موضوع في النظام المصرفي، لم تقدّم لغاية الساعة الخطة الرسمية الشاملة لترشيد الدعم. وذلك على الرغم من طلب المجلس النيابي في جلسة 2 كانون الأول 2020 من الوزارات تحضير خطة الترشيد وتقديمها. ومع التهديد بضياع الودائع، فان الآمال بأي خطة اقتصادية لإعادة إقلاع البلد أو تحفيز الإقتصاد تصبح أصعب، هذا إن لم تكن مستحيلة.