ذوالفقار قبيسي – اللواء
… عبارة موجزة في خمس كلمات توجه بها قائد الجيش العماد جوزيف عون للطبقة السياسية، إضافة الى عبارة أشدّ إيجازا في كلمتين «الحرية مسؤولية» لطبقة تتخذ «الاقتصاد الحر» ذريعة لاحتكار يهدّد استقرار بلد «العسكرة السياسية» فيه «قوة ناعمة» بـ «ملامس دقيقة» لكنها فاعلة في مواجهة جموح «الدولة العميقة» وجنوحها عن خط الاستقرار الأمني والأمان الاجتماعي. كما حصل مثلا في العام ١٩٥٢ عندما أرغمت الظروف الطارئة الطبقة السياسية على المجيء بحكومة ترأسها قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب الذي بعد ٦ سنوات عاد الى الحكم عبر رئاسة الجمهورية وبالطرق الدستورية البرلمانية – عكس ما يحصل في عديد البلدان العربية – بعد أن رفض استخدام الجيش خدمة لمنافع طبقة غارقة في مصالحها السياسية والشخصية.
والآن..
تاتي أهمية الرسالة – التنبيه من قائد المؤسسة العسكرية، وسط انتفاضة شعبية سلمية، طالما طرح السؤال حول مدى إمكانية نجاحها دون تدخّل عملي من جيش يتبنّى شعاراتها أو دون سلاح شعبي ذاتي يفرض تحقيق أهدافها.
والأمثلة على ذلك «الثورات الحمراء»، بدءا بحركة «اليعاقبة» بقيادة روبسبيير خلال الثورة الفرنسية، مرورا بثورة العمال والبلاشفة بقيادة لينين في روسيا، وصولا الى ثورة الفلاحين والعمال بقيادة كاسترو وغيفارا في كوبا.
ومثلها الثورات التي تعتمد في نجاحها على سلاح الجيش الوطني من حركة كمال أتاتورك في تركيا، وحركة الضباط الأحرار في مصر بقيادة جمال عبد الناصر والانتفاضات المصرية الشعبية المتتالية التي أسقطت رئيسين للجمهورية، والحراك الشعبي الأخير في السودان الذي انضم إليه الجيش وأسقط رئيس الجمهورية.
وبالمقابل فأن الثورات أو الانتفاضات التي تحقق أهدافها دون سلاح، نادرة جدا. والشرط الأساسي لنجاحها بطريقة سلمية أن تحظى بإجماع شعبي كامل هو سلاحها الفاعل كما في «ثورة اللاعنف» بقيادة غاندي في الهند.
وماذا عن لبنان؟
الانتفاضة الأولى التي عرفها لبنان ما بعد الاستقلال كانت سلمية عرفت بـ «الثورة البيضاء» في العام ١٩٥٢ وكان سلاحها إجماعا شعبيا كاملا ودون نتوءات أو صدامات، وجاءت ضد رئيس جمهورية أصرَّ على البقاء في الحكم وسط أجواء عابقة بالفساد والمحسوبيات، وأدّت الى إقفال تام وإضراب عام استمر ثلاثة أيام في ١٥ و١٦ و١٧ أيلول ١٩٥٢، ودون عنف أو إشعال نيران أو إقفال طرقات ما اضطر رئيس الجمهورية يومها للرضوخ وتقديم استقالته في كتاب ورد فيه انه يتخلّى عن الحكم «تأمينا للمصلحة العامة» وإفساح المجال لانتخاب رئيس جديد «يحافظ على كيان الوطن واستقلاله وسيادته وعلى الميثاق الوطني بما يحفظ الحب والوئام بين جميع الطوائف التي يتكوّن منها الوطن الواحد».
وجاءت هذه الاستقالة بموقف وطني من الجيش تضامن مع انتفاضة عارمة وإرادة واحدة موحّدة لشعب واحد وخارج منظومة الطوائف في العام ١٩٥٢… قبل ٦٨ عاما من الآن.