جاء في صحيفة “الجمهورية”: يعيش اللبنانيون على وقع تقدُّم ملف وتراجع آخر، فتتراجع الحركة الاحتجاجية في الشارع ليتقدّم الهمّ الحياتي والمعيشي، من الدولار الذي يواصل ارتفاعه، إلى التلويح بالعتمة الشاملة، وما بينهما الارتفاع المتواصل في أسعار المأكولات والمحروقات. وبين تقدُّم ملف وتراجع آخر، الأزمة تراوح وتتعمّق ووتيرة الانهيار تتسارع، ولا حلول لهذه الأزمة قبل ان تتألف الحكومة التي لا معلومات حاسمة حول ما آلت إليه وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
ُدرك المسؤولون انّ المفتاح الوحيد لفرملة الانهيار يكمن في تأليف الحكومة، وما لم تتألف هذه الحكومة فإنّ الانهيار سيتواصل. ولكن السؤال الذي لا إجابة عنه: هل يُعقل لمسؤولين يعرفون طريقة الخروج من أزمة جوعّت الناس وبدّلت في وجه البلد، ولا يبادرون إلى تجاوز كل الاعتبارات والخلافات من أجل إنقاذ البلد من وضع كارثي ومستقبل قاتم؟
وبالتوازي، يكرّر المسؤولون الدوليون اللاّزمة نفسها: لا مساعدات للبنان قبل ان تتألف الحكومة وتطبِّق الإصلاحات المطلوبة. كذلك يكرّرون التحذيرات عينها من سوداوية الوضع اللبناني ما لم تُشكّل الحكومة سريعاً، ولكن لا حياة لمن تنادي، وهل يُعقل أساساً ان يتوقف مصير بلد وشعب على حقيبة وزارية في ظلّ ما يُنقل عن انّ العقدة الوحيدة المتبقية تتعلق بوزارتي الداخلية والعدل؟
ومن الواضح انّ موسكو، بعد باريس، دخلت بقوة على خط اللقاءات اللبنانية، ساعية بدورها إلى إخراج الحكومة من عنق الزجاجة، ولكن ما لم يتوجّه الرئيس المكلّف سعد الحريري الى القصر الجمهوري للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، يعني انّ التسوية الحكومية النهائية لم تنضج بعد، ويبدو انّ الحريري لا يريد ان يكون اللقاء المقبل مع عون نسخة مكرّرة عن اللقاءات السابقة، ولذلك، يُنتظر ان تتبلور معالم التسوية والمخارج التي يُعمَل عليها على أكثر من خط داخلي وخارجي.
ولا شك انّ الوساطات تعمل هذه المرة على وقع عودة التحرّكات الإحتجاجية وتسارع وتيرة الانهيار، ما يعني انّ العوائق في طريق التأليف يجب ان تُزال سريعاً قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة في ظلّ التدهور المتواصل، خصوصاً وانّ العِقَد المتبقية باتت محصورة، والرئيسين وصلا إلى إقتناع، أو يفترض ذلك، بأنّ تعاونهما إلزامي، لأنّ الحريري لن يعتذر، ولا خيار أمام عون سوى الوصول معه إلى صيغة نهائية.
ويتكئ الرئيس المكلّف في مقاربته على ثلاث نقاط قوة أساسية:
ـ النقطة الأولى، انّ المجتمع الدولي لن يقدِّم المساعدات للبنان ما لم تتألف حكومة وفق المعايير المطلوبة، وتكون قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
ـ النقطة الثانية، تتعلّق بشبكة علاقاته الخارجية التي يعمل على تظهيرها وإثباتها في زياراته الخارجية، فيما العهد معزول عن العالم الخارجي، ولن يتمكن لبنان من الخروج من أزمته من دون هذه العلاقات ودور هذه الدول في مساعدة لبنان.
ـ النقطة الثالثة، تكمن في تمسُّك “الثنائي الشيعي” برئاسته (اي الحريري) للحكومة، خلافاً لإرادة العهد، وذلك لاعتبارات تبدأ من استمرار التبريد على الخط السنّي – الشيعي، ولا تنتهي بأنّه رجل المرحلة والأقدر، نسبة الى شبكة علاقاته الخارجية، على فرملة الانهيار المالي.
تحذير فرنسي
وفي هذه الأجواء، صدر امس موقف فرنسي اتهامي ـ تحذيري جديد، حيث اتهم وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان السياسيين اللبنانيين بـ”عدم تقديم المساعدة لبلدهم الذي يواجه مخاطر “الانهيار”، في وقت يعاني لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة”.
وقال لودريان للصحافيين أمس، بحسب وكالة “فرانس برس”: “قد أميل للقول بأنّ المسؤولين السياسيين اللبنانيين لا يساعدون بلداً يواجه مخاطر، جميعهم أياً كانوا”، مستنكراً “تقاعس الطبقة السياسية عن التصدّي لخطر انهيار البلد.”
وحذّر من أنّ “الأمر يعود الى السلطات اللبنانية للإمساك بمصير البلد، علماً أنّ المجموعة الدولية تراقب “الوضع المتدهور، في تعبير جديد عن الضغوط التي تحاول فرنسا ممارستها منذ أشهر على القادة السياسيين اللبنانيين لكي يشكّلوا حكومة لكن من دون نجاح حتى الآن”. وقال: “إذا انهار لبنان فستكون كارثة على اللبنانيين (…) على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والمنطقة بأسرها”. لكنه أكّد انّه “لا يزال هناك وقت للتحرّك لأنّه في الغد سيكون قد فات الأوان”.
مجموعة الدعم
وقد تزامن هذا الموقف الفرنسي مع موقف مماثل لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، التي قالت في بيان لها انّها اجتمعت امس “لتقويم الأوضاع في البلاد، بعد مرور أكثر من 7 أشهر على انفجار مرفأ بيروت المأسوي، ولاحظت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة في لبنان، والتي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، وأعربت عن قلقها إزاء التوترات المتزايدة في البلاد، بما في ذلك الإحتجاجات الأخيرة”.
ودعت المجموعة إلى “الحفاظ على سلمية التظاهرات بهدف حماية حقوق الإنسان. كذلك دعت إلى تحقيق المحاسبة والعدالة عبر تحقيقات ذات صدقية وشفافة وسريعة في انفجار مرفأ بيروت ومقتل السيد لقمان سليم”. واشارت الى “القلق من مرور 7 أشهر منذ استقالة الحكومة الأخيرة، ما أعاق قدرة لبنان على معالجة التحدّيات السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية والمؤسساتية المتفاقمة، والتي تزداد تعقيداً وعلى تلبية الحاجات والتطلعات المشروعة للشعب اللبناني”. وكرّرت “دعوتها العاجلة لقادة لبنان لعدم تأخير تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وقادرة على تلبية احتياجات البلاد الملحّة وتطبيق الإصلاحات الحيوية”، مؤكّدة “دعمها الثابت والمستمر للبنان وشعبه”.
دوكان في بيروت غداً
وفي هذه الأجواء، علمت “الجمهورية”، انّ المسؤول المكلّف لدى الحكومة الفرنسية لتنسيق المساعدات الدولية للبنان التي أُقرّت في مؤتمر “سيدر واحد” السفير بيار دوكان سيصل الى بيروت خلال الساعات القليلة المقبلة.
وقالت مصادر، انّ زيارة دوكان لا علاقة لها بالمهمّة المكلّف بها، وانّ الرجل يأتي ملبياً دعوة الى المشاركة في مؤتمر يُعقد بالتنسيق بين نقابة المهندسين في بيروت والمؤسسة العامة للإسكان ويتعلق بإعادة اعمار محيط مرفأ بيروت، وسيكون له مداخلة في ختام المؤتمر بعد غد الاحد.
لا حراك للتأليف
ولم يُسجّل امس اي حراك في شأن التأليف الحكومي في اي موقع رسمي وخصوصاً في قصر بعبدا و”بيت الوسط”، فيما تفرّغ المسؤولون لمراقبة التحضيرات الجارية للجلسة التشريعية التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد ظهراليوم في قصر الاونيسكو.
الحريري وخليل
وفي ظلّ هذه الأجواء السلبية كشفت اوساط “بيت الوسط” وعين التينة لـ”الجمهورية”، عن لقاء عُقد ليل الثلثاء ـ الاربعاء بين الحريري والنائب علي حسن خليل موفداً من بري، وذلك بعد ساعات من عودة الرئيس المكلّف من ابوظبي، ودام اللقاء ساعتين وخُصّص للبحث في مبادرة اللواء ابراهيم وسبل مقاربتها مجدداً لإستئناف المفاوضات حول مضمونها وما يمكن القيام به.
بعبدا منزعجة
وتحدثت مصادر مطلعة لـ “الجمهورية” عن “إنزعاج واضح” في دوائر القصر الجمهوري من اقتراح القانون المعجّل المكرّر الذي قدّمه خليل عشية الجلسة التشريعية، يقضي بتقديم مليون ليرة شهرياً لكل ضابط وعسكري في الجيش والقوى الأمنية الاخرى ولمدة 6 اشهر، سواء اعتبرت علاوة على الراتب او انّها سلفة، استباقاً لأي زيادة محتملة على الأجور.
وقالت هذه المصادر، “انّ القلق موجود نتيجة الاستنسابية المعتمدة تجاه ما يُطرح على الجلسات النيابية العامة، فيؤجّل المستعجل ونستعجل البت بما يجب تأجيله، واذا تمّ البت باقتراح خليل وتحوّل امراً واقعاً، فسيكون امراً كارثياً قياساً على حجم الانعكاسات السلبية المقدّرة من اليوم على هذه الخطوة، لما لها من مضار سلبية على الكتلة النقدية في السوق وحجم التضخم الذي سيرتفع الى الحدود القصوى، وربما انعكس ارتفاعاً كبيراً في سعر الدولار “الفالت” الذي اقترب من رقم تاريخي جاور الـ 11 الف ليرة”..
وسألت المصادر: “هل يقدّر اصحاب الاقتراح ما ستكون ردة فعل البنك الدولي او صندوق النقد الدولي تجاه مثل هذه الخطوة، في ظلّ الازمة النقدية التي تعيشها البلاد؟ وهل انّ حجم ما هو مطلوب ان اقترب من 800 مليار ليرة لبنانية متوافر في وزارة المال لهذه الغاية، في ظلّ التقنين تجاه قضايا مهمة أخرى؟”.
مقاطعة نيابية لجلسة اليوم
وعشية الجلسة النيابية، اكّدت كتلة “الجمهورية القوية”، انّها لن تشارك فيها، رفضاً لما هو مطروح على جدول الاعمال، وسط تريث تكتل “لبنان القوي” الى اليوم، للقرار في شأن مشاركته في الجلسة من عدمها بعد إحالة اقتراح القانون الذي تقدّم به طلباً للسلفة المالية المطلوبة لمؤسسة كهرباء لبنان الى اللجان النيابية المشتركة بدلاً من ضمّه الى جدول اعمال جلسة اليوم الى جانب المشاريع الأخرى، كما بالنسبة الى تأجيل البت بقانون “الكابيتال كونترول”.
الثقب الاسود
من جهة ثانية، عادت أزمة الكهرباء الى الواجهة، مصحوبة هذه المرة بتهديدات بالعتمة الشاملة بدءاً من نهاية آذار الجاري، اذا لم تتأمّن الاموال اللازمة لشراء الفيول، على ما أكّده وزير الطاقة ريمون غجر امس، عقب زياته قصر بعبدا، حيث شرح لرئيس الجمهورية التعقيدات المحيطة بهذا الملف.
ويواجه مجلس النواب، وقد رمى وزير الطاقة كرة النار في اتجاهه، خيارات كلها صعبة. إذ يدرك النواب انّ الحكومة وضعتهم في موقف حرج، لا هم قادرون على رفض منح مساهمة مالية أو سلفة لمؤسسة الكهرباء، لأنّ ذلك يعني العتمة الشاملة، مع ما يستتبع ذلك من كوارث يتحمّل نتائجها المواطن. ولا هم موافقون على الرضوخ، كما في كل مرة، للأمر الواقع الذي تضعهم فيه وزارة الطاقة، فيضطرون الى إقرار الاموال التي تُهدر منذ سنوات طويلة، من دون اي اصلاحات في القطاع.
ومن خلال الأجواء المتوفرة، هناك كتل حسمت أمرها وسترفض إقرار مساهمة مالية غير مشروطة، في حين انّ كتلاً أخرى ستنصاع للأمر الواقع، وستوافق على المنحة بعد خفض المبلغ المطلوب وهو 1500 مليار ليرة. وحتى الآن، لم يتضح ما قيمة المبلغ الذي سيتمّ التوافق عليه، لكن معلومات افادت انّ المبلغ قد يُخفّض الى ما بين 700 أو 800 مليار ليرة، بما يعني انّ مؤسسة الكهرباء ستضطر الى تقنين اضافي في ساعات التغذية.
ويطرح نواب إشكالية تأمين الاموال بالعملة الصعبة. اذ أنّ مصرف لبنان هو الجهة التي ستؤمّن الدولارات المطلوبة، بما يعني الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي، وزيادة الضغط على مصير ودائع اللبنانيين.
في النتيجة، يبدو المشهد سوريالياً ومُعتماً، لأنّ كل الخيارات المطروحة موجعة ومكلفة، والأخطر انّ الثقب الاسود الذي التهم منذ نحو 20 عاماً حتى اليوم نحو 35 مليار دولار، سيواصل التهام اموال اللبنانيين، من دون أي أمل في اصلاح القطاع وتوفير التيار 24 ساعة، لرفع سعر التعرفة، ووضع حد للخسائر المستمرة، والتي ساهمت بفعالية في الانهيار المالي في لبنان.
ترسيم الحدود
أثار رئيس مجلس النواب نبيه بري مع القائمة بمقام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان منسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي “كراعٍ للمفاوضات غير المباشرة”، ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان، مشدّداً على “ضرورة عدم التأخير في استئنافها”، لافتاً الى “أنّ إتفاق الإطار الذي حظي بموافقة الأطراف الأربعة، والذي يدعو الى ترسيم الحدود البحرية على غرار الخط الأزرق براً، وهذا ما يضع حداً للإدعاءات الاسرائيلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ويحفظ للبنان حدوده وحقوقه وفقاً للقوانين الدولية”.
وحضّ بري الموفدة الاممية على “ضرورة تشجيع الشركات النفطية التي رست عليها مناقصات الإستثمار للتنقيب في المياه اللبنانية، للبدء في أعمالها فوراً، خصوصاً وانّها حدّدت مواعيد عدة ولم تلتزم بها، وكان آخرها شباط الماضي”، معتبراً “انّ البدء في هذه الاعمال من أهم المساعدات التي تُقدّم للبنان في هذه المرحلة”.
إسرائيل مستعدة لحلّ؟
وفي سياق متصل، أكّد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، أنّ اسرائيل مستعدة للتوصل لحلّ مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية، في حال أبدت بيروت مرونة لذلك. وذكر الموقع الإلكتروني العبري “سيروغيم”، أنّ شتاينتس أكّد سابقاً أثناء مراحل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، التي جرت في تشرين الأول الماضي، “أنّ الهدف من تلك المفاوضات هو إنهاء الخلاف حول ترسيم حدود المياه الاقتصادية بين الجانبين، الإسرائيلي واللبناني، بدعوة المساعدة في تطوير الموارد الطبيعية لمصلحة جميع شعوب المنطقة”. وأشار إلى “أنّ نجاح المحادثات سيؤثر بنحوٍ كبير على استقرار المنطقة ويعزّز ازدهار مواطني كلا الشعبين في إسرائيل ولبنان”.
أعلى معدلات “كورونا” عربياً
صحياً، أظهرت إحصاءات نشرتها وكالة “رويترز”، أمس، تقدُّم الأردن ولبنان في قائمة الدول العربية التي سجّلت أعلى معدلات إصابة ووفيات بفيروس “كورونا”.
وفي هذا الإطار، تمنّى وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن على مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومارجاه “زيادة كمية اللقاحات التي يتمّ استلامها تباعاً، خصوصاً أنّ وزارة الصحة العامة حجزت عبر أكثر من مصدر، ما يزيد عن 7 ملايين جرعة لقاح، وحوّلت الإعتمادات اللازمة في وقت مبكر”.
وكانت وزارة الصحة أعلنت أمس في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 3518 إصابة جديدة ( 3492 محلية و26 وافدة) ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 408909 اصابة، فضلاً عن تسجيل 50 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 5230 حالة.