غسان ريفي – سفير الشمال
على الرغم من أهمية ما طرحه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من عناوين سياسية وإقتصادية في ورقة التيار أمس، إلا أنه كان في الوقت الراهن “لزوم ما لا يلزم”، خصوصا أن اللبنانيين يصمون آذانهم عن كل كلام سياسيا كان أو إقتصاديا أو حتى طائفيا، ويصبون إهتماماتهم على أزمتهم المعيشية، ويتطلعون فقط الى تشكيل الحكومة العتيدة التي بدونها لا معنى لأي كلام من أي نوع كان ومن أي جهة أتى.
لا شك في أن باسيل أذكى من أن يرمي مضمون ورقة تياره السياسية في الهواء في الوقت الذي تصب فيه إهتمامات اللبنانيين في مكان آخر، وهو على يقين بأنه لا يستطيع تنفيذ أي بند منها، لذلك فهو أراد من خلالها توجيه رسائل سياسية في إتجاهات مختلفة إستباقا لبعض الاستحقاقات التي أصبحت داهمة على صعيد التيار الوطني الحر ولبنان والمنطقة.
في التيار، يعاني باسيل من أزمة داخلية حقيقية تتمثل بإنقسامات وصراعات نفوذ وتسرب حزبي واضح، فيما المعارضة العونية من الحرس القديم تضغط عليه، لذلك فقد حاول رسم إستراتيجية كاملة للتيار تحاكي تطلعات البعض وتطمئن البعض الآخر وتهدأ من غضب شارعه، كما رد من خلالها على كثير من الاتهامات، لا سيما الانقياد الكامل لحزب الله.
على الصعيد اللبناني، قدم باسيل مشروعا إنتخابيا متكاملا للتيار الوطني الحر، قد يلجأ فيما بعد الى إدخال بعض التعديلات عليه ليتماشى مع مشروعه الرئاسي مستقبلا.
لكن ما قاله باسيل في هذا السياق حول وعود وتطوير المرافق والمؤسسات والاصرار على الانتاج إنقلب سريعا عليه، فتعرض لهجمة كبيرة من كثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين إستهزأوا بطروحاته، كونه يتحدث عن مشاريع تجعل من لبنان بلدا نموذجيا على كل صعيد، في الوقت الذي لا يجد فيه اللبنانيون قوت يومهم ويتقاتلون في المحلات التجارية على الحليب والزيت والسكر المدعوم، وينتظرون نهاية شهر آذار ليغرقوا في العتمة، فيما الدولار الأميركي بلغ سعر صرف تاريخي مرشح للارتفاع أكثر فأكثر بينما السلطة السياسية التي يقودها عمه رئيس الجمهورية والكتلة النيابية الأكبر التي يقودها هو لم يحركا ساكنا تجاه كل ما يحصل، بل يتنصلان من كامل المسؤوليات.
من جهة ثانية، حاول باسيل ركوب موجة بكركي وإسترداد ورقة “الحياد” من البطريرك بشارة الراعي بتبنيه الكامل لها وتقديم فلسفة لها، والمزايدة على القوات اللبنانية، وذلك بهدف إرضاء الشارع المسيحي المتعاطف مع طرح بكركي وعدم إزعاج حزب الله الذي توافق مع لجنة بكركي في جلسة الحوار الثنائي بأن يتم الاتفاق على الحياد لاحقا، وأن يكون تشكيل حكومة والبدء بالاصلاحات هو البديل لفكرة المؤتمر الدولي خصوصا أن أحدا غير مستعد لتنظيمه راهنا.
واللافت أن باسيل غاص في مسألة الحياد واصفا إياها بـ”إبقاء لبنان بمنأى عن أي نزاع لا علاقة له به”، وصولا الى تبني فكرة “النأي بالنفس” التي أطلقها الرئيس نجيب ميقاتي ونفذها في حكومته قبل نحو عشر سنوات، والتي تعرضت لحرب سياسية شعواء آنذاك قبل أن تعي الأطراف اللبنانية أهميتها وتتحول الى حكمة وطنية إتبعتها كل الحكومات وضمنتها في بياناتها الوزارية، إلا أن باسيل أعطاها أمس إسم “الحياد الايجابي” وفي ذلك سرقة موصوفة لعلامة سياسية مسجلة بإسم ميقاتي.
على صعيد المنطقة، حاول باسيل تقديم أوراق إعتماد، فاستبق زيارة حزب الله الى موسكو اليوم، بعد حصوله على كثير من المعلومات من مستشار رئيس الجمهورية امل أبو زيد الذي إلتقى مساعد وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف أكثر من مرة، حول جدول أعمال اللقاء الذي يتمحور حول ترتيبات أمور منطقة الشرق الأوسط التي يعتبر حزب الله شريكا أساسيا في توترها أو إستقرارها.
لذلك فقد شدد باسيل على ضرورة إعادة النظر في تفاهم مار مخايل مع الحزب، وإعتماد إستراتيجية دفاعية تقوم على التفاهم الداخلي، والتشديد على مركزية قرار الدولة وإعتبار الجيش اللبناني صاحب المسؤولية الأولى في الدفاع عن الحدود والوجود”، وكل هذه الأمور من المفترض أن تناقشها القيادة الروسية مع وفد حزب الله في موسكو، وبالتالي يكون باسيل قد وجه رسالة إيجابية الى القيادة الروسية، ولم ينس بأن يتبعها برسالة أكثر من إيجابية الى أميركا عله يحصل على عفو من العقوبات المفروضة عليه، وذلك بتأكيده على ضرورة إحلال السلام بين شعوب المنطقة والذي هو غاية وفي صلب ثقافة التيار، الأمر الذي عرّض باسيل الى مزيد من الانتقادات والاتهامات بأنه باشر بالتسويق للتطبيع مع إسرائيل.