كتب ذوالفقار قبيسي : الصورة عن الدولار داخل «الكهف» المصرفي، تبدو أكثر تفاؤلا مما هي عليه خارجه. وأسباب التفاؤل كما يوضحها مسؤول مصرفي لـ «اللواء» ان انخفاض الاستيرادات والتقشف والتقنين من قبل المستهلكين خفّف من الحاجة الى الدولار الذي حسب المسؤول المصرفي، يشهد الآن بالمقابل دفقات منه الى الداخل من مصادر عدة، منها لتسديد قروض مستحقة للمصارف بالدولار على غير مقيمين، أو من أعادوا جزءا من الدولارات التي سبق أن حوّلوها، بعد أن حث مصرف لبنان المصارف على أن تطلب إعادتها تجنّبا للمساءلات الجزائية، وايداعها لدى المصرف المحولة اليه في حساب خاص بالدولار لمدة خمس سنوات (بفائدة لم تحدد بعد!) على أن تعاد لأصحابها مع فوائدها بعد تلك المدة وبالدولار. يضاف ان عددا من المصارف زاد الى رأسماله النسبة المطلوبة بالدولار من قبل مصرف لبنان. يضاف ان التحويلات الاغترابية الى لبنان حافظت نسبيا على وتيرتها. فضلا عن أن التكليف والتأليف الحكومي المرتقب وما رافقه من هبوط متواصل في سعر الدولار، دفع عددا من مدخري الدولار والصرافين الى بيع ادخاراتهم بالدولار خشية استمرار هبوط السعر، لا سيما مع احتمال موافقة صندوق النقد ودول المساندة والمساعدة على ضخ دفعة أولى من الدولارات. وكل هذه العوامل وسواها يرى فيها المسؤول المصرفي عوامل نقدية مهمة تساهم في استمرار هبوط سعر الدولار ولو بارتفاعات موسمية وتقلبات مفاجئة أحيانا، لا سيما إذا توافر استقرار سياسي وأمني معيّن يدعم العوامل النقدية التي تواجههها بالمقابل تحفظات لدى خبراء اقتصاديين يرون فيها «شطحات» إيجابية في جزء صغير من نصف الإناء ممتلئ!
فماذا في النصف الآخر من الإناء؟
أولا: الرؤية من خارج «الكهف المصرفي» ان انحسار الاستيرادات يؤدي مؤقتا وأحيانا الى تراجع في الطلب على الدولار لكن كثيرا ما يسير عكسه ارتفاع متواصل للسعر رغم الانخفاض الموسمي أحيانا. والدليل انه كثيرا ما حصل هذا الانخفاض النسبي وعاد السعر بعده الى الارتفاع.
ثانيا: رغم تراجع الاستيرادات بنسبة ملحوظة بحوالي ٤٠ الى ٥٠% فان عجز ميزان المدفوعات مستمر، مضافا إليه جمود شبه كامل في الودائع الجديدة. وان ما نلاحظه أحيانا من ارتفاع الودائع بنسبة ضئيلة سببه ليس ودائع جديدة وإنما الفوائد المضافة الى الودائع ما يزيد في حجمها «من حواضر البيت وليس من خارجها»!
ثالثا: الطلب على الدولار سيستمر رغم انحسار الاستيرادات، حيث أن مصرف لبنان كان يتدخّل في الماضي للجم ارتفاع سعر الصرف عبر ضخ كميات كافية من الدولارات. وقد توقف الآن عن الضخ بسبب استنزاف احتياطي العملات الأجنبية. كما ان المصارف بدورها كانت تضخ الدولارات عبر أنبوبين: الأول دفع ودائع الدولار بالدولار وليس قسرا والزاما بالليرة اللبنانية. والثاني بالتسليفات التي كانت تقدّمها وتوقفت عن ضخها بالدولار للقطاعين الخاص والعام بما بلغت هذه التسليفات لغاية أيلول ٢٠١٩ أكثر من ٥٠ مليار دولار ثلثاها تقريبا للقطاع الخاص وثلثها تقريبا للقطاع العام.
رابعا: صحيح ان الاستيرادات تراجعت وخففت من الطلب على الدولار لكن أحداثا طارئة حصلت عكسيا، منها تراجع الصادرات وغياب شبه كامل للاستثمارات، وخسائر وأضرار تفجير المرفأ وأكلاف مواجهة جائحة الكورونا وما أدّت إليه من ارتفاع أسعار الحاجيات العالمية، مضافا استمرار ارتفاع الدين العام ومعه حجم الفوائد المستحقة بالدولار… وكل هذه العوامل الطارئة والثابتة تجعل نصف الاناء ممتلئا بالأسباب التي قد تعيد الدولار الى الارتفاع مقابل جزء من النصف الآخر ممتلئ بالأسباب التي تبقيه على انخفاض.
وخارج الإناء بنصفيه الاثنين، يبقى العرّافون والمنجّمون.. ولو صدقوا..
وهذا إذا صدقوا!