جاء في صحيفة النهار: اذا كان كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في زيارته الخاطفة عشية عيد الفصح لبكركي يشكل مؤشرا دقيقا حيال المعطيات المتصلة بالوساطة الأخيرة التي اطلقها على نحو غير رسمي رئيس مجلس النواب نبيه بري في ملف تشكيل الحكومة فيمكن الاستخلاص فورا ان لا شيء يمكن الرهان عليه لتغيير إيجابي في موقف العهد وان تعطيله لعملية التأليف لم تأذن بعد نهايته.
إذ ان المراقبين والمطلعين الذين لم يكونوا أساسا يتوقعون بشرى سارة او عيدية فصحية تستولد الحكومة الجديدة عشية الفصح لاحظوا ان زيارة عون لبكركي في توقيتها الملتبس المفاجئ عصر امس جاءت تحت ذريعة إجراءات كورونا لتجنب مشاركة رئيس الجمهورية التقليدية اليوم في قداس الفصح على الأرجح . فما بين عون وسيد بكركي لم يخف على تقاسيم وجهيهما اذ جاء اللقاء بعد ساعات قليلة من ترددات رسالة الفصح النارية التي وجهها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والتي اتسمت بأهمية بالغة لجهة النبرة الأكثر تشددا في مواقف البطريرك من الطبقة الحاكمة بما أصاب مباشرة وأول من أصاب عون نفسه.
وتاليا فان توقيت زيارة عون بدا في خلفيته بمثابة خطوة إعلامية شكلية لا اكثر لئلا يقال ان عون اعتبر رسالة الراعي موجهة اليه حصرا ولئلا يعطي انطباعا عن مقاطعته لبكركي فاختار هذا التوقيت.
اما في المضمون السياسي فان عون لم يتردد في اللجوء الى النبرة التهكمية على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لدى تحميله تبعة عدم الخروج من النفق المظلم لمجرد انه موجود في الخارج ، بما يشكل نموذجا فوريا وجاهزا على العدوانية القائمة في بعبدا حيال الحريري في حله وترحاله واينما ومهما فعل . ولذا يمكن القول ان الرهانات على انفراج او تقدم او اختراق حكومي تراجعت الى ادنى سقوفها ولا يبدو ان ثمة ما يمكن توقعه في الساعات والأيام القليلة المقبلة على الأقل.
وكان عون قال لقائه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي “أننا جئنا من ضمن تقاليدنا ومحبتنا لغبطته ولمعايدته ” وتمنى “للبطريرك الراعي وللشعب اللبناني فصحاً مجيداً على أمل الخروج من النفق الأسود الذي يمر به لبنان”. كما تمنى “ان يكون العام المقبل أفضل بجهود المسؤولين والشعب اللبناني لان لا مسؤولين بلا شعب والسلطة الأساسية بيد الشعب” . وعند سؤاله عن متى سنخرج من هذا النفق أجاب عون: “نخرج من النفق الأسود بعد عودة الرئيس المكلف من الخارج”. وأضاف، “العقد تتوالد منحل وحدة بتطلع واحدة وأنا دائماً متفائل”.
وسبقت زيارة عون بساعات رسالة الفصح التي وجهها البطريرك الراعي متضمنة مواقف في غاية التشدد من الطبقة الحاكمة بما أوحى أيضا ان المعطيات لدى البطريرك حول الجهود التي شارك فيها والرئيس بري أخيرا لم تفتح مسارب الانفراج . وقال الراعي : “ما أبعد الجماعة السياسيّة ولا سيّما تلك الحاكمة عندنا عن ثقافة الرحمة الموحاة للبشريّة في سرّ موت المسيح وقيامته… وكم يؤلمنا أن نرى الجماعة الحاكمة ومن حولها يتلاعبون بمصير الوطن كيانًا وشعبًا وأرضًا وكرامة!
ويؤلمنا بالأكثر أنّها لا تدرك أخطاء خياراتها وسياساتها، بل تمعن فيها على حساب البلاد والشعب!وكم يؤلمنا أيضًا أنّ بعضًا من هذه الجماعة يتمسّك بولائه لغير لبنان وعلى حساب لبنان واللبنانيّين! وما القول عن الّذين يُعرقلون قصدًا تأليفَ الحكومة ويشلّون الدولةِ، وهم يَفعلون ذلك ليُوهموا الشعبَ أنَّ المشكلةَ في الدستورِ، فيما الدستورُ هو الحلّ، وسوء الأَداء السياسيّ والأخلاقيّ والوطنيّ هو المشكلةُ؟ لقد صار واضحًا أنّنا أمامَ مخطّطٍ يَهدِفُ إلى تغييرِ لبنان بكيانِه ونظامِه وهوِّيتِه وصيغتِه وتقاليدِه. هناك أطرافٌ تَعتمدُ منهجيّةَ هدمِ المؤسّساتِ الدستوريّةِ والماليّةِ والمصرفيّةِ والعسكريّةِ والقضائيّةِ، واحدةً تلو الأخرى. وهناك أطرافٌ تعتمدُ منهجيّةَ افتعالِ المشاكلَ أيضًا لتَمنعَ الحلولَ، والتسويات”.
وتوجه الى جميع المتسببين في أزمة عدم تشكيل الحكومة قائلا: “كفّوا عن السلوك الـمُهينِ والمهيْمِن والأنانيِّ والسُلطويّ. كفّوا عن التضحيّةِ بلبنانَ واللبنانيّين من أجلِ شعوبٍ أخرى وقضايا أخرى ودولٍ أخرى. كفّوا عن الاجتهادات الشخصيّة في التفسيراتِ الدستوريّةِ وعن البِدعِ الميثاقيّة. أفرجوا عن القرارِ اللبنانيِّ “.
وعلى الاثر، غرد الرئيس عون عبر “تويتر”: “أول خطوة حقيقية في محاربة الفساد تكون بتسمية الفاسدين والإشارة اليهم بوضوح. أما تعميم التهمة فيصبّ في مصلحتهم لأنه تجهيل للفاسد الحقيقي، وتضليل صريح للرأي العام”.